مقالات

“حزب الله” وحماية نفوذ إيران في المنطق

رندة تقي الدين

يصبّ هجوم الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله العنيف ضد المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، والتظاهرات التي نظمها الثنائي الشيعي في بيروت ضد بيطار، في خانة استعادة نفوذ إيران ووكيلها على الأرض في لبنان. فبعد الصفعة التي تلقتها إيران في الانتخابات العراقية، تبدو غير مستعدة للقبول بتراجع سيطرتها في المنطقة.

لمتابعون العراقيون للانتخابات يقولون إن تراجع “تحالف الفتح” والحشد الشعبي المواليين لإيران لا يمثل مفاجأة، لأن الشعارات التي هيمنت على التظاهرات الشعبية في العراق في 2019 كانت ضد إيران والتدخل الخارجي. أما في لبنان، حيث جزء كبير من الشعب اللبناني وأهل ضحايا تفجير المرفأ متعطشون لكشف الحقيقة وللعدالة، لا يمكن “حزب الله” أن يقبل بهذه الطموحات الشرعية. فكما عبّر كثير من الناخبين في العراق عن استيائهم من التدخل الإيراني، يطمح جزء معتبر من الشعب اللبناني الى التخلص من السيطرة الكارثية لحزب يمتلك سلاحاً غير شرعي وله قرار الحرب، ويعزل لبنان عن بيئته العربية ويعين رؤساء الجمهورية ومعظم الوزراء، ويهرّب الطاقة الإيرانية الى لبنان لتمويل جماعته، ويخوض حرباً لـ”قبع” القاضي بيطار وحماية موقع إيران بالقوة في بلد أنهكه الحزب وحلفاؤه.

“قبع” القاضي بيطار هو أولاً إنذار لمن يتجرأ على رفع راية العدالة المستقلة. وهو أيضاً إنذار لحلفائه المسيحيين، الرئيس ميشال عون ورئيس الظل صهره جبران باسيل. الغضب والعنف في لهجة نصر الله ضد القاضي العدلي أظهرا إصرار “حزب الله” على التذكير بأنه المسيطر وأنه صانع الحكومات والرئاسات، فكيف يتجرأ القاضي على أن يحقق من دون إذنه ؟ الأمر الآخر الذي يظهر من موقف نصر الله أنه يتخوف من تحقيق القاضي بيطار لأن الحزب، كما يدخل المازوت الإيراني الممنوع الى لبنان، يخزن المواد البتروكيماوية ونيترات الأمونيوم لاستخدامها في حرب بشار الأسد ضد شعبه. تجدر الإشارة الى أن إيران تصنع وتصدّر بكثافة البتروكيماويات ومنها نيترات الأمونيوم.

لا شك في أن محاولة “قبع” القاضي بيطار تدخل في إطار تأكيد الحزب أن لبنان ليس العراق، وأنه ممنوع على أي كان أن يتمرد على وكيل إيران على الأرض في لبنان. فرنسا والاتحاد الأوروبي أكدا أنه ينبغي أن يكون القضاء اللبناني قادراً على التحقيق في انفجار المرفأ. ولكن كما في المحكمة الدولية لمحاكمة قاتلي رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري، لا يعترف “حزب الله” بالقضاء، لا العدلي المحلي ولا بالقضاء الدولي. فالحزب وأمينه العام هما القضاء. وقضاؤهما هو “القبع” بمختلف الأنواع، هذا هو تاريخه. وهي أيضاً طريقة الحرس الثوري الإيراني في تعامله مع من يريدون “قبعه”. فإيران التي تلاحظ نفوذها يتراجع بعض الشيء في العراق، وترى أنها مستهدفة يومياً بالقصف الإسرائيلي في سوريا، حيث القوة الجوية الروسية تغض النظر عن هذه الجولات شبه اليومية للطيران الإسرائيلي وهو يقصف المواقع الإيرانية، عازمة على دفع وكيلها “حزب الله” الى حماية نفوذه في لبنان لأنها ثمينة من ناحية استراتيجية لإيران في المنطقة.

وما دامت إيران رافضة للشروط الأميركية للعودة الى طاولة المفاوضات مع الدول الست في فيينا، فهي ماضية في تطوير السلاح النووي، ولا تبالي بتهديد إسرائيل ما دامت ذراعها المسلحة في لبنان تحمي مصالحها في لبنان وسوريا. اليوم مصير القاضي بيطار على المحك، وغدا لبنان كله على المحك، وحتى إذا أصرت جميع دول الغرب على ألا يتدخل أحد في التحقيق في تفجير المرفأ، فإن “حزب الله” غير مستعد للتنازل عن شبر من نفوذه في هذا الوقت الدقيق للعراب الإيراني في المنطقة.

وفي هذا الوقت، تحاول إيران التلويح بإمدادات غازها الى أوروبا التي تعاني من ارتفاع أسعار الغاز بسبب الضغوط الروسية المصدرة الأولى للغاز الى القارة العجوز. ولكن لا يمكن لإيران تزويد أوروبا بالغاز ما لم تطوّر إنتاجها الذي قد يستعرق خمس سنوات قبل أن يمكنها تصديره. لذلك تحاول إغراء أوروبا كي تقنع الجانب الأميركي برفع كل العقوبات عنها. ولكن ما دام الملف النووي معطلاً، فإيران عازمة على حماية نفوذها التخريبي في لبنان، وأهل ضحايا تظاهرات أمس مثل أهل ضحايا تفجير المرفأ هم ضحايا احتلال إيران وذراعه المحلية.

نقلا عن “النهار”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى