مقالات

غنج إيراني في مواجهة تمسك إسرائيلي بالحقيقة

فاروق يوسف

الولايات المتحدة حريصة على إنجاح مفاوضات فيينا بأيّ ثمن. فيما إيران تريد لتلك المفاوضات أن تنجح لكن ليس بأيّ ثمن، بل بثمن تقرره هي ويعود عليها بالنفع.

معادلة مقلوبة لكن السياسة فيها من الجنون ما لا يمكن توقعه.

ترغب إيران في أن تتأكد من أن الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة لن يكتفي بغض الطرف عن مشروعها التوسعي في المنطقة، بل وأيضا يعينها على تثبيته واقعا سياسيا ليس من الجائز العودة إلى ما قبله.

في تلك الحالة تكون إيران قد تخطت كل الخطوط الحمراء التي تتعلق بأمن المنطقة وسلامها وسيكون عليها أن تثبت اختراقها المباشر لمصالح دول الخليج وإسرائيل ومن خلالها مصالح الولايات المتحدة التي سبق أن توقع الكثيرون أنها لن تطوي ملف القصف الإيراني لمنشآت النفط السعودية الذي يُفترض أنه لا يزال مفتوحا في مجلس الأمن.

والملفات الإيرانية المفتوحة ليست قليلة، ولكن هل سيتم القفز عليها من أجل توقيع على اتفاق سيكون في إمكان إيران في أيّ لحظة ألا تلتزم به بسبب ميوعة فقراته؟

لا أفهم كيف يمكن أن تثق أوروبا والولايات المتحدة بإيران وقد كانا على تماس مباشر في المفاوضات التي سبقت اتفاق 2015 مع قدرة إيران على الكذب والتضليل وتزوير الحقائق وقد كان وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف بارعا فيها؟

ثم أنهما ليسا عاجزين عن الوصول إلى المعلومات الصحيحة التي كشف بعضا منها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو حين أعلن عن سرقة الوثائق النووية الإيرانية في فضيحة لم تظهر الولايات المتحدة الاهتمام المناسب بها.

لم تكن المعلومات التي كشف عنها نتنياهو جديدة على الدوائر الأمنية المختصة في الولايات المتحدة. ربما تجهل أوروبا الكثير. غير أن القليل الذي تتعمد الدوائر الأميركية أن تمرره قد يشكل أكبر الأخطار التي تهدد أمن المنطقة وسلامها. وفي ذلك تلعب الولايات المتحدة لعبة خطرة سيكون من الصعب معالجة تداعياتها.

ما فعله الرئيس أوباما حين كافأ إيران على توقيعها اتفاقا بسقف زمني كان جريمة في حق دول المنطقة. وكان من أول نتائج تلك الجريمة أن أحكمت إيران هيمنتها على العراق ولبنان واليمن وتمدّدت بطريقة مريحة في سوريا بحيث أن الأسد نفسه لو أراد إخراجها لن يقوى على القيام بذلك لأنها قد تمكنت من الأرض من خلال شرائها أولا وحمايتها بالسلاح ثانيا بالاستعانة بحزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية.

بعد اتفاق 2015 تحولت إيران إلى قوة احتلال معلنة بعث نشاطها الروح في جثة الاستعمار الهامدة. فهل سيثبت الاتفاق الجديد النتائج الذي انتهى إليها ذلك الاستعمار ويحوّلها إلى حقائق سياسية؟

ما رأيناه من السلوك الغربي لم يكن ينبئ بخير. ففي سوريا صارت إيران جزءا من المقاربة الروسية في أستانا، وفي اليمن فإن المبعوث الدولي لا يخفي أنه يلتقي بالإيرانيين باعتبارهم طرفا في المسألة كما أن لبنان والعراق يعيشان إجازة سياسية ما لم يقرر الحرس الثوري الإيراني تشغيل الماكنة التي لا تقع محركاتها داخل العراق ولبنان.

ذلك ما نعرفه نحن. لا يحتاج الأمر إلى خبرة سياسية. الناس العاديون في الشوارع يعرفون أن حضور إيران لا بد أن ترافقه الفوضى السياسية التي تجتاح الدولة وانهيار العملة المحلية مقابل الدولار. ذلك ما حدث ويحدث في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

ما نعرفه نحن هو أقل من 1 في المئة ممّا تعرفه الولايات المتحدة ولذلك تتسم بعض التصريحات الإسرائيلية الخاصة بالموضوع الإيراني بقدر من الهلوسة والهذيان. فالإسرائيليون لا يصدقون أن التواطؤ الأميركي مع إيران يصل إلى مرحلة نسيان الحقائق التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار المنطقة.

تصفع إيران إسرائيل بغنجها في فيينا. وهو غنج يبدو مقبولا من قبل الطرف الآخر حتى هذه اللحظة بالرغم من الاعتراض الخجول على أن تفرض شرطها في رفع العقوبات قبل التوقيع. ولكن التهديدات الإسرائيلية قد تكون جزءا من الضغوط الأميركية الناعمة التي يعبّر عنها الإسرائيليون بخشونة. ولكن ما المغزى من ذلك؟ أمن إسرائيل سيكون مصانا بالتأكيد. أهذا يكفي؟ هناك دول قد تم استعمارها إيرانيا وهناك دول مهددة باستقواء إيران بالاتفاق النووي عليها.

لن يكون العقل السياسي الإسرائيلي غبيا إلى تلك الدرجة التي تسمح بتمرير مفردات التضليل الإيراني. وهو ما يمكن أن يكون مؤثرا في مفاوضات فيينا.

العرب اللندنية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى