هل ستتفكك ايران مثل الاتحاد السوفيتي؟
عبد الواحدالجصاني
الناظر إلى خارطة إيران، وهي تحتل مساحة واسعة من غرب آسيا وتضم خمس قوميات رئيسية، وإلى نظامها السياسي الطائفي العنصري العدواني المتخلف، يصل الى نتيجة واحدة هي أن شعوب إيران لا يمكن ان تقبل باستمرار هذا الوضع الشاذ، وإن إيران تتجه سريعا الى نفس مصير الاتحاد السوفيتي وهو التفكك.
احتمال تفكك إيران ليس استنتاجا متسرعا أو من قبيل الاماني، بل إن التحليل الموضوعي للأحداث وتجارب التاريخ المعاصر تقود اليه. وإن سياسيين ايرانيين حذروا منه. إذ قال محسن رضائي، أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام السابق “ستتفكك الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذا واصلت التركيز على التوسع الخارجي وإهمال الداخل”، وفي كانون الاول 2019 حذّر سعيد حجاريان، الملقب بـ “منظر التيار الإصلاحي” في إيران من تفكك إيران من خلال ما وصفه بانفصال القوميات غير الفارسية، مطالباً الحكومة باتخاذ تدابير جدية لمنع حدوث ذلك. أما أحمدي نجاد رئيس جمهورية إيران الاسبق فقد قال في 12 نيسان 2021 إن إيران ستنهار بوفاة خامنئي.
وإذا كان الاتحاد السوفيتي قد احتاج الى ثلاثة أجيال (1917-1991) ليصل الى الشيخوخة وتسقط تجربته ويتفكك، فإيران ولاية الفقية شاخت بأسرع من ذلك بكثير، وبدأت عوامل التفكك تفعل فعلها فيها مع بداية الجيل الثاني من عمرها، وليس متوقعا أن تنهي الجيل الثاني من عمرها، فأمراض ولاية الفقيه الآيديولوجية والسياسية هي أمراض بنيوية يصعب شفاؤها، إن لم تكن غير قابله للشفاء. وادناه المعطيات:
أولاً– التجربة السوفيتية تميزت بالجمود العقائدي لدرجة تحولت معها العقيدة الشيوعية إلى ما يشبه عقيدة دينية-سماوية مارست عبادة الزعيم والوصاية على شعوب الاتحاد. وكان قادتها مقدسون لا يجوز نقدهم بل مطلوب الثناء على قراراتهم حتى وإن كانت خاطئة. ولاية الفقيه حوّلت (ديكتاتورية البروليتاريا) المشوهة من التجربة السوفيتية الى (ديكتاتورية الولي الفقيه)، فنظامها السياسي يستند على آيديولوجية متخلفة ومتزمتة ومنغلقة تحكم بالتفويض الإلهي ولا تأخذ بالاعتبار التنوع الديني والثقافي لشعوب ايران ولا حركة المجتمع الايراني والعالم ، إذ يقول دستورها: (في زمن غيبة الإمام المهدي “عجل الله تعالى فرجه” تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل – المادة 5 من الدستور) والمادة 12 من الدستور الايراني تقول: (الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، ويبقى هذا المبدأ قائماً وغير قابل للتغيير إلى الأبد). وفي التطبيق، يستخدم الحرس الثوري والباسدران القوة المفرطة ضد من ينتقد الولي الفقيه، ولا حرية ولا ديمقراطية ولا معارضة في إيران لأن الولي الفقيه (جامع لشروط الإمامة) ونقده تجديف وكفر.
ثانياً–الاتحاد السوفيتي وضع موارد الدولة في خدمة الآيديولوجية، وإهتم بالتسلح والانفاق المبالغ فيه على حساب التنمية الاقتصادية، وأخذت ولاية الفقيه نفس المسار مع ان ظروفها ليست كالسوفييت فلا حرب باردة تخوضها وليست طرفا في سباق تسلح بين احلاف عسكرية، وليس هناك خطر خارجي يهددها. ومثلما أنهكت حروب السوفييت الخارجية وآخرها غزو افغانستان اقتصاد الدولة وجلبت معاناة كبيرة لشعوب الاتحاد، فإن ولاية الفقيه دشنت عهدها بحرب ضروس ضد العراق لثماني سنوات تسببت في مصرع أكثر من نصف مليون إيراني، وضعفهم من الجرحى، كما تسببت في مشاكل اقتصادية هائلة وأدت إلى انهيارات اجتماعية، ولم تتعلم ولاية الفقيه الدرس من تلك التجربة بل واصلت مغامراتها التوسعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وأفغانستان مما فاقم الازمة الاقتصادية لشعوب ايران وأدى الى تهالك البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية وخلق أزمة بطالة وسكن مستفحلة وانتشار الإدمان على المخدرات بين الشباب. وإذا كانت ترسانة الاتحاد السوفيتي النووية وبقية اسلحته الفتاكة لم تنقذه من التفكك، فلن يكون تخصيب اليورانيوم، وهو تقنية معروفة منذ اربعينات القرن الماضي واشترتها إيران من المرحوم عبد القدير خان، ولا الحرس الثوري أو فيلق القدس، أو الطائرات المسيّرة بقادرة على منع شعوب إيران من انتزاع حريتها.
ثالثاً- تصدير الثورة: كان الاتحاد السوفيتي يدعم الاحزاب الشيوعية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية كجزء من تعزيز وجوده الدولي ونشر عقيدته، وكان ذلك الدعم من الضخامة بحيث أرهق الاقتصاد السوفيتي، وبالمقابل لم يفلح في خلق حلفاء حقيقيين للاتحاد السوفيتي. ايران سلكت ذات الطريق في الانفاق على ميليشيات واحزاب طائفية وخلايا نائمة في دول المنطقة وخارجها لتصدير (ثورتها) وليكونوا منصات قفز لتوسعها وأوراق ضغط تستخدمهم لابتزاز الدول الاخرى ، ولربما حققت هذه السياسة بعض النجاحات في ايامها الأولى، لكن سرعان ما اكتشفت شعوب دول المنطقة عمالة وتبعية تلك الاحزاب والمليشيات لولاية الفقيه، وتحولت وبالاً على ولاية الفقيه وأصبحت ايران الدولة الاولى المنبوذة على مستوى الاقليم وربما على مستوى العالم، إضافة الى تصاعد الغضب على سياساتها داخل ايران، وحتى بين ابناء القومية الفارسية الذين رأوا في (تصدير) الثورة الايرانية اهداراً لموارد البلد في مغامرات فاشلة وتهديدا لوحدته.
رابعاً – مثلما فشل الإتحاد السوفيتي في جعل الولاء لعقيدة سياسية وضعية (الشيوعية) هوية جامعة لشعوب الإتحاد، فشلت ولاية الفقيه في تحويل عقيدتها السياسية وهي (ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل) الى هوية جامعة لشعوب إيران. وحتى الايرانيين من القومية الفارسية رفض اغلبهم هذه العقيدة التي تجعل من الولي الفقية ظل الله على الارض. شعوب إيران غير الفارسية ترى في تفكك الاتحاد السوفيتي وتحوله الى (15) دولة مستقلة مثالا ناحجا لإطلاق طاقات الشعوب بعيدا عن آيديولوجية مفروضة قسراً، وانهاءً لهيمنة قومية على بقية القوميات. ويقف شعب الاحواز العربي في طليعة شعوب إيران التي تناضل من أجل نيل حقها في تقرير المصير، فعرب الأحواز قاموا الاحتلال الفارسي لوطنهم منذ عام 1925، ولم يتخلوا عن أي عنصر من عناصر هويتهم القومية، لا اللغة ولا الثقافة ولا التراث ولا حتى الفلكلور والملابس، ومن يزر المدن الاحوازية اليوم يكتشف سريعا أنه في محيط أقرب الى جنوب العراق ودول الخليج العربي منه الى إيران. والأذريون في إيران، مثلهم مثل ابناء قوميتهم في جمهورية أذربيجان، غالبيتهم من الطائفة الشيعية لكن الانتماء الطائفي لم ولن يعلو على انتمائهم القومي، وكذا الأمر بشأن اكراد إيران والبلوش.
خامساً – تشترك التجربة السوفيتية وولاية الفقيه في سمة انكار الواقع والركض وراء سراب الشعارات. وهذه الصفة منعت القادة السوفييت من معالجة امراض واخطاء تجربتهم وتركوها تتسع إلى أن نخرت كيانهم وأدت إلى انهياره. ونفس الشيء تمارسه ولاية الفقيه. من يتابع الاعلام الرسمي الايراني اليوم يخرج بتصور أن العالم مقبل على نظام دولي جديد فيه قطب منفرد واحد هي إيران ولاية الفقيه التي فاقت كل العالم بانجازاتها في جميع الميادين، ومن ينظر الى الحقائق على الارض ويرى شواهد الانهيار الداخلي والخارجي لولاية الفقية يوقن أن حالة (الإنكار) التي يعيشها نظام ولاية الفقيه هي احدى أكبر مُسرّعات سقوطه.
سادساً– عندما بدأت عوامل انهيار الاتحاد السوفيتي تفعل فعلها، كان أول من تخلى عن هذه التجربة هم حلفاء الاتحاد السوفيتي في اوروبا الشرقية التي بدأت شعوبها تثور وتسقط الانظمة الشيوعية، وتخلل ذلك عنف شديد كان من بين ضحياه تشاوشيسكو رئيس رومانيا الذي قتل بطريقة بشعة. ولاية الفقيه بدأت عوامل التفكك تدبّ فيها، وبدأت حركات واحزاب وشخصيات عديدة في الوطن العربي تتخلى عن تحالفها أو صداقتها مع ولاية الفقيه، أما الاحزاب والميليشيات ” الولائية” الباقية فعليها أن تعي الدرس، وتسارع بحل نفسها وتبرأ الى الله من ولاية الفقيه، وإن فعلت ذلك قبل فوات الأوان فستجنب نفسها مصير تشاوشيسكو.
سابعاً – كلمة حق تقال، الاتحاد السوفيتي رغم انهيار تجربته، إلا أنها تضمنت جوانب مشرقة وانجازات كثيرة منها الدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير والوقوف بوجه هيمنة الغرب على النظام الدولي وكثير من الانجازات العلمية، أما إيران ولاية الفقيه فليس لها حسنة تذكر في مجمل مسيرتها. لنذكر على سبيل المثال لا الحصر صفة النفاق السياسي والذي يعطونه صفة دينية يسمونها (التقيّة) والتي جعلت الدول لا تثق بالخطاب السياسي الايراني المعلن، فإيران تلعن امريكا ليل نهار وتتحاور معها خلف الابواب المغلقة ليل نهار أيضا، وهي تهدد بازالة اسرائيل وتشتري منها السلاح والمعدات العسكرية، وتقدم لها خدمة كبرى في تهديد الدول العربية ومشاغلتها شرقاً لصرفها عن القضية الفلسطينية. وتدّعي السعي للوحدة الاسلامية وتضطهد اهل السنة الذين يمثلون 90% من مسلمي العالم. وتدعي ان ميليشيات حزب الله في لبنان التي تنفق عليها بسخاء هدفها مقاتلة اسرائيل فقط، ثم يشارك حزب الله في حروب إيران في سوريا واليمن والعراق، ومؤخرا هدد نصر الله شعب لبنان بمائة ألف مقاتل (يهدّون الجبال) كما وصفهم.
ثامناً – في ضوء الحقائق اعلاه، يبرز السؤال: هل أصبح تفكك إيران وانقسامها الى عدة دول على أساس قومي أمر حتمي أم أن هناك بديلاً لذلك؟
شعوب إيران غير الفارسية التي تشكل أكثر من نصف سكان إيران تطالب بحقها في تقرير المصير، وترى ان ذلك يفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة مبنية على مساواة الشعوب في السيادة، وعلى التعايش السلمي والتنمية للجميع، وتراه شرطا أساسيا تستطيع شعوب الإقليم من خلاله ان تبني أمناً إقليميا مشتركا لا تحتاج فيه الى تحالفات مع دول خارجية.
التظاهرات والاعتصامات وأعمال المقاومة المسلحة في المدن العربية والأذرية والكردية والبلوشية من إيران متواصلة وهتافها الموحد (الموت للدكتاتورية). هذا الحراك لشعوب إيران دق جرس الإنذار لدى الايرانيين من القومية الفارسية الذين بدأوا يستشعرون خطر تقسيم إيران عليهم كما أسلفنا، خاصة وأن الدولة الفارسية التي ستقام على أنقاض إيران الحالية لن تكون مثل روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي، بل ستكون دولة صغيرة مغلقة لا منفذ لها على البحر ومحرومة من ثروات طبيعية كثيرة أولها نفط وغاز الاحواز العربية الذي يشكل 95% من ثروة إيران الحالية. فهل سيتضامن شعب فارس مع بقية شعوب إيران للتعجيل بإسقاط الولي الفقيه وانهاء وصاية القومية الفارسية على بقية شعوب إيران، وإقامة نظام ديمقراطي يعطي لشعوب إيران حقوقها كاملة وينهي، والى الأبد، الغلو الفارسي والطائفية واوهام الإمبراطورية، كبديل واقعي للتقسيم؟ هذا هو السؤال.