نعيد نشر مقال ولى ولى العهد السعودي .. مواجهة سلوك إيران العدواني… لا استرضاءه
خالد بن سلمان
نائب وزير الدفاع السعودي
إن ما مر به العالم من مآسي وويلات خلال الحرب العالمية الثانية، في واحدة من أحلك فصول التاريخ الإنساني، وما انتهت اليه مسارات تلك الحرب من دحر قوى الشر والظلام، هي مرحلة مليئة بالدروس والعبر، لتجنيب العالم ويلات الانزلاق الى صراعات مماثلة. لذا نحن اليوم نرحب بتأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن الولايات المتحدة لن تتعامل مع إيران بشيءٍ من سياسات “الاسترضاء” التي فشلت فشلًا ذريعًا في ايقاف توسع ألمانيا النازية أو تلافي الحرب الأكثر كلفة في التاريخ الانساني. وانطلاقا من ذلك فإنه يتوجب علينا اليوم جميعا أن نتحد لدعم استراتيجية أوسع لمعالجة سلوك النظام الايراني المزعزع للاستقرار.
نعيش اليوم في فترة تشهد ظروفاً تذكرنا بأحداث ثلاثينيات القرن الماضي، التي سبقت الحرب العالمية الثانية، حيث يعيش العالم تداعيات أزمات اقتصادية، ويشهد انقساماً سياسيا حادا من اليمين المتطرف إلى اليسار المتشدد، وتغيب فيه قدرة مؤسسات المجتمع الدولي على العمل المشترك الفعال للتصدي للأزمات الدولية، وكما هو الحال في النصف الأول من القرن العشرين، تسعى القوى التوسعية اليوم لملء الفراغ من خلال نشر أيدولوجيات الكراهية والعنف، وهو أمر يستوجب على المجتمع الدولي العمل بحزم لمواجهة هذه التحديات، ولا شك أننا حينما نرى سياسات استرضاء إيران التي أثبتت فشلها فان ذلك يعيد الى الأذهان ما رأيناه في مواجهة ألمانيا النازية.
وكما جاء في المقولة الشهيرة للفيلسوف جورج سانتيانا: “أولئك الذين لا يتذكرون التاريخ محكومٌ عليهم بتكراره”.
وبغض النظر عن نوايا الدول الموقعة على الاتفاق النووي، فان هذا الاتفاق وما تضمنه من تخفيف للعقوبات الاقتصادية على إيران، لم يضع حداً لأنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة ورعايتها للإرهاب، لا بل ساهم من خلال منح النظام الإيراني المزيد من العوائد المالية، في تعزيز أنشطة ايران التوسعية في المنطقة. كان ذلك الاتفاق جزءا من منهج الاسترضاء الذي كان سيؤدي الى نتائج كارثية في المنطقة لو استمر، فخلال فترة الاتفاق، قام النظام الإيراني بزيادة الدعم المالي والعسكري لنظام بشار الأسد، بدون أي رادع من المجتمع الدولي، وبدون أي عقاب على جرائم النظام الإيراني في سوريا، لا بل تم اعطاء النظام الإيراني دوراً في المفاوضات السياسية المتعلقة بسوريا. وكما هو متوقع، فأن ذلك لم يحقق السلام في سوريا، ولم يغير السلوك الإيراني، بل زادت ايران من أنشطتها العدائية التخريبية في سوريا وفي سائر المنطقة.
لقد أعلن الرئيس ترمب بأن ادارته “ستعمل مع الحلفاء لإيجاد حل فعلي وشامل ودائم للتهديد الإيراني النووي. وهذا سيتضمن جهودا لإنهاء التهديد الذي يشكّله برنامج إيران للأسلحة الباليستية، وايقاف أنشطتها الإرهابية على مستوى العالم، والتصدي لنشاطها الذي يهدد الشرق الأوسط”، وهذا الموقف متسق مع سياسة المملكة العربية السعودية والتزامها بالعمل مع حلفائها وفعل كل ما من شأنه وقف التمدد الإيراني الخبيث في المنطقة، سواء من خلال حزب الله الإرهابي، او ميليشيات الحوثي التي جلبت الدمار والفوضى لليمن، والتي حاولت ايران، من خلالهم، ترهيب المملكة عبر اطلاق الصواريخ الباليستية، وهو أمر يعكس جهلاً بتاريخ وطبيعة المملكة. إيقاف التمدد الإيراني يستدعي ردة فعل دولية حازمة من شأنها أن توقف إيران عن مدِّ أذاها نحو مختلف دول المنطقة.
ومهما كان الموقف تجاه الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي؛ يجب علينا جميعًا أن نعمل على تحقيق المهمة الأكبر المتمثلة في إيقاف إيران وأتباعها عن استمرارهم في نشر الفوضى والدمار في المنطقة، وهو أمر يدركه القادة الذين حاولوا إنقاذ الاتفاق النووي، حيث أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق: “سنعمل بشكلٍ جماعي على إطار أوسع يعالج النشاط النووي، وما بعد 2025، والنشاط الباليسيتي، والاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا واليمن والعراق”.
وحيث اتضح جليا للمجتمع الدولي فشل سياسة استرضاء إيران في تغيير تصرفاتها، فيتعين علينا النظر إلى أوجه التشابه العديدة والمثيرة للقلق بين عامي 2018 و1938 وذلك لكي نستفيد من دروس التاريخ وعبره في التعامل الدولي مع الخطر الداهم المتمثل بأنشطة النظام الإيراني التوسعية ورعايته للإرهاب.
قبل ثمانين عاما؛ شاهدت الدول الكبرى في النظام الدولي القوى التوسعيةً في أوروبا وآسيا وهي تنهي ما تبقى من إيمان بمبادئ القانون الدولي والمؤسسات الدولية بما في ذلك عصبة الأمم. واليوم نشاهد خطراً مشابهاً متمثلاً بالنظام الإيراني الذي يرمي بالنظام الدولي عرض الحائط، ويؤجج النزاعات خارج حدوده، ويسلح المتطرفين الذين ينفذون مساعيه نحو الهيمنة الإقليمية.
إن سياسة التوسع الإيرانية تؤجج وتغذي معظم أزمات الشرق الأوسط، من الصراع الطائفي الذي يثير الجار ضد جاره، إلى الميليشيات التي تهشّم المؤسسات الشرعية للدول، والقوى الإرهابية التي تقتل الأبرياء رجالًا ونساءً وأطفالًا.
“أينما تنظر، إن كان هناك مشاكل في المنطقة، فإنك ستجد إيران”. لم يقل ذلك مسؤول سعودي، بل هو تصريحٌ صادرٌ عن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس.
هذا التهديد الذي تشكّله إيران اليوم متغلغل في جذور النظام الإيراني، فالدستور الإيراني يدعو إلى نشر الثورة الإيرانية في العالم ويسمي ذلك جهاداً. ومنذ أيامه الأُوَلى؛ حض الخميني أتباعه على غزو الأراضي الإسلامية وغير الإسلامية على حدٍ سواء. وفي عام 2015؛ أعلن اللواء محمد علي جعفري، رئيس الحرس الثوري الإيراني أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعيش أفضل أيامها. فالثورة الإيرانية تنتشر بسرعة خارج حدود الجمهورية، وتفتح بذات السرعة جبهاتٍ أخرى للثورة، محققة بذلك أهداف [الخميني]”. هذا التصريح صدر خلال فترة التفاوض للوصول للاتفاق النووي وتزامنا مع انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وهو ما يشير الى حقيقة النظام الذي لا يحترم القانون والأعراف الدولية وبشكل أخص اتفاقياته مع المجتمع الدولي
إن أيديولوجية النظام الإيراني تعتمد على مبدأ ولاية الفقيه، وأن يكون النظام السياسي مبنياً على وصاية هذا الوليّ، حيث يتوجب طبقاً لهذا المبدأ أن يدين الشعب بولائهم لفقيه ديني يصبح أيضًا القائد الأعلى، بغض النظر عن جنسيات من يفترض ان يتبعوه أو دولهم أو نوع حكوماتهم. وتهدف هذه العقيدة التي تتخطى حدود الدولة الوطنية إلى تقويض نفوذ الحكومات الشرعية، وهو مبدأ لا يعترف بالنظام الدولي أو مفهوم الدولة الحديثة. ولكن هل مبدأ ولاية الفقيه هو مبدأ ديني بالفعل كما يدعي النظام الايراني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يخرج لنا ولي فقيه من المراكز الدينية في العراق ويدين الشعب الإيراني بالولاء له في المقابل؟
بعد قرابة أربعة عقود من ممارسات النظام الإيراني العدائية؛ أصبحنا نعرف قواعد اللعبة الإيرانية. فإيران تعزز الطائفية في المجتمعات لشقّ الصفوف بين أبنائها، وهذا يؤدي الى اضعاف وتفكك مؤسسات الدول، وحينها تتحكم إيران بهذه الدول عبر الميليشيات التابعة لها.
لقد قرأنا ما صرح به عضو البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني، المقرّب من القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي، حينما تفاخر بأن صنعاء قد أصبحت العاصمة الرابعة التي تدخل في سيطرة إيران. أما العواصم الثلاث التي يشير لها زاكاني فهي بيروت وبغداد ودمشق. ظهر ذلك التصريح المشؤوم مباشرةً بعد أن احتل الحوثيون، بمساعدة إيران، العاصمة اليمنية صنعاء في انقلابهم على الشرعية، قبل أن يتدخل التحالف العربي بقيادة المملكة لاستعادة الشرعية في اليمن. وقال زاكاني أيضًا إن “الثورة اليمنية لن تقتصر على اليمن فحسب، بل أنها ستمتدّ بعد نجاحها لتصل للأراضي السعودية. وستساعد الحدود اليمنية – السعودية الشاسعة في تسريع وصولها نحو عمق الأراضي السعودية”.
إن الفرق بين ما يواجهه النظام الإيراني ووكلاؤه في اليمن، وما واجهه النظام سابقا وهو يمارس تدخلاته العدائية في دول أخرى هو انه لم يسبق له أن يدفع الثمن على ممارساته العدوانية كما يفترض أن يتم. فقبل خمسة وعشرين عامًا؛ استغل النظام الإيراني الحربٍ الأهليةٍ في لبنان لتثبيت نفوذه وطرد قوات حفظ السلام، إذ قتل 241 من الجنود الاميركيين في ثكنة عسكرية. وفي عام 1996م؛ فجّرت إيران أبراج الخبر في المملكة، متسببة بمقتل 19 فرداً. كما أن أعمال النظام الإرهابية لم تقتصر على منطقتنا فحسب، بل شملت اغتيال قادة للمعارضة الإيرانية في ألمانيا عام 1992، وتفجير مبنىً في الأرجنتين في عام 1994، وتضمنت التخطيط لاغتيال السفير السعودي السابق في واشنطن، أخي معالي وزير الخارجية عادل الجبير في عام 2011.
واستمرت إيران في قتل المئات من الأميركيين من خلال توفير القنابل والمتفجرات التي يستخدمها المقاتلون في الحرب العراقية. ففي تقاريرها، ذكرت مجموعة دراسة العراق (ISG) أن “إيران زودت مجموعات من المقاتلين بأجهزة متفجرات استخدمت في الهجوم على القوات الأميركية. وكان هذا النوع من الأسلحة قد تسبب فيما نسبته 40% تقريبًا من مجمل إصابات الأميركيين”. وبالتنسيق مع إيران، أطلق الأسد مئات الإرهابيين من السجون السورية ونقلهم إلى العراق بغرض شن هجمات هُناك، وخلال السنوات الأخيرة، توسعّت إيران في بسط سيطرتها ونفوذها بعد العراق الى كل من سوريا واليمن ولبنان. وفي كُل مكان تذهب إليه إيران، يتبعها القتل والإرهاب والفوضى والدمار.
إن انعدام ردود الفعل الدولية الجادة والحازمة تجاه هذه الأنشطة بالإضافة إلى “الخطوط الحمراء” التي وضعت ثم اختفت في سوريا، جعل النظام الايراني يعتقد بأن الولايات المتحدة – والمجتمع الدولي – مكبلي الأيدي وليس لديهم سوى عبارات الإدانة كرد على أفعال النظام العدائية. تغير هذا الأمر اليوم ونحنُ نعتقد أن الرئيس ترمب جاد حينما يقول إن: “الولايات المتحدة لم تعد تُوجّه تهديدات فارغة”.
لطالما كانت قناعة المملكة العربية السعودية أن المجتمع الدولي لا يُمكنه التصدي لسعي إيران لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، بينما يتم تجاهل الدمار الشامل الذي تُلحقهُ إيران بجيرانها ومنطقتها، لا عبر تلك الأسلحة فحسب وانما عبر ميليشياتها الطائفية ايضاً. يجب أن تتعامل أي اتفاقية مُقبلة مع برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعم إيران المالي والعسكري المتنامي للإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
إن ما نشهده اليوم في المنطقة جاء نتيجة لسياسة الاسترضاء التي اتبعها المجتمع الدولي للتعامل مع خطر مستقبلي لم يتحقق في إيران، المتمثل في برنامجها النووي، وتساهله في التعامل مع الخطر الإيراني الموجود والنابع من برنامج إيران للصواريخ الباليستية ودعمها للارهاب وتدخلها في شؤون دول المنطقة، واليوم، يعيش السعوديون على بُعد دقائق من الصواريخ الإيرانية الباليستية التي تطلقها ميليشيا الحوثيون ضد المملكة من اليمن. فقد تم إطلاق أكثر من 160 صاروخا إيرانيا نحو المملكة، ويُعد ذلك وضعًا لا يمكن قبوله، فليتخيل المواطن الاميركي أن عليه قبول قيام عصابات المخدرات أو جماعة ارهابية أو ميليشيات بإطلاق صواريخ على عاصمتهم عبر حدود الولايات المتحدة من دولة اخرى.
ان سياسة المملكة العربية السعودية هي مواجهة قوى الشر أينما وجدت وبأي شكل كان، نحن نقاتل بكل قوة تنظيم “داعش” و”القاعدة”، والإيديولوجيات المتطرفة التي تقوم عليهما، ويجب الإشارة الى ان كلا التنظيمين الإرهابيين يرى أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة هما عدواها الرئيسيان. وفي الواقع، كان أول إعلان للحرب من أسامة بن لادن في عام 1996 على دولتين فقط – المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. إن حربنا على الإرهاب لا تقتصر على تلك الجماعات لكنها تشمل كل من ينشر التطرف والعنف أو يدعمه، بغض النظر عن طائفته كما هو الحال مع حزب الله والحوثيين.
ان أتباع أيديولوجيات الإرهاب والتطرف والعنف هم أقلية صغيرة في كل من المملكة العربية السعودية وإيران، لكن الفرق أنهم في المملكة إرهابيون يفرون من العدالة بينما في إيران هم من يدير البلاد.
لذلك نجد اننا في المملكة نمضي قدما في تنفيذ رؤية إيجابية نحو المستقبل لنحقق طموحات المملكة ودورنا كشريك عالمي فعال. بالمقابل نجد إن رؤيتنا تتناقض بشكل كامل مع سياسة إيران العدائية بأهدافها الرجعية التي تسير عكس التقدم والتطور، وهذا هو الصراع الحقيقي في قلب الشرق الأوسط، وليس الانقسام السني الشيعي الذي تريد إيران الدفع به، إنه صدام بين رؤيتين مختلفتين جداً للمستقبل، أسميها رؤية 2030 في مقابل رؤية 1979.
إن رؤية المملكة العربية السعودية، مبنية على احترام سيادة الدول واستقلالها، وتعزيز السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي للجميع. وهذا يعني دعم المؤسسات الشرعية للدول في جميع أنحاء المنطقة، بغض النظر عن انتمائها الطائفي. فمثلما نحن نحارب الجماعات الإرهابية بشكل مباشر بغض النظر عما تزعمه من انتماء طائفي، فإننا أيضا ندعم الدول والمؤسسات الشرعية في المنطقة ضد خطر الارهاب بكافة أشكاله واينما وجد، سواء كان في العراق أو لبنان أو اليمن او البحرين أو مصر. ففي العراق تدعم المملكة العربية السعودية الحكومة الشرعية ضد تنظيم داعش وفي اليمن ندعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين، لا اعتبار للطائفية في سياساتنا سواء كان الاٍرهاب باسم اي مذهب.
إن رؤية النظام الايراني هي نقيض ذلك، فهو نظام تشكل منذ نشأته كقوة توسعية تنشر وتستخدم الطائفية والكراهية والعنف كوسيلة لتوسيع نفوذها في الدول العربية بهدف فرض إرادتها عليها، ان الدمار الذي تسبب فيه النظام الإيراني لا يشمل فقط دول المنطقة وانما الشعب الإيراني نفسه.
وإذا قارنا بين المملكة وإيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979، لوجدنا ان المملكة حققت تقدما في كل مؤشرات التنمية ومستوى المعيشة، بينما تراجعت إيران إلى الخلف.
على سبيل المثال، زاد متوسط دخل الفرد في المملكة عشرة أضعاف تقريبا، من حوالى 2300 دولار في عام 1978 إلى أكثر من 22000 دولار في الوقت الراهن، بينما تراجع متوسط الدخل في إيران بأكثر من النصف، ليصل بالكاد إلى أكثر من 4000 دولار في الوقت الراهن.
قبل أربعة عقود، كان الاقتصادين السعودي والإيراني بنفس الحجم تقريباً، حوالي 80 مليار دولار. ومنذ ذلك الحين، توسع الناتج المحلي الإجمالي السعودي إلى ما يقرب من 700 مليار دولار، وهو ضعف مثيله في إيران اليوم.
المواطن في المملكة تزداد احتمالية توظيفه بنسبة 34.3%، وتنخفض احتمالية سجنه بنسبة 45% مقابل المواطن الايراني، كما ان متوسط أعمار السعوديين تزيد على الإيرانيين بأربع سنوات.
في إيران يمنع النظام استخدام “تويتر” و “فيسبوك” وغيرها من منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي يحظرها النظام بشكل متكرر، بينما في المملكة فإن العالم مفتوح أمام السعوديين ليتفاعلوا معه من خلال وسائل التواصل الاجتماعية وليتفاعل العالم معهم أيضاً.
بالطبع قادة إيران يلقون باللوم على الجميع إلا أنفسهم فيما يتعلق بسجل أدائهم البائس. حيث يتباكون بأن السبب هو العقوبات الغربية، أو الآثار المتبقية للحرب الإيرانية العراقية، وعندما تدحض هذه الأعذار، فإنهم يختلقون على الفور أعذاراً غيرها.
إن الإخفاق الإيراني في التنمية حقيقة لا يمكن إنكارها، والفارق بيننا شاسع، ومن المرجح أن يتسع الفارق مع تسارع تفعيل المملكة للتحول والإصلاح والتطوير، في حين يظل النظام الإيراني جامداً مهوسا بإهدار مقدراته في نشر الموت والفوضى والدمار في المنطقة.
فالنظام الإيراني المتطرف لا يعرف أي لغة غير لغة العنف والإرهاب، بينما يحاول وزير الخارجية الإيراني يائسا تقديم وجه معتدل خارج بلاده بتغريداته الإنجليزية على “تويتر” وما ينشره على “فيسبوك”، ولا يجرؤ النظام على بث الرسائل المعتدلة داخل وطنه، فأي حديث عن الاعتدال او الاصلاح هو مجرد تملق للغرب من نظام يستمد شرعيته من التطرف والغلو.
هذا التملق والنفاق ليس حكرا على ظريف فالرئيس حسن روحاني يسعى إلى خداع العالم بالحديث عن الإصلاحيين الذين قد يحلوا يوماً ما مكان “المتشددين” الذين يتولون مقاليد السلطة الإيرانية اليوم، رغم أن روحاني جزء من نظام القمع والتطرف. فقد شغل روحاني منصب أمين مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران منذ عام 1989 حتى 2005، حيث ساعد في الإشراف على حملة الاغتيالات الإيرانية وتفجيرات السفارات. وفي عام 2013، وبينما كان يرشح نفسه للرئاسة، عزف روحاني نغمة مماثلة قائلا: “نحن بحاجة إلى ترجمة خطاب الموت لأميركا إلى عمل على ارض الواقع”، في تحريض للجماهير الإيرانية خلال خطاب ألقاه في مدينة كاراج، وفقا لوكالة مهر للأنباء التي يديرها النظام الايراني.
حتى أنني سمعت مباشرة من مسؤول حكومي سابق في الولايات المتحدة أن وزير الخارجية جواد ظريف يهمس سراً لمن يلتقيهم أن المرشد الأعلى “منفصل عن الواقع” وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تدعم إيران حتى يمكن للمعتدلين أن يتولوا الحكم عندما يتوفى المرشد الاعلى. مزاعم ظريف هذه ليست بحقيقة، إنها استراتيجية خادعة تهدف إلى تهدئة الغرب فقط وجعله يؤجل مواجهة إيران وسلوكها العدواني على أمل تعزيز نفوذ ما يسمى بالإصلاحيين.
لذا، فعندما ننظر الى النظام الإيراني يجب علينا أن نميز بين العربة وقائدها، فالقائد الحقيقي للعربة في إيران اليوم ليس جواد ظريف وأمثاله، بل قاسم سُليماني وغيره من القادة الأمنيين والعسكريين. فسليماني حسب ما ورد في إحدى المجلات الاميركية: يقود فيلق القُدس منذ خمسة عشر عام وهو مسؤولٌ عن تصدير الثورة الإيرانية، ودعم الإرهابيين، وإشعال الحروب الإيرانية الخارجية. كما أن سُليماني أستاذ في الدعاية أيضاً، حيث ينشر صوره من ميادين المعارك عبر المنطقة ليُقنع الجميع بأنه سيد رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط. هذا هو الوجه الحقيقي لقيادة إيران.
لو كان روحاني وظريف معتدلين أو إصلاحيين، وكانوا بالفعل ممسكين بزمام الأمور، لرأينا نتائج مختلفة عما تشهده إيران اليوم. فبعد مرور خمسة أعوام من رئاسة روحاني، لم تجلب سياسة التهدئة التي اتخذها الغرب “لتمكينه” أي خير لعامة الشعب الإيراني ايضا.
فقد نتج عن الاتفاق النووي حصول إيران على أكثر من 100 مليار دولار. ولكن من ينظر لميزانية إيران في العام الذي يليه يرى ان تلك الأموال لم تذهب للمدارس، ولا للطُرُقات او المُستشفيات، ومن ثم فلا عجب أن يخرج المواطنون الإيرانيون إلى الشوارع هذا العام مطالبين بتحسين أوضاعهم وتطوير بلادهم، وأن يتساءلوا أين اختفت فوائد الاتفاق النووي والعوائد المالية منه. فقد أظهرت الميزانية الإيرانية بعد الاتفاق النووي زيادات كبيرة في التمويل للحرس الثوري وفيلق القدس، وتظهر البيانات المتوفرة حول الميزانيات المالية الرسمية لإيران أنه في الفترة بين 2014 و2017، زادت ميزانية الدفاع بنسبة 71٪، من 9.29 مليار دولار إلى 15.9 مليار دولار، وتُظْهِر المعلومات المتاحة أيضاً أن هذه الميزانية ارتفعت العام الماضي إلى 19 مليار دولار.
الشعب الإيراني شعب متحضر، ومثقف يفتخر بتاريخه العريق يريد لنفسه مثلما نريد جميعاً، يريد حياة أفضل ومستقبلا أفضل. لكن كما أشار سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، فمنذ توقيع الاتفاق النووي لم يستثمر النظام الإيراني في أي مشروع مدني او تنموي كبير داخل إيران.
إن التاريخ يعيد نفسه أحيانا، ولذلك أتساءل عما سيقوله المؤرخون في المستقبل عن عام 2018 إذا لم نغير مجرى التاريخ اليوم ونتجنب ويلات ما مر به جيل كامل في عام 1938.
ومثل ما حدث في ميونيخ قبل ثمانية عقود من الزمان، عندما فشلت التنازلات والاسترضاء الغربي في إشباع رغبات ألمانيا النازية في التوسع، فإن العالم يواجه مجددا الخيارين اللذين يتمثلان في تقديم التنازلات واسترضاء نظام مجرم أو مواجهة الشر والتوسع بحزم وصلابة.
إننا نجد اليوم أن أولئك الذين لم يتعلموا من التاريخ ينصحوننا بالسماح للإيرانيين بالتلاعب بالمنطقة بأكملها سعيا منهم للحفاظ على الاتفاق النووي الذي لم يفعل شيئًا لحل مشاكل المنطقة. إن النهج الأكثر حكمة وأكثر أخلاقية في نهاية المطاف هو الضغط على إيران ومواجهتها لتعديل سلوكها على الفور.
وكما أكد سمو سيدي ولي العهد مرارًا وتكرارًا، فإن التصدي لقوى العدوان قد يستلزم المزيد من التكاليف على المدى القصير، ولكنها الاستراتيجية الحقيقية الوحيدة الكفيلة بمنع التهديدات الخطيرة من التفاقم لتتحول إلى صراعات أشد فتكًا. وأكرر ما قاله سموه في باريس مؤخرًا في مؤتمر مع الرئيس الفرنسي ماكرون:” لن نكرر اتفاقية عام 1938 التي أدت في وقت لاحق إلى الحرب العالمية الثانية”.
إن اتباع منهج الاسترضاء هذا سيؤدي إلى فقدان دول المنطقة للثقة في القانون والاعراف الدولية، حيث ستدرك دول المنطقة أن استخدام الميليشيات بالوكالة يمكن أن يكون أداة فعالة للسياسة الخارجية دون أي رادع من المجتمع الدولي، وأخشى أن تتغير الدول وتتكيف مع هذا الواقع الجديد الذي قد يدفع المنطقة والعالم نحو الأسوأ.
فلا يمكننا إلقاء المسؤولية على الغير ونقف مكتوفي الايدي على أمل أن تتحسن الأمور. فالالتزام بسياسة صارمة لكبح النظام الإيراني، وكل نشاطاته العدوانية، هو ما سيجبر النظام على الامتناع عن هذه التصرفات وليس مجرد الأقوال دون الأفعال.
يجب أن ينضم العالم إلينا لمواجهة النظام الإيراني بجدية وإرادة. يجب أن يعلم النظام في إيران أنه سيدفع الثمن إذا استمر في انتهاك القانون الدولي وواصل تدخلاته في شؤون جيرانه. يجب معاقبة النظام الإيراني اقتصاديًا ودبلوماسيًا مع الحفاظ على جميع الخيارات “على الطاولة” لضمان قوة الدبلوماسية وفعاليتها، وهو ما يلزم علينا دعم مؤسسات الشرعية في دول المنطقة – في اليمن والعراق وغيرها – في الوقت الذي تحارب فيه هذه الدول وكلاء إيران الإرهابيين.
فقط هذا المسار سيسمح بالتقدم والنمو والازدهار في جميع أنحاء المنطقة، والمملكة العربية السعودية ملتزمة بدورها في مواجهة الشر. ما نحتاجه هو أكبر عدد ممكن من الشركاء.
نقلا عن الشرق الأوسط