مقالات

ميشال عون عند المفتي من موقع «المنتصر»

خير الله خير الله

هذا ما يدركه العرب والعالم وهذا ما يدركه اللبنانيون أنفسهم، خصوصاً أهل السنّة الذين لا يحتاجون إلى شهادة من ميشال عون لتأكيد دور الطائفة لبنانيّاً.

هؤلاء يعرفون مدى حقد عون وصهره جبران باسيل على رفيق الحريري بالذات من منطلقين ليس إلّا، منطلق الانتقام من اتفاق الطائف ومنطلق النجاح.

نجاح الحريري في إعادة تعمير بيروت ووسطها ونجاحه في إعادة لبنان إلى خريطة المنطقة والعالم.

لن تقدّم الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الجمهوريّة لدار الفتوى، حيث التقى المفتي عبداللطيف دريان، ولن تؤخّر.

ليست الزيارة التي جاءت مباشرة بعد «تعليق» سعد الحريري نشاطه السياسي في لبنان، سوى دليل على حال الإفلاس التي يعاني منها الثنائي الرئاسي عون – باسيل.

لا يوجد سنّي لبناني، يمتلك حدّا أدنى من المنطق والعقل، لا يعرف أنّ كلّ ما فعله عون، منذ عودته إلى لبنان من منفاه الباريسي قبل 17 عاماً، كان يتمثل في السعي إلى إخراج أهل السنّة من المعادلة اللبنانيّة.

استفاق عليهم وعلى دورهم الآن بعدما اعتبر أنّ تياره في حاجة إليهم في الانتخابات.

يريد، من خلال زيارته للمفتي، توجيه رسالة واضحة. فحوى الرسالة أن مشكلته كانت مع رفيق الحريري، الذي تخلّصت منه إيران، ومع سعد الحريري الذي سعى إلى إكمال مسيرة والده… وليس مع أهل السنّة.

الآن، بعد خروج الحريري من السياسة اللبنانية، لم تعد مشكلة مع أهل السنّة من وجهة نظر عون.

كان يمكن لمثل هذه الرسالة أن تنطلي على اللبنانيين لولا أن الطفل يعرف أنّ عون رئيس للجمهوريّة بصفة كونه مرشّح «حزب الله» وأنّه لم يأتِ إلى دار الفتوى إلّا بعدما تأكّد من القضاء على «الحريريّة السياسيّة».

جاء، من وجهة نظره ووجهة نظر فريقه، من موقع «المنتصر» على أهل السنّة الذين يعرفون تماماً، بأكثريتهم الساحقة، أنّ «حزب الله» أوصل عون إلى قصر بعبدا في سياق أجندة ذات معالم واضحة.

كان بين أبرز محطات تلك الأجندة الإيرانيّة التخلص من رفيق الحريري… وصولاً إلى انتخاب عون رئيساً للجمهوريّة، مروراً في طبيعة الحال بعزل لبنان عربيّاً.

لم تكن مشكلة عون وباسيل مع الحريري الأب أو الابن، في يوم من الأيّام.

كانت مشكلتهما دائما مع أهل السنّة عموماً ومع المسيحيين الذين يمتلكون بعض المنطق في الوقت ذاته ومع الدروز الذين يرفضون تدجينهم لبنانياً على غرار ما فعله النظام الأقلّوي في سورية منذ احتكار حافظ الأسد للسلطة قبل ما يزيد على نصف قرن.

لا فائدة تذكر من زيارة دار الفتوى في وقت يبدو لبنان عاجزاً عن تقديم أجوبة واضحة عن النقاط التي تضمنتها «الرسالة الكويتيّة، الخليجية، العربيّة، الدوليّة» التي حملها وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر الذي زار بيروت قبل أيّام.

لم يستطع وزير الخارجيّة اللبناني عبدالله بوحبيب أن يحمل إلى الاجتماع الوزاري العربي الذي انعقد في الكويت سوى جواب حكومي يقوم على شعارات «الممانعة» و«المقاومة»… إنّه وزير للخارجية في بلد ألغى نفسه.

تكمن مشكلة عون في أنّه لا يدري أن لبنان يعيش حالياً في عالم الشعارات التي لا علاقة لها من قريب بالواقع وبالتطورات التي تشهدها المنطقة.

ليس في لبنان من يعرف شيئاً عمّا يدور في المنطقة، لا في اليمن ولا في مكان قريب مثل سورية. باختصار شديد، هناك «عهد قويّ» ليس مسموحاً له بأن يعترض على كلّ ما يمكن أن يساعد في استعادة لبنان… هذا إذا كان في الإمكان استعادة شيء منه.

تعني هذه الشعارات التي تحكّمت بالرد اللبناني على الرسالة التي حملها الوزير الكويتي، بين ما تعنيه أن لبنان يحكمه «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني.

كلّ ما تبقى تفاصيل وإضاعة للوقت وتأكيد أن لبنان الذي عرفناه انتهى عملياً. لبنان انتهى.

لم يعد يوجد، للأسف، من يستطيع المساعدة في استعادته. وإذا وجد من يريد مساعدته، فهو يرفض مثل هذه المساعدة.

ليس ما يدعو إلى التفاؤل لبنانياً. ليس العجز عن الردّ على «الرسالة الكويتيّة، الخليجيّة، العربيّة، الدوليّة» سوى تكريس لهذا العجز الذي يكشف أنّ البلد صار في مكان آخر.

صار لبنان الذي تغيّرت هويته في المحور الإيراني.

عزل لبنان نفسه عن العرب وعن فهم ما يدور في الشرق الأوسط والخليج والعالم.

ما الذي يمكن توقّعه من بلد عزل نفسه ليس لدى رئيس الجمهوريّة فيه ما يفكّر به غير مستقبل صهره باسيل؟ كيف يمكن للبنان التصالح مع المنطق فيما رئيس الجمهوريّة وآخرون غيره على قناعة بأنّ لا مجال لتنفيذ القرار 1559 نظراً إلى البعد الإقليمي لهذا القرار، خصوصا أنّ «حزب الله» متورّط في غير مكان من المنطقة من سورية… إلى اليمن؟

ما نشهده في هذه المرحلة إلغاء لبنان لنفسه.

كشفت هذا الإلغاء زيارة الوزير الكويتي التي أثبتت غياب المرجعيّة السياسيّة في البلد وتحوّل لبنان إلى بلد فقير وبائس من جهة مجرّد ورقة إيرانيّة لا أكثر من جهة أخرى.

لا يستطيع عون الضحك على اللبنانيين وعلى أهل السنّة ومعظم المسيحيين والدروز.

هناك لعبة انتهت.

لم تكن زيارة رئيس الجمهوريّة للمفتي سوى حلقة من الحلقات الأخيرة في مهزلة كان يمكن أن تكون مسلّية لو لم تنتهِ بمأساة عنوانها نهاية بلد وليس نهاية السنّة.

نقلا عن “الراي”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى