أهم الأخبارمقالات

محادثات إيران – أميركا: ما تسرب وما لم يتسرب

يراهن الإيرانيون على عامل الوقت وسياسة النفس الطويل وهما ما يحاول معسكر نتنياهو إجهاضه

 

سعد بن طفلة العجمي

“نحن على استعداد لمناقشة الملفات كافة من دون استثناء”، هكذا بدأ الوفد الإيراني محادثاته مع الوفد الأميركي في عُمان حيث التقيا السبت الماضي، وما قيل لبدء المحادثات كان قد وصل للأميركيين قبل اللقاء، وأضاف الوفد الإيراني أن “كل شيء قابل للتفاوض والمناقشة، شرط أن تضمن الولايات المتحدة الأميركية عدم التعرض للأمن الإيراني وعدم الاعتداء على الأراضي الإيرانية”.

والوفد الأميركي في غالبه أرسل رسائل باكرة وإيجابية وواعدة، “لن نضطر إلى إجراءات قاسية، كما وصفها الرئيس دونالد ترمب، شرط أن توقفوا البرنامج النووي والطموح في الحصول على القنبلة النووية”.

الإيرانيون يؤكدون مباشرة أحياناً للأميركيين وأحياناً أخرى من خلال مستضيف المحادثات بين الطرفين الإيراني والأميركي وهي سلطنة عُمان، ويكررون التأكيد لمناسبة ومن دون مناسبة، أنهم مستعدون للتفاوض حول برنامجهم النووي وحول أية ملفات أخرى، وتنفيذ ما قد يتوصلون إليه مع الولايات المتحدة الأميركية، وهم يدركون أن ثمة عاملاً إسرائيلياً يضغط لضرب إيران وتعطيل مفاعلها النووي بل وإسقاط نظامها، وهو ما يبدو صعباً جداً، فالنظام لن يسقط بسهولة وسيترتب على ضرب إيران تحريك خلاياها وإطلاق صواريخها الباليستية على المنطقة برمتها، أملاً في تصدير ما قد تتعرض له في الداخل إلى الخارج حفاظاً على النظام.

في الجانب الأميركي للمحادثات معسكران، معسكر ترمبي يسعى إلى التوصل لاتفاق يجري تسويقه للداخل الأميركي برسالة مفادها أن البطل الخارق والجهبذ العبقري دونالد ترمب حقق اتفاقاً مع إيران ما كان سلفاه باراك أوباما وجو بايدن قادرين على تحقيقه، فهو يطمح لنيل جائزة نوبل للسلام لأنه الرجل الذي يتوصل إلى الاتفاقات بدلاً من إشعال الحروب.

أما المعسكر الثاني فيمكن أن يطلق عليه معسكر نتنياهو، وهو ما يسعى إلى تخريب المحادثات أملاً في إشعال المواجهة العسكرية وضرب إيران وبالتالي إشعال المنطقة برمتها، ليحقق مبتغاه بالقضاء على أي تهديد قد تواجهه إسرائيل مستقبلاً، وليحافظ نتنياهو على دولاب الحروب حفاظاً على بقائه في السلطة وتشتيتاً لاستحقاقات الداخل على فساده وتقصيره في هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

الإيرانيون حريصون على نجاح المعسكر الترمبي لأن البديل مرعب ومدمر، والحلفاء الخليجيون يساندون معسكر ترمب في مواجهة معسكر نتنياهو تجنباً لحرب قد لا يسلم منها أحد، ويراهن الإيرانيون على عامل الوقت وسياسة النفس الطويل، وهو رهان يحاول معسكر نتنياهو إجهاضه بإقناع معسكر ترمب بأن الإيرانيين يراوغون ويسوفون تضييعاً للوقت على حساب أمن إسرائيل ومصالح أميركا الإستراتيجية، ويعملون على إضافات شروط تعتبر تعجيزية بالنسبة إلى دولة قامت على معاداة أميركا وشعار “مرك بر أمريكا” أي “الموت لأميركا”، وما يطالب به معسكر نتنياهو عملياً هو استسلام أو ربما إذلال مكشوف لإيران قد يدفعها لوقف المحادثات، مما يبرر سيناريو الحرب والبديل العسكري.

ولنترك التحليلات والمقابلات الإعلامية العلنية والتصريحات الرسمية والتلويح بجزرة استثمار إيران 4 تريليونات، وفي رواية أخرى 8 تريليونات، فكل هذا “كلام مأخوذ خيره” كما يقول المصطلح الشعبي، فتسريبات المحادثات تقول إن إيران ستسلم “الجمل بما حمل” كما يقول المثل الشعبي، وستبيع كل ما يمكن بيعه من أوراق طائفية خلقتها أعوام طويلة كي تنجو من شبح الحرب التي إن حدثت فقد لا تبقي ولا تذر.

تضحية إيران بميليشياتها وولائييها بيننا سياسة حكيمة تنشد إنقاذها وتجنيبها الدمار، وهي موقف إيراني وطني بامتياز، أما من تسرب إليهم الوهم بأن إيران تقاوم من أجل الشيعة العرب أو من أجل قضية فلسطين أو لتحرير القدس فقد “فراحت عليهم”، فإيران لا يهمها إلا إيران، وإيران تعمل من أجل إيران فقط.

نقلاً عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى