متى ننتفض . . ؟!
بقلم : سعد الكعبي
تشهد الساحة الإيرانية منذ أكثر من أسبوع مظاهرات واسعة ضد سلطات الاحتلال على خلفية مقتل الشابة الكردية #مهسا_اميني إثر التعامل الوحشي من دورية شرطة الإرشاد التي تسببت بموتها بحجة عدم إلتزام الضحية بالحجاب الشرعي!!.
فهذه الواقعة أشعلت موجة غضبٍ عارمةٍ في عموم ما تُسمى بـ ( جغرافية إيران السياسية ) ضد سلطات الاحتلال وأجهزتها القمعية.
ونتيجةً لهذه الواقعة المأساوية، والتي كانت بمثابة فتيلةَ إشتعال نار غضب الشارع الإيراني ضد نظامهم في طهران، ومن خلالها عبّر المتظاهرون الإيرانيون عن مطالبهم ورغباتهم في إسقاط هذا النظام, وقد رأينا حرق لصور المرشد الإيراني المجرم علي خامنئي وسمعنا المتظاهرون وهم يهتفون بموت المرشد ونعته بالقاتل والدكتاتور وغيرها من الشعارات.
فبعد أيامٍ قلائل من بدء الأحداث أتت دعوات أحوازية لمطالبة الشعب الأحوازي بالمشاركة بموجة المظاهرات التي تشهدها (إ يـ ر ا ن) وأعتقد أن أصحاب هذه الدعوات بنوا دعواتهم على عدة أسباب من أهمها:
• عدم تفويت الفرصة الحالية والمساهمة بتوسيع دائرة الاحتجاج ضد النظام وأن نكون جزءً من الحراك العام الذي يتسع كل يوم، كـ إثبات وجود.
• شعور برغبة إقلمية ودولية بإسقاط النظام، وربما هذه المرة تختلف عن سابقاتها كما يعتقد الأخوة أصحاب الدعوات.
• تزامن دعوات خروج الشارع الأحوازي مع دعوات ثورة تشرين في العراق والتي من المقرر لها في 1-10 المقبل، وهذا الأمر سيخفف بطش النظام وعدم الاستفادة من مليشياته في العراق بقمع الأحوازيين والتي في وقت سابق شاركت في قمع انتفاضات الشعب الأحوازي، حيث ستكون منشغلة بقمع مظاهرة تشرين.
• ربما تأتي هذه الدعوات بالتنسيق مع بعض تنظيمات الشعوب غير الفارسية وأيضا مع أطراف مرتبطة بثورة تشرين في العراق وهذا ما دفع أصحاب الدعوات بإطلاق دعواتهم بالخروج إلى الشارع.
هذه أبرز الأسباب التي قامت عليها الدعوات المطالبة بخروج الشعب الأحوازي إلى الشارع . .
السؤال: هل تعد هذه الأسباب والمعطيات كافة بأن ندعو الشعب بالمشاركة في موجة المظاهرات في إ ي ر ا ن ؟
باعتقادي هذه الدعوات ليست في محلها ولا في أوانها وذلك عدة أسباب مهمة :
• مازالت الاحتجاجات في بداياتها، ومن المبكر جدًا أن نركب مركبها دون معرفة ربّـانها، وإلى أين يتجه بنا وآخذنا، في جو عاصف وموج متلاطم وظلمة لا شيء فيها واضح.
• إن من أهم أسباب عدم واقعية الدعوات هي غياب القيادة الميدانية المحركة لها، فلا يمكن لقيادة الخارج أن تقود الحراك الداخلي الذي يتطلب حضور على الأرض وبين الشعب. فالعمل على بناء قيادة داخلية هو أولى من هذه الدعوات.
• تأتي المظاهرات الحالية في ا ي ر ا ن بمطالبٍ سياسية، أقصى ما تقف عليه هو تغيير نظام الملالي، وهذا هدف المعارضة الفارسية والتي تطمح بأن تكون هي البديل، هذه المعارضة لا تعترف إلى الآن بحقوقنا القومية علاوة على حقنا في تقرير مصيرنا، واذا ما أرادت جهة ما أن تُطلق مثل هذه الدعوات (أي دعوات الشارع الأحوازي بمشاركة المظاهرات) عليها أن تطرح نفسها كجهة سياسية تمثل مطالب الشعب (المرحلية) والتي تتناسب مع الحراك الموجود في ا ي ر ا ن وتشارك في تكوين النظام الجديد في طهران. لكن أن نأتي وندعو شارعنا بالمشاركة ونحن ضعفاء ولا تمثيل لنا ولا اعتراف بحقوقنا ولا ضمان، فبالتأكيد ستأتي المعارضة المدعومة دولياً وتركب حراك شارعنا وتسحقنا دون مبالاة.
• إن الدفع بشباب الأحواز إلى الخروج في ضل ما تعيشه الأحواز من حصار داخلي (متمثلة بالأجهزة الأمنية والمخابراتية) وإقليمي (متمثل بمليشياتها في العراق) هو بمثابة جر الشباب إلى مقصلة الجلاد واعطاء السلطات الفرصة بارتكاب مجازر جديدة دون مبرر .
إذن متى ننتفض . . !؟
ننتفض عندما يتحقق التالي :
من خلال تجربتنا كشعب أحوازي مع أنظمة الاحتلال المتعاقبة وصلنا إلى قناعة حتمية بأنه لا يمكن لأنظمة الاحتلال أن تمنحنا حقا واحداً مهما كان حجمه بسيط أم كبير، لا على صعيد حقوقنا القومية ولا حتى التنعم بخيرات أرضنا، بل على العكس تماماً فان سياسات النهب والتفريس تزداد كلما حل نظام جديد ويكون أكثر جرماً وارهاباً على شعبنا.
وعليه أبني وجهة نظري، أن تحقيق مكتسباتنا الوطنية تحتاج إلى تهيئة ظروف معينة تناسب تطلعاتنا، ومرحلة ملائمة لفرض مطالبنا، ولتحقيق أهدافنا الوطنية كشعب عربي يطمح إلى إنشاء دولته وكيانه السياسي يتطلب الكثير من التريث الكثير . . الكثير . . ، والحكمة في التعامل مع الأحداث والمتغيرات التي تجري حولنا.
فمن الحكمة في هذه المرحلة والتي أعتبرها هي مرحلة بناء ومرحلة تهيئة لخلق ظرف موضوعي لتحقيق أهداف ثورتنا، ولكي نحمي مشروعنا الوطني من الإنهيار وأن لا تجرفنا سيول الأحداث، ونحن في حالة من الضعف ولسنا في موقع التأثير في الوقت الحالي، علينا أن نكون فوق التل ونراقب بكل دقة ما يحدث من مجريات والتي من المؤكد ستعقبها متغيرات نرجو أن تكون من صالحنا.
إن أطراف الصراع في الوقت الحالي تفوقنا قوة، ولسنا بموقف نستطيع أن نفرض مطالبنا عليهم، ولا من مصلحتنا بأن نكون مع طرف ضد طرف آخر، لذلك علينا أن نجنب أنفسنا بالدخول في هذه المعركة وإلا سنكون الخاسر الأكبر فيها، ولن ننال شيء منها سوى استغلالنا كحطب في نار صراعهم.
فيا أبناء شعبي المخلصين . .
عندما نقرأ تاريخنا الأحوازي سريعاً، ونرى كيف قامت الدولة الكعبية الأولى بقيادة الأمير سلمان الكعبي، وكيف استفاد الأمير سلمان من انهيارات الكيانات الكبرى في المنطقة وفي الاقليم التي استنزفتها الصراعات والحروب فيما بينها، جاء سلمان من بعيد والذي لم يكن في حسابات المتصارعين، ولا في صدارة المشهد، أقام أقوى دولة في المنطقة والتي قارعت كل قوى الاحتلال والاستعمار العالمي حينذاك.
فهذا الدرس التاريخي نتعلم منه، بأن ليس من الحكمة أن نتصدر المشهد، حتى لا نكون ضمن قائمة الاستهداف ونعطي فرصة للمتآمرين بالتآمر علينا، والدرس الآخر الذي نتعلم منه، بأن في الوقت الذي تُستنزف فيها الأطراف المتصارعة قواها، العالمية والاقليمية، يكون الشعب الأحوازي يبني قوته وينظم نفسه ويتمركز على الأرض.
إذن أن بناء القيادة الميدانية وتقوية المقاومة على الأرض والحفاظ على ناشطينا وشبابنا الواعي يجب أن تكون ضمن أولويتنا في هذه المرحلة، فهم ركيزة العمل للاستحقاقات المقبلة، ولا يمكن أن نجازف بهم لمظاهرة ربما يتمكن النظام من قمعها بعد أيام ونكون قد خسرنا خسارة كبيرة وهذا سيأتي إلى تراجع قضيتنا وفقد شارعنا الثقة بالقوى الوطنية.
لا شك أن المتغيرات الإقليمية لها الأثر على مستقبل الحراك الأحوازي وخاصة المتغيرات التي تطال الجارة العراق، وإلى هذه اللحظة الميليشيات الولائية هي المهيمنة على المشهد العراقي وإذا لم يتغير هذا المشهد لا يمكن أن نطالب الجماهير الأحوازية بالنزول، وإلا بهذا الفعل سنعرّض أبناءنا إلى فوهات بنادق المليشيات الولائية.
وفي نهاية كلامي وخلاصة مقالي، إن الظرف الموضوعي واللحظة التاريخية لم تحن بعد، ولكننا نعيش مقدماتها فقط.
ولا يتوقف الأمر وتحقيق الإنجاز على ما يحصل من متغيرات في محيطنا وحسب، بل يحتاج من القوى الوطنية في الداخل والخارج بناء المنظومة القادرة على استثمار الفرص المؤاتية على جميع الصعد المعنوية والمادية والجهوزية العالية، ولا نستعجل ولا نتسرع فنهدم كل بنائنا لاجتهاد سريع واندفاعي غير مدروس.