ما الذي يجري في الشرق الأوسط؟
ذكي بن مدردش
في ظل مرور عام على حرب غزة الأخيرة واندلاع الصراعات على جبهات متعددة في الشرق الأوسط، يبدو أن المنطقة تشهد تفاعلات معقدة تتداخل فيها الصراعات المحلية مع التوترات الإقليمية والدولية.
تتزايد التحديات الأمنية والسياسية مع تعاظم دور الفصائل المسلحة الموالية لإيران في لبنان واليمن، في حين أن السودان يعاني صراعاً داخلياً مستمراً، وهذه الاضطرابات تعكس حالاً من الانقسامات العميقة التي تعزز التوترات الطائفية والعرقية، إضافة إلى تنافس القوى الإقليمية والدولية.
عام على حرب غزة
لا تزال غزة تعاني موجة من العنف والموت وحصاراً اقتصادياً خانقاً وتواجه تحديات إنسانية كبيرة، في حين تستمر محاولات الوساطة، خصوصاً من جانب مصر وقطر، بينما تبقى مسائل عدة عالقة في جوهر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من قضايا الاحتلال الإسرائيلي والتهجير القسري وحقوق الفلسطينيين.
في السياق الأوسع، ما زال العالم العربي يواجه انقساماً في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، إذ تبدو بعض الدول العربية منغمسة في تدشين العلاقات مع إسرائيل، مما يثير خلافات داخلية بين الأطراف العربية ويعزز العزلة التي يعانيها الفلسطينيون على الساحة الدولية.
جبهة لبنان… حرب بالوكالة
على الحدود اللبنانية، تصاعدت التوترات بين “حزب الله” وإسرائيل، بحيث يرى كثيرون أن الصراع في لبنان هو حرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل، إذ يُعدّ “حزب الله”، المدعوم من طهران، الفاعل الرئيس في لبنان، ويتمتع بنفوذ عسكري وسياسي كبير.
وكانت المواجهات المسلحة بينه إسرائيل نادرة منذ الحرب عام 2006، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تزايداً في التحذيرات والتهديدات المتبادلة، وجراء ذلك يزداد الوضع الداخلي في لبنان تعقيداً، فالبلاد تعاني انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، وغياب الاستقرار السياسي منذ أكثر من عامين مع حال الفوضى والتشتت السياسي وفشل الحكومة في توفير حاجات المواطنين.
هذه العوامل إلى جانب تفاقم الأزمة الاقتصادية، تعطي “حزب الله” فرصة لتعزيز موقفه كمصدر للسلطة والنفوذ في البلاد، مما يزيد من احتمالية اندلاع نزاع واسع في المستقبل القريب وربما بدأ فعلياً منذ يومين.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015 بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة “الحوثي” المدعومة من إيران، تحول اليمن إلى مسرح لصراع إقليمي تشارك فيه قوى دولية وإقليمية متعددة.
وفي إطار التدخل الإقليمي، سواء عبر الأسلحة أو التدريب، يعتبر الدعم الإيراني للحوثيين عنصراً محورياً في تمدد هذا الصراع، وتحول النزاع في اليمن إلى حرب استنزاف مع آثار كارثية على الشعب اليمني، بما في ذلك المجاعة وتفشي الأوبئة وتدمير البنية التحتية.
في الآن ذاته فإن محاولات الوساطة، سواء من قبل الأمم المتحدة أو دول الخليج، لم تؤتِ ثمارها بصورة ملموسة، على رغم التقدم المحدود الذي تم تحقيقه في بعض جولات المفاوضات، إذ لا يزال الحوثيون يسيطرون على جزء كبير من شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، ويواصلون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة تجاه إسرائيل ويثيرون الإزعاج في البحر الأحمر، مما يعمق من تأثير الصراع على المستوى الإقليمي.
السودان: حرب داخلية تتفاقم
في السودان، يشهد النزاع بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) مرحلة تصعيد متزايدة، فمنذ اندلاع القتال في أبريل (نيسان) 2023، انزلقت البلاد في دوامة من العنف الداخلي، مما أسفر عن آلاف القتلى والجرحى وتشريد مئات آلاف المدنيين.
ويتجاوز الصراع في السودان مجرد تنافس عسكري بين الجنرالين عبدالفتاح البرهان و”حميدتي”، فهو يعكس فشل المرحلة الانتقالية التي بدأت بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في 2019، إذ لا تزال القوى المدنية مهمشة، بينما تسعى القوى العسكرية إلى الاستئثار بالسلطة والسيطرة على الموارد.
التدخلات الإقليمية والدولية: تعقيد الأزمة
ومما يزيد من تعقيد الوضع في الشرق الأوسط هو التدخلات الإقليمية والدولية، إذ تقوم إيران بدور رئيس في دعم الفصائل المسلحة في لبنان واليمن، وتسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال مواجهة النفوذ الأميركي والإسرائيلي وتدخلها في ساحات أخرى في سوريا والعراق.
أما الولايات المتحدة، فتضطلع بدور غامض في الشرق الأوسط، فعلى رغم انسحابها الجزئي من بعض الصراعات، مثل الحرب في أفغانستان، إلا أنها لا تزال تحتفظ بوجود عسكري مهم في بعض الدول وتسعى إلى الحد من النفوذ الإيراني، بخاصة من خلال التحالف مع إسرائيل وبعض دول الخليج.
الخلاصة: منطقة على شفا الانفجار
في ظل هذه التوترات المتصاعدة، يبدو أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة حرجة، فالنزاعات المسلحة لا تزال مستمرة، سواء في غزة أو اليمن أو السودان أو على الحدود اللبنانية، في حين أن التنافس الإقليمي بين القوى الكبرى مثل إيران وإسرائيل يعقد محاولات الحل.
وما يحتاج إليه الشرق الأوسط اليوم هو رؤية سياسية جديدة تعتمد على الحوار الإقليمي وتقاسم السلطة بصورة عادلة، وإلى أن يتحقق ذلك سيظل المواطن العادي في المنطقة هو الضحية الأولى، ويعيش تحت وطأة الحروب والنزاعات التي يبدو أنها لا تنتهي.
نقلاً عن اندبندنت عربية