أهم الأخبارمقالات

ماذا فعل المستشار البريطاني تشارلز بلغريف في البحرين؟ (4-7)

 

الكاتب
الدكتورة شرف محمد المزعل

– بعد أن جرب صيف البحرين، طلب بلغريف من الشيخ حمد أن يمنحه إجازة كل سنتيّن، وقد وافق الشيخ على ذلك

– كان بلغريف يجيد التحدث باللغة العربية والسواحلية والفرنسية، وخدم في مصر بكفاءة بصفته مدنيا، كما لو كان عسكريا، ويعتبر ضليعا في المرافعات الجنائية والقوانين المدنية.

– لم يكن يوجد بالبحرين سوى مدرسة حكومية واحدة، أما البلدية فكانت بالمنامة، ويرأسها الشيخ حمد بنفسه، ومعظم الموظفين والكتاب من الهنود

-تميّز بلجريف بعدة خصال شخصية مهمة ساعدته في أن يصبح شخصا موثوقا لدى حكام البحرين، أهمها التفاني في العمل والإخلاص

-سلوك بلجريف تجاه المواطنين البحرينيين دوني ومستعلي ويقوم بمتابعة المواضيع الامنية مع الجهات المختصة، ويتخذ إجراءات لحماية الناس وتهدئتهم

– بلغريف ان الشعور بالعرفان صفة نادرة بين البحرينيين (بناء على قلة عدد الأشخاص الذين جاءوا لتوديع الميجور ديلي عام 1926)، فهم بطبيعتهم «غير عاطفيين، وماديّون، وكثيرو السخرية

في دراسة بحثية مهمة للدكتورة شرف محمد علي المزعل، تسلط فيها الضوء على شخصية جدلية مهمة في تاريخ البحرين السياسي والاجتماعي من طراز مستشار حكومة البحرين تشارلز بلغريف، الذي ترك بصماته في مفاصل البلاد في مستوياتها المختلفة. أكثر من ثلاثين عاما والمستشار يفصل السياسات ويوجهها نحو المصالح البريطانية رغم أنه مستشار لحكومة البحرين، وأن الجيش البريطاني كان يضع على إمارات الخليج بما فيها البحرين حتى الاستقلال عام 1971,
وتضيف المزعل في بحث محكم بعنوان «دور المستشار البريطاني تشارلز بلجريف في تأسيس دولة البحرين الحديثة: دراسة تاريخية (1926 – 1957)» تنشره ” دلمون بوست على سبع حلقات ، بان هذه الاحجية أوقعت المؤرخين في جدل مستمر حول ما إذا كان تشارلز بلجريف يعمل فعلا مستشارا لخدمة حكومة البحرين، ويسعي لتطوير البحرين وتحديثها، ويدرك مكامن الخلل في بعض الدوائر الحكومية، لكنه لم يقدم الحل البديل؛ أم أنه كان يمثل اليد التي كان يستخدمها المستعمر البريطاني للتسلط على الشأن البحريني، وضمان الحفاظ على الخليج العربي، والذي كان بالنسبة لبريطانيا «مصدرا للنفط، وكانت البحرين ذات موقع استراتيجي هام في الهند والشرق وبدونها لا يمكنها القيام بأعمالها ومهماتها؛ فيجب ألاّ تفقدها».

نواصل البحث عن الدور الذي لعبه المستشار البريطاني تشارلز بلجريف في تأسيس دولة البحرين الحديثة، ومكانته السياسية في البلاد.. وهنا الحلقة الرابعة.
ثانيا:دور بلجريف في عهد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة (1926-1942)
في أثناء الزيارة الأولى للشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين (1872-1942)، لإنجلترا عام 1925، كما سبق ذكره، أعرب الشيخ عن رغبته في توظيف شخص إنجليزي مستشاراً له، ونظرا لعدم توفّر الشخص المناسب لهذا المنصب، رأى الوكيل السياسي، الميجور كلايف ديلي، أن ينشر إعلانا عن تلك الوظيفة بصحيفة التايمز البريطانية. وعلى أثر ذلك، وصلت برقية من وزير الدولة للهند في لندن إلى الشيخ حمد تطلب منه تكليف كلايف ديلي، وهو آخر الوكلاء البريطانيين في البحرين، للبحث عن ضابط بريطاني كمستشار مالي، وكان ذلك بتاريخ 17 سبتمبر 1925. تطلب البرقية أيضا من الحكومة الهندية الأذن الرسمي لتكليف تشارلز داليرمبل بلجريف كأنسب شخص للقيام بهذه المهمة، فهو ضابط إداري مبتدئ، غادر تانجانيقا عاصمة تنزانيا تمهيدا للاستقالة في 31 أغسطس 1925، وكان يجيد التحدث باللغة العربية والسواحلية والفرنسية، وقد خدم في مصر بكفاءة بصفته مدنيا، كما لو كان عسكريا، ويعتبر ضليعا في المرافعات الجنائية والقوانين المدنية. وكانت الوظيفة التي عُرضت على تشارلز بلجريف وقَبَلها هي أن يكون مستشارا للحاكم وليس ضابطا إنجليزيا، وألا يعمل في التجارة. وكان مدة عقد العمل أربع اعوام، وقد وقعه تشارلز بلجريف حال وصوله إلى البحرين في 1 مارس 1926، وكان أحد شروط التعيين هو ألاّ يأخذ بلجريف إجازة إلا بعد إكمال اربع اعوام من العمل، لكنه بعد أن جرب صيف البحرين، طلب من الشيخ حمد أن يعيطه إجازة مرة كل سنتيّن، وقد وافق الشيخ على ذلك، وظل بلجريف مستشاراً للحاكم حتى عام 1933، وبعد ذلك أصبح مستشاراً لحكومة البحرين حتى رحيله عن البلاد.
وعنما وصل تشارلز بلجريف إلى البحرين عام 1926، أقام في منزل مؤقت قديم قبل أن يستقر مع زوجته مارجوري في منزله الجديد الفاخر بالقلعة. وبفضل تعامله مع الحاج صقر الزياني، رئيس مكتب الشيخ حمد، اكتسب السير تشارلز بلجريف الطريقة التي يجب أن يتعامل بها مع كل شخص بحسب مكانته الاجتماعية. وفي ذلك الوقت، لم يكن يوجد بالبحرين سوى مدرسة حكومية واحدة، أما البلدية فكانت بالمنامة، ويرأسها الشيخ حمد بنفسه، وكان معظم الموظفين والكتاب في المكاتب الحكومية من الهنود، وكان لدى البعثة التبشيرية الأميركية مستشفى صغير باسم مستشفى الملكة فكتوريا التذكاري (1902)، ولم تكن طرق المدينة معبّدة وصالحة للسير فيها، أما بالنسبة للبيوت، فقد كان معظمها مصنوعا من سعف النخيل والحصر، وكان الناس يشربون الماء المتدفق من العيون الطبيعية.
وقد تميّز السير تشارلز بلجريف بعدة خصال شخصية مهمة، ساعدته في أن يصبح شخصا موثوقا لدى حكام البحرين، ومطلوبا لتقديم الاستشارات والخدمات المطلوبة منه، وأهمها التفاني في العمل، والإخلاص في خدمة الحاكم لكسب ثقته ورضاه. كما تحلى تشارلز بلجريف بالصبر والحكمة والهدوء في التعامل مع الآخرين، فكان لا يرفع صوته أبدا على الحضور، ويلتزم أحيانا الصمت عند مناقشة القضايا المهمة. كما تميّز تشارلز بلجريف أيضا بقدرته على ملاحظة الأشياء الصغيرة، ورصد التفاصيل الدقيقة (طول الحجرة، عدد الصبية الذين أحضروا طعام العشاء، حركة المراكب، الخ)، ووصف العادات والتقاليد (أنشطة الشيوخ، كاستقبال الشيخ حمد للمواطنين دائما بعد الإفطار، وهواية القنص لديه، وحفل تتويجه حاكما للبلاد، وسلوك الغواصين وتجار اللؤلؤ، ومراسم الزواج، والسوق، الخ). وكان الوصف الدقيق للأشياء والأحداث والناس والمواقف الاجتماعية مصحوبا بالتندّر والطرافة، فقد كان تشارلز بلجريف يسخر مثلا من الأشخاص الذين تعينهم بريطانيا وكلاء سياسيين، ويعتبرهم «مصدر أذى كبير»، مثلما كان يميل للحكم على أطباع الأشخاص ومعتقداتهم منذ اللقاء الأول بهم، ويدوِّن انطباعاته عنهم بمجرّد أن يتحدث إليهم، كما حدث مثلا مع برات، خليفة الميجور ديلي، وزوجته، والذين «سُرعان ما اكتشف تشارلز بلجريف أنهما يفتقران إلى الفطنة».
غير أن سلوك تشارلز بلجريف يوحي بأنه كان يتعامل مع المواطنين البحرينيين بمسحة من الدونية والاستعلاء، فحينما تعرّف بعد أربعة أيام من وصوله إلى البحرين بالميجور النيوزلندي فرانك هولمز، والذي كان يمثل شركة بريطانية صغيرة حصلت لاحقا على امتياز للتنقيب عن النفط وحفر الآبار في البحرين، وصف هولمز بأنه رجل واسع الخبرة والمعرفة «ينطوي سلوكه على قدرة كبيرة في التعامل مع العرب، فهو يستطيع التفاهم جيدا مع المواطنين البحرينيين الذين تعودوا على طريقته في الصراخ في وجوههم بل وضربهم على ظهورهم أحيانا»، وكان «يحمل عصا يستخدمها للمشي ويضرب بها سائقه إذا أسرع أو أبطأ كثيرا»، ويتباهى بأنه «يعطي خدَمَه أجورا إضافية مقابل معاملتهم بمثل هذه القسوة». كما كان تشارلز بلجريف يعتقد أيضا أن الشعور بالعرفان صفة نادرة بين البحرينيين (بناء على قلة عدد الأشخاص الذين جاءوا لتوديع الميجور ديلي عام 1926)، فهم بطبيعتهم «غير عاطفيين، وماديّون، وكثيرو السخرية وإعابة الآخرين، وهم لا يحتملون تطبيق النظام، ويعارضون أي شيء يحدّ من حريتهم الفردية، حتى لو كان ذلك الشيء لمصلحتهم».
وكان تشارلز بلجريف يؤدي وظائف متعددة في الوقت نفسه؛ فبصفته مستشارا لحاكم البحرين، كان يرافق الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في مجلسه وزياراته، ويقدم النصيحة والمشورة له حول القضايا المحلية؛ وبصفته قائدا للشرطة (تم تأسيس جهاز الشرطة في البحرين عام 1919)، كان يتحرِّى الحقائق عن الأحداث الخطيرة (كحادثة إصابة الميجور ديلي بالرصاص على يد شرطي بلوشي عام 1926) ويقوم بمتابعتها مع الجهات المختصة، ويتخذ إجراءات لحماية الناس وتهدئتهم (كحراسة أفراد الشرطة الخيّالة للمنامة بعد حادث الميجور ديلي)؛ وبصفته قاضيا في المحكمة، كان بقوة القانون يمنع ابتزاز الناس واستغلالهم لأموال الآخرين.
.. يتبع

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى