مقالات

لبنان «حزب الله»… و«حزب الله» لبنان

 
خير الله خير الله
من الصعب التكهّن بالمدى الذي يمكن ان يذهب اليه «حزب الله» في التصعيد مع إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية ومن جنوب لبنان تحديداً.
لكن الثابت انّ ما يحصل في الأراضي اللبنانيّة يشير الى انّ «الجمهوريّة الاسلاميّة» في ايران قرّرت الذهاب بعيداً في ممارسة لعبة حافة الهاوية في البلد الصغير.
ليس لبنان سوى ورقة ايرانيّة في المفاوضات الدائرة في فيينا بين الأميركيين والإيرانيين. ليس لبنان سوى أداة ضغط تستخدمها ايران في هذه المفاوضات وذلك من أجل تحقيق هدف في غاية الوضوح.
يتمثّل هذا الهدف في رفع العقوبات الأميركيّة عنها من دون وجود أي رابط بين الصفقة المحتمل التوصّل إليها من جهة وسلوك «الجمهوريّة الإسلاميّة» خارج حدودها من جهة أخرى.
تمارس ايران لعبة حافة الهاوية في لبنان بغض النظر عن الأذى الذي يمكن ان يلحق بلبنان وبغض النظر عن مصلحة لبنان واللبنانيين، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعيّة التي استطاع «حزب الله» تغيير طبيعتها.
لم يشمل هذا التغيير، في طبيعة الحال، كلّ أبناء الطائفة. لكن لا مفرّ من الاعتراف بانّ الحزب استطاع وضع معظم الشيعة في لبنان تحت مظلّته. استطاع ذلك بعد سنوات طويلة من الجهد الدؤوب الهادف الى ربط مصالح أبناء الطائفة به مستخدماً أموال ايران ومستغلّا الدولة اللبنانيّة ومواردها في الوقت ذاته.
أرادت ايران من خلال الخطاب الأخير لحسن نصرالله، الأمين العام للحزب، تأكيد انّها تستطيع فرض ما تشاء على اداتها اللبنانيّة وعلى لبنان نفسه من منطلق انّ «حزب الله» ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» لا اكثر.
كان لافتاً كلام نصرالله عن الصواريخ الدقيقة التي لدى «حزب الله» موحياً بانّها منتشرة في كلّ الأراضي اللبنانيّة. اكثر من ذلك، أعلن الحزب مسؤوليته عن اطلاق طائرة مسيّرة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية في مهمّة «استطلاعيّة»… بعد يومين من خطاب الأمين العام.
لا تزال الأمور، اقلّه الى الآن، دون السقف الذي يبدو ان الطرفين الإيراني والإسرائيلي متفقان عليه، اقلّه ضمنا، في منطقة يفترض ان تكون تحت سيطرة القوة الدوليّهّ «المعزّزة» الموجودة في جنوب لبنان بموجب القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة صيف العام 2006.
لعلّ أكثر ما يُثير القلق لبنانيّاً ان حسابات «حزب الله»، مثله مثل ايّ من الميليشيات المذهبيّة التابعة لـ«الحرس الثوري» والمنتشرة في المنطقة، حسابات ايرانيّة ليس الّا.
الأكيد أنّ مثل هذه الحسابات مرتبطة بما يتجاوز لبنان واللبنانيين وبقاء لبنان. اين المشكلة بالنسبة الى ايران اذا دمّرت إسرائيل لبنان وما بقي من بنيته التحتية الهشّة فيه ومرافقه كلّيا؟ أين المشكلة في تهجير اهله، خصوصاً المسيحيين منهم وذلك في سياق إزالة الوجود المسيحي في المنطقة كلّها؟
ليس لدى «الجمهوريّة الاسلاميّة» ايّ مشكلة في ذلك بدليل الجهود التي بذلها «حزب الله» منذ قيامه من اجل تفكيك مؤسسات الدولة اللبنانيّة وتحويلها الى دولة مفلسة وفاشلة، وصولاً الى بلد صار رئيس الجمهوريّة فيه الثنائي ميشال عون – جبران باسيل، فيما يحكمه ويتحكّم به عمليّا «حزب الله».
يتحكّم الحزب بلبنان تماماً مثلما يتحكّم الحوثيون بجزءٍ من الأراضي اليمنيّة التي يطلقون منها الصواريخ والمسيّرات المفخخة في اتجاه اراضي المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الامارات العربيّة المتحدة.
يُفترض في اللبنانيين الّا تكون لديهم أوهام من ايّ نوع. بلدهم جرم يدور في الفلك الإيراني. الاهمّ من ذلك كلّه، انّ كلّ الدعوات الداخليّة الى حوار مع «حزب الله» لا فائدة منها، لا لشيء سوى لان قرار الحزب في طهران وليس في لبنان.
هذا ما ثبت بوضوح ليس بعده وضوح لدى وقوع حرب صيف العام 2006 التي افتعلها «حزب الله» بناء على طلب إيراني وقتذاك. لم يكن صدفة ان الحرب وقعت بعيد تعهّد حسن نصرالله في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد وقتذاك أن الصيف سيكون «هادئاً» في لبنان.
تبيّن بكل بساطة ان لدى ايران والحزب حسابات من نوع آخر تتجاوز التخلّص من رفيق الحريري.
فبعد سنة وبضعة أشهر من اغتيال الرجل، آن أوان تحقيق انتصار نهائي على لبنان… في ظلّ مواجهة مفتعلة مع إسرائيل.
ما ينطبق على الحزب، ينطبق على الميليشيات الايرانيّة المنتشرة في العراق وسورية واليمن أيضاً. تلعب كلّ ميليشيا الدور المطلوب منها في خدمة استراتيجية «الجمهوريّة الاسلاميّة».
من لديه ادنى شك في ذلك، يستطيع العودة الى ما يحدث في العراق في ظلّ رفض إيراني للاعتراف بنتائج الانتخابات النيابيّة التي أجريت في أكتوبر الماضي. رفضت ايران الاعتراف بنتائج الانتخابات التي اسفرت عن خسائر كبيرة لحقت بالاحزاب التابعة لها.
سعت بدل ذلك الى خلق حال من البلبلة في العراق. ادّت هذه الحال، المفتعلة ايرانيّا، الى تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة يحلّ مكان برهم صالح، كما حالت دون تشكيل حكومة جديدة بديلة من حكومة مصطفى الكاظمي.
يبدو ما يحدث في العراق عقاباً لمصطفى الكاظمي على إصراره على اجراء انتخابات نيابيّة في موعدها بدل الذهاب من تأجيل الى آخر للانتخابات.
من هذا المنطلق وفي ظلّ ما يجري في المنطقة، يكمن الخوف، كلّ الخوف، لبنانياً في أمرين. الامر الاوّل افلات زمام الأمور من يد «حزب الله»، نظراً الى انّ حساباته ايرانيّة بحتة، في وقت ليس معروفاً ما اذا كانت إسرائيل تستطيع البقاء مكتوفة طويلاً أمام خطر الصواريخ والمسيّرات التي ترى انّها تستهدفها.
امّا الأمر الثاني الذي لا بدّ من التوقف عنده، فهو مصلحة «حزب الله» في اجراء الانتخابات النيابيّة في الخامس عشر من مايو المقبل. هل من وظيفة لهذه الانتخابات المتوقعة، بعد ثلاثة اشهر او اقلّ من ذلك بقليل، غير توفير شرعيّة لبنانيّة لـ«حزب الله»، المصرّ على قطع كلّ علاقة للبنان بدول الخليج العربي، وتكريس أن لبنان هو الحزب والحزب هو لبنان؟
نقلا عن “الراي”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى