أهم الأخبارمقالات

كتاب معجم حكام العراق /الحلقة الثالثة /البصرة تمصيرها وولاتها

 

بسام شكري

1- تمصيرها

بنى البصرة القائد العربي عتبة بن غزوان المزني سنة ( 14 ) للهجرة الموافقة لسنة 634 الميلادية بأمر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ( رض ) فقد كانت القبائل العربية المستوطنة في جنوبي العراق ، وأغلبها من بكر قد شجعها انتصارها على الفرس في موقعــة ( ذي قار ) وكانت موقعة ذي قار في السنة التي هاجـر فيها الرســول(ص) إلى المدينة ، فأخذ بعض رجالها يقومون بغارات على الأطراف الإمبراطورية الساسانية بقيادة قحطبة بن قتادة السدوسي من ناحية قرية ( الخريبة ) وهي مصغرة ( خربة ) وكانت قرية قريبة من البصرة ، فلما قدم خالد بن الوليد أعانه هذا على حرب الابلة كما كان المثني بن حارثة الشيباني يغير من ناحية الحيرة ، وقد جلبت حركاتهما هذه أنظار الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) فأرسل قوة بقيادة شريح بن عامر السعدي ليكون عونا لقحطبة لكنه سرعــان ما قتل في أحدى غاراته على الفرس فأرســـل الخليفة قوة أخـــرى بقيادة عتبة بن غزوان ليرأس الحركات العسكرية في هذه المنطقة .
اتخذ عتبة بن غزوان في بداية الأمر قرية (الخريبة) مقرا لحركاته، ثم أقام معسكرا من القصب والفساطيط والخيام فيها، فلما ثبت أمره فيها، انتقل إلى الدهناء بالقرب منها، وبنى المسجد الجامع، ثم دار الإمارة في الرحبة التي سميت فيما بعد رحبة بنى هاشم، كما بنى له ولحاشيته أكواخا من القصب فيها، وكان ذلك أول نواة لمدينة البصرة.
ولم تكن البصرة (المدينة) أول عمارة ظهرت على هذه البقعة من العراق وإنما كان موضعها سبع دساكر وهي قرى تحت سيطرة الفرس متقاربة من بعضها البعض أهمها قرية
الخريبة وكانت هذه على نهر الأبلة وهذا النهر يسمى اليوم (نهر العشار) نسبة إلى معقل بن يسار، الذي كان يتولى استيفاء (العشر) وهي الضريبة التي كانت تؤخذ على السفن، ولما مات (معقل) هــذا دفـــن هناك، ومــــن ثم سمى النهــر باسمه وتسمــى العامة اليـــوم هـذا البلد (المعقل) ويطلق البعض اسم (مار كيل) وهـي ترجمة شائنة خاطئــة عن الانجليزية لكلمة معقل، ومـن دفــن في هــــذا البلد السيدة حليمة السعدية، مرضعة الرسول – أمه بالرضاعة وليس لقبرها اليوم معالم تدل عليه.
وتبعد البصرة الحالية عن المدينة القديمة التي بناها عتبة بن غزوان ما يقرب من خمسة عشر كلم لأن العمارة انتقلت منها مع الناس، على إثر تحول مجرى شط العرب وهي اليوم قائمة على مدينة نهر العشار. وإذا استعرضنا تاريخ البصرة نجده حافلا منذ أول تمصيرها حتى هذا العصر بالفتن والمعارك والتنازع على السلطة ، وأول ما نذكره من ذلك معركة الجمل في سنة (26 ) للهجرة الموافقة لسنة 657 الميلادية ، وآخرها المعارك بين الانجليز والأتراك في الحرب العالمية الأولى سنة 1333هـ الموافقة 1916 الميلادية ، ودخولهم ثانية البصرة واحتلالهم هذه المنطقة في الحرب العالمية الثانية في أوائل شهر مارس سنة 1941 م وقد حدثت بين هذين التاريخين معارك كثيرة داخلية وخارجية في سبيل الاستيلاء على حكمها لأنها باب العراق الممهدة للاستيلاء عليه أو على أطرافه، وقد سببت هذه الحروب والمنازعات الكثيرة اضمحلالها وانحطاطها وتدهورها ومن أمثال العامة اليوم “بعد خراب البصرة” وتعني بعد فوات الأوان . فلقد أوقع فيها الخوارج وصاحب الزنج والقرامطة والموالي والمشعشعون والفرس والوهابيون والأتراك والإنجليز والهنود وغيرهم.

كما تصارع الحكام والولاة والأمراء من مختلف القوميات ، منهم العرب والفرس والديلم والترك والمغول وغيرهم حتى كانت سنة 951 للهجرة الموافقة لسنة 1544 الميلادية انتقلت البصرة إلى الإمبراطورية العثمانية على عهد السلطان سليمان القانوني حين فتح العراق وبقيت ولاية ً لا شأن لها إلا من الناحية التجارية والسياسية الغربية تابعة لبغداد يحكمها المتسلم ( قائم مقام ) أو الحاكم الذي يرسله وإلى بغداد نائبا عنه ، ثم صارت ولاية على عهد ناصر باشا ويحكمها والي مستقل عن والي بغداد في الغالب وامتدت ولاية البصرة في بعض الاحيان الى مناطق أكبر لتمتد الى الكويت والبحرين وقطر وبعض مدن الساحل كالأحساء والقطيف.
ولقد أكثر الفرس مهاجمتها في ادوار متطاولة مختلفة، وكانت أكثر معاركهم في سبيل الاستيلاء عليها في القرن الثاني عشر، بين أمراء المنتفك وبين باقر خان الزند – أخي كريم خان الزند – مؤسس الدولة الزندية في إيران ثم أخرجه البصريون منها بمساعدة مشايخ الســـعدون في مدينة المنتفك(مدينة الناصرية الحالية ) ، وعادت بعد ذلك إلى الإمبراطورية العثمانية حتى استولى عليها الانجليز حين احتلوا العراق .
ويجدر بنا أن نذكر هنا ما ذكره الأصطخرى في كتاب المسالك والممالك عن هذه المدينة العظيمة الشأن لما فيه من دقة في الوصف وإحاطة بالموضوع قال : وأما مدن العراق فالبصرة وهي مدينة عظيمة لم تكن في أيام العجم ، وإنما أختطها المسلمون أيام عمر بن الخطاب ، ومصّرها عتبة بن غزوان ، و خططها لتسكنها القبائل , فيها مياه كثيرة من شرقها ويحيط بغربيها البادية قوسا ليس فيها مياه إلا أنهار وذكر بعض أهل الأخبار أن أنهار البصرة عُدت أيام بلال بن أبي برده ، فزادت على مئة ألف نهر وعشرين ألف تجرى فيها الزواريق ، وقد كنت أنكر ما ذكر من عدد هذه الأنهار في أيام بلال بن أبي بردة حتى رأيت كثيرا من تلك البقاع فربما رأيت في مقدار رمية سهم عددا من الأنهار صغارا تجرى فيها زواريق صغار ، ولكل نهر اسم ينسب به صاحبه الذي احتفره ، أو إلى الناحية التي يصب فيها وأشباه ذلك ، وأكثر أبنيتها بالآجر وهي من بين سائر العراق مدينة عشرية ( تستوفى الأموال على التجارة والزراعة ) ولها نخيل متصل من عبدسي إلى عبادان نيفا وخمسون فرسخا متصلا لا يكون الإنسان منه في مكانه ألا وهو في نهر ونخيل أو يكون بحيث يراهما وهي في مستوى واحد لا جبال فيه ، وبها قبر طلحة بن عبيد الله من الصحابة مدفون في المدينة ، وخارج المربد في البادية قبر أنس بن مالك والحسن البصري والحسن بن سيرين والمشاهير من علماء البصرة وزهادها ولها نهـــر يعرف بنهر الأبلة طوله أربعة فراسخ ما بين البصـــرة والأبلة وعلى حافتي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحـــد وقد مدت على خيط واحد ، وتتشعب هذه الأنهار إلى أنهار كثيرة فمنها ما يقارب هذا النهر في الكبر وهذه

الأنهار كلها منخرقة بعضها إلى بعض وكذلك عامة أنهار البصرة ، حتى أذا جاءهم مد البحر تراجع الماء من كل نهر حتى يدخل نخيلهم وحيطانهم وجميع أنهارهم من غير تكلف ، فإذا جزر الماء انحط حتى تخلوا منه البساتين والنخيل ويبقى في الأنهار إلا أن الغالب على مائهم الملوحة وإنما يستقون إذا جزر الماء إلى مد نهر معقل ، ثم يعذب فلا يضره ماء البحر , والأبلة على هذا النهر وعلى ركن الأبلة في نهرها خور عميق عظيم الخطر ، وربما سلمت السفن في سائر الأماكن في البحر وغرقت في هذا الخور، الذي يعرف بخور الأبلة ، والأبلة مدينة عامرة خصبة عامرة ، احتفر لها الخليفة عمر بن الخطاب (رض) نهر الأبلة وبعد ذلك قام الخليفة عثمان بن عفان (رض) بمده الى مدينة البصرة فدجلة – التي يتشعب منها هذا النهر – عاطفا عليها وينتهي عمودها إلى البحر بعبادان , وللبصرة مدن كثيرة منها عبادان والأبلة والمفتح والمذار على شط دجلة وهي مدن صغيرة متقاربة في الكبر عامرة , إلا الأبلة فإنها أكبرها وفي حدود البصرة بين أضعاف قراها آجام كثيرة وبطائح، أكثرها يسافر فيها بالمرادي لأنها قريبة القعر كأنها كانت على قديم الأيام أرضا مكشوفة، ويشبه أن يكون لما بنيت البصرة وشقت الأنهار واتصل بعضها ببعض في القــرى وتراجعت المياه وغلبت على ما يستغل من أرضها، فصارت بحارا وهي البطائح.

نقلا عن الكاردينيا

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى