مقالات

قمة عربية على وقع أزمة عالمية!

أسامة سرايا

فى زمن الحروب- مثل زمن الكوارث، والجائحات، والأوبئة- يصبح العالم فى مفترق طرق، ليس بلدنا (مصر) فقط، أو منطقتنا (العربية، والإفريقية)، ولكن العالم كله، ويحدث كثير من خلط الأوراق بين ما هو منتظر وما هو ممكن، أو حادث فعلا، ويكثر الخبراء، والمحللون، الذين يلتقطون تحليلا من هنا، أو هناك، دون هضمه، أو «تفحيصه» جيدا، ودون تفكير يحاول البعض تعميمه على الجميع فى ساحة الحرب (وليس ساحات الرياضة، حتى نشجع، ونحشد الأنصار)، متناسين أنه فى زمن الحروب، والخلط هناك الكثير من الشائعات، وألاعيب المخابرات المتبادلة، التى تُوقِعُ بالكثيرين، ويتم تضليلهم، لأن كل طرف يريد أن يكسب نقاطا إلى جانبه فى ساحة الحرب، ومتناقضاتها، التى أصبحت إعلامية كذلك، وتبحث عن مؤيدين، وأنصار، ليس فى بلادهم، أو المتحاربين فقط، بل فى ساحة عالمية مفتوحة. ورغم أن العولمة انحصرت جزئيا بعد جائحة «كورونا»، وتداعياتها، فإن التجارة العالمية، وانتقال السلع، والخدمات، حول الكرة الأرضية، سرعان ما جعلت الناس يتناسون حقائقها- لأنهم يعتمدون على التبادل- حتى جاءتهم أزمة الحرب الأوكرانية، أو الزحف الروسى عليها، لأنها كانت فى قلب أوروبا، وشملت بلدين مؤثرين فى عدد من السلع المهمة للإنسان فى عالمنا المعاصر (النفط، ومشتقاته)، و(الحبوب، والزيوت)، ومستلزمات إنتاجهما من السماد تقريبا (روسيا وأوكرانيا تنتجان أكثر من ٣٠% من الإنتاج العالمى من هاتين السلعتين المهمتين، والإستراتيجيتين لمعظم العالم)، وسرعان ما تأثرت الأسعار، وسارت كالنار فى هشيم الحرب، كما تأثرت البورصات، والشركات بالعقوبات الاقتصادية المتبادلة نتيجة لذلك، فارتفعت أسعار الطاقة، والبنزين، وأصبح الوصول إلى القمح، والزيوت- باعتبارهما سلعا أساسية لحياة الكثيرين- مهتزا، ويهدد بعض البلدان، التى تعتمد على هاتين السوقين، بنسبة كبيرة، بنوع من الأزمة الحادة، إن لم تكن ما يشبه «المجاعة»، فى حالة استمرار الحرب، وخروجها عن السيطرة فى الأمدين المتوسط، والعالمى. ولعلنا، هنا، نثمن التحرك المصرى على الصعيدين الداخلى، والإقليمى العربى، وقد كان قادرا- نتيجة السياسات السباقة الاقتصادية، والإنتاجية على الحرب، والمتداخلة مع أزمة «كورونا»، أو «الجائحة»- على تلافى أزمة القمح، والذرة، والزيوت، ومستلزماتها من السماد، رغم أننا من أكبر أسواق المشترين للقمح من السوقين الروسية، والأوكرانية، ويرجع ذلك إلى أن الاستباق للأزمة جعل مصر تتغلب عليها، وبالتالى فإن قدرتها على الوجود فى هذه السوق الصعبة، رغم الأزمة، فعالة، ومؤثرة، بالإضافة إلى قدرتها على التخزين، وإنشاء الصوامع فى الموانى، ومازلنا نتذكر أيام ضعف موانينا، حيث كانت سفن القمح، والذرة، والأسمنت تقف فى الموانى عدة أشهر للتفريغ، وتدفع غرامات التأخير بالملايين، ولهذا فإن إنشاء الصوامع المصرية بالموانى كان قرارا حكيما، واقتصاديا مكن مصر من تخزين احتياجاتها، واختيار أوقات الشراء المناسبة لها، ولا تتحكم فيها السوق العالمية، وأسعارها المتقلبة، ولعل ذلك الآن، ونحن نتجه إلى تغيير النظام السعرى للخبز فى مصر، يؤدى إلى زيادة قدرتنا على التعامل مع سلعة حيوية، ومهمة فى مختلف، وكل الأوقات، سواء كانت سلما، أو حربا، أو أزمات، وارتفاع أسعار حساسة للسوق المحلية، وإذا أضفنا إلى ذلك زيادة حصة مصر المتوقعة من الإنتاج المحلى للقمح (نحو ١٠ ملايين طن)- وهى نسبة وازنة لاحتياجاتنا (أكثر من ٥٠%)- وفى حالة ترشيد الاستهلاك، كما هو متوقع، تكون فى حدود ٦٠%- فإن ذلك تطور اقتصادى مهم لمصر، يحقق سيادتها، وأمنها القومى لسلعة غذائية مهمة. ورغم أن هذا الموضوع لم يكن حديثى، فقد كنت مركزا على التحرك المصرى الأكثر من واعٍ، والمهم على الصعيد الإقليمى مع أشقائنا العرب، والذى تُرجم فى اللقاء المصرى- السعودى يوم ٨ مارس للتنسيق حول مستقبل الإقليم العربى فى ظل هذه الحرب، واضطراباتها، والتى اُعتبرت قمة عربية كاملة، لأن البيان لم يغفل أى قضية عربية، بل كان مجمل قضايا العرب الملحة، فى هذه اللحظة الحرجة عالميا، على طاولة البحث ، حيث كان وجبة عربية شاملة بين الرئيس السيسى والملك سلمان وضعت خريطة للمستقبل العربى ككل، فقد كانت خريطة المنطقة حاضرة، بكل تشابكاتها، من فلسطين إلى سوريا، واليمن، وليبيا، ثم العراق، والصومال. هذه الوثيقة العربية، التى صدرت فى ٨ مارس ٢٠٢٢ ، كانت الوجبة، أو الثمرة، لحوارات مهمة جرت فى الإمارات، والكويت، ومع الجزائر، و معظم الأشقاء العرب، لأننا لا نريد أن نرى اضطرابات جديدة، أو مهاجرين بالملايين، بين العرب من جديد، فيكفى المهاجرون الفلسطينيون، والسوريون. كانت قمة مصر والسعودية، وقبلهما الإمارات، والكويت، لها وقع، وتأثير، خفف وطأة غياب القمة العربية الشاملة، والتى كانت منتظرة فى شهر مارس الحالى، والتى تأجلت إلى نهاية العام، وهى القمة نفسها التى سبق أن تأجلت مرتين ( ٢٠٢٠-٢٠٢١ ) إبان التخوفات الناتجة عن وباء «كورونا»، حيث بحث الكثيرون، وطالبوا بقمة عربية فى وقت الأحداث، والأزمات، وتتزامن مع الحروب، ووقع تأثيرها المخيف على كل إنسان عربى، لكننى تفاءلت، إلى حد كبير، بتأجيل قمة الربيع (مارس ٢٠٢٢ ) إلى نهاية العام؛ فهى قمة خريفية جديدة يحتاج الإعداد لها وقتا كاملا حتى يستطيع العرب أن يتدارسوا وقائع أزمة عالمية بامتياز حاملة فى طياتها حروبا جديدة مقبلة، ومتنقلة هنا وهناك، وتحمل ويلاتها للكثير من بلداننا، التى اهتزت فى سنوات «الربيع العربى»، أو العقد الأخير، فى عالم جديد أصبح أكثر من متعصب، ولا يرى الكبار فيه مشكلات البلدان الصغيرة، بل إن هناك نظاما عالميا تآكل، وأصبح ضعيفا، لا يستطيع حماية الدول الصغيرة من الدول الكبرى التى تضرب، ومازالت أكثر من دولة عربية لم تعد إلى حالتها الطبيعية، ومن السهولة أن نرصد التفكك فى اليمن، وسوريا، وليبيا، والصومال، فكل هذه البلدان تحتاج إلى روشتة عربية للإصلاح الكامل، والتعاون الشامل بين دول المنطقة، لإنقاذها، وإعادة تعميرها.

نقلا عن الأهرام

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى