سورية على صفيح ساخن
رامي الخليفة العلي
شهدت الأيام الأخيرة في سورية جملة من التطورات التي بدت تعبيراً عن حالة من الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي والانسداد السياسي. فقد شهدت المنطقة الشرقية وتحديداً محافظة دير الزور هجوماً استهدف باصاً مبيتاً تابعاً للجيش السوري، راح ضحيته أكثر من عشرين عنصراً، وسرعان ما تبنى تنظيم داعش الإرهابي هذا الهجوم، ضمن سلسلة من الاعتداءات استهدفت الجيش السوري، وكذا عدد من المليشيات التابعة لإيران، هذه الأخيرة تسابق الزمن لترسيخ وجودها في شرق سورية عبر الاستيلاء على البيوت والأراضي التي هجرها أصحابها بسبب ظروف الحرب، وقد باتت العشائر العربية ترى في هذه المليشيات خطراً على عقيدتها ووجودها، مما أدى إلى مناوشات بين تلك العشائر وعدد من عناصر تلك المليشيات القادمين من العراق، والذين قاموا باستفزاز الأهالي عند الخط الحدودي بشعارات طائفية. المليشيات الطائفية حاولت استهداف قوات سورية الديمقراطية كرسالة موجهة إلى الولايات المتحدة من قبل الجانب الإيراني، مما استدعى رداً من قوات التحالف بقيادة واشنطن. الوضع في الشمال الغربي ليس أفضل حالاً، فإذا استثنينا الانفلات الأمني في مناطق سيطرة القاعدة والفصائل التابعة لتركيا، فالمناوشات مع قوات الحكومة السورية تكاد لا تنتهي، وقد شهدنا قبل أسابيع قليلة تحشيداً عسكرياً من قبل قوات النظام، وكان التوقع أن تندلع المواجهات ولكن قرار الحرب كما هو قرار السلم مرتبط بتوازنات إقليمية حتى النظام لا يستطيع تجاوزها. إذا اتجهنا إلى الجنوب فالوضع لا يقل تعقيداً وارتباكاً، فالحرب الاستخباراتية والهجمات الصاروخية والجوية بين إسرائيل وإيران قائمة على قدم وساق، والطرفان يسابقان الزمن، فطهران تريد تحويل سورية إلى قاعدة صاروخية لتوجيه الرسائل إلى تل أبيب وتتحول سورية إلى جنوب لبنان آخر، بينما إسرائيل تريد أن تجهض كل تلك المحاولات الإيرانية عبر الاستهداف المستمر لكل المواقع العسكرية. عملياً نحن أمام مسرح عمليات عسكرية هو الأوسع منذ حرب أكتوبر 1973، يمتد من تدمر شمالاً إلى درعا والقنيطرة جنوباً مروراً بريف حمص ومنطقة القلمون وريف دمشق ومحيط العاصمة بشكل مباشر، والعمليات العسكرية تكاد تصبح يومية ويتوقع أن تزداد عنفاً في الفترة القادمة، خصوصاً أن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن المشروع الإيراني في سورية متعثر ومعقد ولكنه يتقدم ببطء. مع هذا المشهد الكارثي من الناحية العسكرية والأمنية فإن الوضع الاقتصادي لا يقل كارثية، فهناك فئات واسعة من المجتمع السوري بدأت تلامس حدود المجاعة، مما جعل الأحاديث التي كانت تقال همساً في البيئة الحاضنة للنظام تتحول إلى أحاديث علنية منتقدة للحكومة وسياساتها.
المبادرة العربية والإجراءات التي اتخذتها الدول العربية كانت تهدف لوضع حد لمعاناة الشعب السوري، وكانت تمثل كوة في جدار الأزمة السورية الكثيف، ولكن هذه الكوة ضاقت إلى حد كبير وخصوصاً بعد الأحاديث الصحفية للرئيس السوري بشار الأسد، والتي جعلت المهمة العربية بغاية الصعوبة. نخشى أن الانسداد السياسي والاقتصادي الحاصل سوف يفتح المجال لفوضى أكبر وقد بدأنا بالفعل نلمح بوادرها.
*نقلاً عن “عكاظ”