سوريا: الانفتاح العربي متعثّر والحرب لم تُطوَ صفحتها بعد
علي حمادة
كل من اعتقد من المراقبين في وقت سابق أن الحرب السورية انتهت بقيام المحور العربي بالانفتاح على دمشق، والسماح بعودتها إلى الجامعة العربية، ارتكب خطأً كبيراً في قراءة المشهد السوري الشديد التعقيد. فالانفتاح على دمشق تحقق بحدود ضيقة لا تتعدى إطار الاتصالات الأمنية المستمرة، أو الاتصالات الدبلوماسية الخجولة. فقد تأخرت إعادة افتتاح السفارة السعودية في دمشق، فيما لم يبدر أي جهد حقيقي من جانب السلطات السورية للشروع بالوفاء بالالتزامات التي قدمتها إلى الدول العربية بناءً على مخرجات قمة جدة العربية في 19 أيار (مايو) الماضي، والاجتماعات الوزراية العربية التي سبقتها، أكان في جدة أو في عمان، وحفلت بجملة بنود مطلوبة من دمشق، كالمبادرة إلى تفعيل الآليات السياسية لحل شامل للأزمة السورية، ووضع خطة شاملة لإعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم، وحل معضلة تصنيع المخدرات على أنواعها وتهريبها من سوريا إلى العديد من الدول العربية. أما بند بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي، والحد من التمدد الإيراني، فقد ظل شأنه شأن البنود الأخرى حبراً على ورق، في وقت ظلت دمشق تراوح مكانها في المسار الاختباري.
لم يتغير شيء يُذكر سياسياً أو أمنياً في سوريا. فالاحتلالات متجذرة، وأهمها الإيراني الذي يكاد يتحول إلى جزء من النسيج الاجتماعي، والمذهبي، العقاري والديموغرافي في سوريا. لم يلتفت الأميركيون لحظة واحدة لتصريح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي “هدد” أميركا من طهران، قائلاً إن عليها أن تنسحب فوراً من سوريا قبل أن تُجبر على الانسحاب غداً! وفي هذا السياق، كل المؤشرات تدل إلى أن قاعدة التنف الأميركية على مثلث الحدود السورية – الأردنية – العراقية باقية وسوف يتم تعزيزها بقدرات جديدة، وبمزيد من القوات العسكرية الأميركية أو المحلية المتحالفة معها. في مكان آخر، لا تغيير يُذكر في التموضع التركي. فقد انتهى عصر “الغزل” الأردوغاني ما قبل الانتخابات التركية للرئيس السوري بشار الأسد، وحل مكانه عصر اللامبالاة حيال الأسد. والقوات التركية باقية في مواقعها ولا تبالي حتى بالموقف الروسي في مرحلة الصعوبات التي تمر بها موسكو في أوكرانيا. من ناحيتهم، فإن الإيرانيين يتمددون في كل مكان، إما مباشرة من خلال “فيلق القدس” و”الحرس الثوري” أو عبر ميليشياتهم المتعددة، وفي مقدمها “حزب الله” اللبناني. في هذا الوقت تحاول موسكو التعويض عن ضمورها في الميدان من خلال رفع منسوب الغارات الجوية التي تنفذها بضع طائرات روسية من قاعدة حميميم في منطقة الساحل، لكنها لا تقدم ولا تؤخر في موازين القوى الراهنة. وتبقى إسرائيل سيدة الأجواء السورية بلا منازع، تواصل توجيه الضربات المتلاحقة للجهوزية العسكرية الإيرانية في سوريا، ولخطوط إمداد الصواريخ الدقيقة التوجيه المخصصة لـ”حزب الله”. ولا يمر أسبوع من دون أن توجه تل أبيب ضربات جوية قاسية ودموية للجهوزية العسكرية الإيرانية في سوريا.
إذاً الحرب في سوريا لم تنته. والساحة السورية هي ساحة لتوجيه الرسائل، وتصفية بعض الحسابات الإقليمية. فيما لم تُرفع أي عقوبات أوروبية أو أميركية عن النظام، ولم يُترجم الانفتاح العربي بتدفقات مالية جدية، إلى حد ظل فيه الوضع المالي يتدهور يوماً بعد يوم من دون أن تلوح في الأفق أي إجراءات عملية من قبل دول تدعم النظام منذ البداية، مثل الجزائر وغيرها لدعم المالية العامة، أو قيمة النقد الوطني.
ما سبق يفيد بأن الوضع في سوريا لا يزال معلقاً، وأن الحلول مؤجلة، والحرب التي خبت نيرانها قبل عامين لم تُطوَ صفحتها بعد.
*نقلا عن النهار