أهم الأخبارمقالات

بشّار الأسد… إيراني أكثر من أيّ وقت!

 

خير الله خير الله

من المفيد التوقف عند المقابلة التي أجراها رئيس النظام السوري بشّار الأسد مع قناة “سكاي نيوز – العربيّة” أخيراً. لا تعود فائدة المقابلة إلى توقيتها، وهو توقيت اختاره الأسد الابن فحسب، بل تعود أيضاً إلى اعتماده الصراحة وحرصه على إيضاح أمور عدة. من بين هذه الأمور وجوده في عالم خاص به لا يعترف بما يدور في العالم والمنطقة وسوريا نفسها. يدلّ ذلك إلى جهل بما آلت إليه سوريا منذ تولى السلطة في مثل هذه الأيام من عام 2000.

لم يحصل تفتيت لسوريا فقط. سوريا تحت خمسة احتلالات بعدما كان فيها احتلال واحد في عام 2000، هو الاحتلال الإسرائيلي للجولان الذي بدأ في عام 1967. حصل أيضاً أنّ رهان بشّار صار محصوراً بنجاح إيران في الهيمنة على المنطقة، عبر ميليشياتها المختلفة، وتحولها إلى لاعب أساسي فيها.

يمكن للصفقة الإيرانيّة – الأميركيّة الأخيرة، التي شملت تبادل سجناء وسماح الإدارة الأميركيّة بالإفراج عن نحو ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المحتجزة في كوريا الجنوبيّة، تفسير مواقف رئيس النظام السوري، كما بدت من خلال المقابلة.

كانت المقابلة التي تكشف أنّ بشّار كان على علم بما يدور بين أميركا وإيران، بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على المبادرة العربية تجاه سوريا. قامت تلك المبادرة، التي مكّنته من حضور القمة العربيّة التي انعقدت في جدّة في أيّار – مايو الماضي، على مبدأ الخطوة مقابل الخطوة. في أساس المبادرة العربيّة، التي أدت إلى عودة النظام السوري إلى احتلال مقعد “الجمهوريّة العربيّة السوريّة” في جامعة الدول العربيّة، ثلاثة بنود أساسيّة. يدعو البند الأول إلى السماح بعودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم وأرضهم. يدعو البند الثاني إلى وقف تصنيع الكبتاغون وتهريبه مع السلاح إلى دول الخليج والأردن. يدعو البند الثالث إلى تسوية سياسية بما يتفق مع القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن أواخر عام 2015.

كان واضحاً، من وجهة نظر بشّار، أن تصنيع الكبتاغون لا يمكن أن يتوقّف. لا نية لإيقاف التصنيع والتهريب في ظل الوضع الاقتصادي السوري وضعف الدولة ووجود مناطق خارج سيطرتها. أراد القول للعرب: إمّا تدفعون ثمن ما نجنيه من المخدرات أو نغرقكم بها ونقتل أولادكم بالكبتاغون.

في موضوع عودة اللاجئين يرى، من خلال المقابلة، أن هذا الموضوع ورقه رابحة في يده للضغط على دول الجوار وحتى على أوروبا. لا عودة لهؤلاء إلى وطنهم، لا من لبنان ولا من الأردن ولا من تركيا بعدما دُمرت بيوتهم. من وجهة نظر رئيس النظام السوري، فإنّ التخلّص من اللاجئين يعني أن تدفعوا لي مبالغ كبيرة. بعد ذلك، أقرر من يعود وإلى أين يعود. إذا لم تدفعوا فاغرقوا بهم وسوف أرسل المزيد.

في موضوع التفاوض مع المعارضة السورية والقرار 2254، استخدم كلمة مهمة جداً وهي المعارضة “المصنعة”، فهو يرى أنه لا وجود لكيان معارض إلا إذا كان صنع يده. عندئذ، تصبح المعارضة مقبولة. المعارضات الأخرى صُنعت في الخارج. إذاً، هذه معارضة مجرّد جواسيس وخونة. إلى اليوم، لم يستطع بشّار فهم أن وجود المعارضة في أي بلد من بلدان العالم، أمر طبيعي، لم يفهم أنه من حق أي سوري أن يخالفه في الرأي سياسياً.

اختار بشّار المقابلة كي يوجه إهانات إلى الدول العربية ويصف العلاقات معها بـ”الشكلية”، ذلك أنّه كان مفروضاً أن تشارك الدول العربيّة، على غرار ما فعلت إيران في الحرب على الشعب السوري. هنا لم يستطع كبح غيظه من فشل الانفتاح العربي عليه وحنقه من تبخر ملايين الدولارات التي حلم بأن تأتي من دول الخليج لاسترضائه وطلب وده… بمجرد قبوله حضور قمّة جدّة.

تعمد الأسد الابن من خلال مقابلته إذلال الرئيس فلاديمير بوتين الذي ما انفك يطالبه بتحسين العلاقات مع تركيا تمهيداً للقاء مع الرئيس رجب طيب أردوغان. بدا واضحاً أنّ إيران تعارض حالياً أي تقارب بين النظام السوري وتركيا. إضافة إلى ذلك، ليس وارداً لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” امتلاك بشّار الأسد أي هامش للمناورة خارج استراتيجيتها. اكتفى رئيس النظام السوري بتوجيه نوع من الشكر للموقف الروسي، ولكن من دون الاستجابة لأي طلب من طلباته، خصوصاً في ما يتعلّق بتركيا.

هل رهان بشّار الأسد على إيران في محلّه؟ الأكيد أن الصفقة الإيرانيّة – الأميركيّة الأخيرة ستجعله يشعر بالنشوة. في النهاية رضخت إدارة جو بايدن لما تريده إيران، وقبلت الدخول معها في بازار يقوم على دفع فدية في مقابل إطلاق رهائن أميركيّين.

كان يمكن القول إنّ هذا الرهان في محلّه لو كانت هناك علاقة بين صراحة بشّار من جهة، والواقع من جهة أخرى. ظهر ذلك من خلال إصراره على أن لا فضل لوالده في وصوله إلى السلطة، علماً أنّ كلّ ما في الأمر أن حافظ الأسد فرضه وريثاً بعد فقدانه نجله الأكبر باسل. استفاق بشّار فجأة على حزب البعث ودوره في إيصال نفسه إلى موقع رئيس الجمهوريّة من خلال “النضال” في صفوف الحزب. نسي فضل والده عليه كلّياً!

الصراحة شيء والواقع شيء آخر. يقول الواقع إنّ بشّار الأسد قرّر أكثر من أي وقت أن يضع كلّ أوراقه في السلّة الإيرانيّة. إنّه إيرانيّ أكثر من أي وقت… وبعيد من العرب أكثر من أي وقت في الوقت ذاته.

*نقلاً عن “النهار”

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى