العدوان على غزة والهجوم على الخليج
سعد بن طفلة العجمي
للمثل الشعبي “رضاوة حمسان” قصة مضحكة مبكية، فيحكى أن رجلاً قتل آخر لخلاف تفاقم بينهما، فحلف ابن القتيل أن يأخذ ثأر أبيه من قاتله، وراح يعلن غضبه وحنقه وأغلظ أيمانه بأن يقتل قاتل أبيه مهما كلفه ذلك من ثمن، وراح يخطط ويتوعد بأن يجعل من قاتل أبيه أمثولة يتكلم بها العرب، وأن يجعل منه “شذر مذر” وألا يغادر هذه الدنيا قبل أن ينال من قاتل أبيه طال الزمن أو قصر.
ووصلت أخبار تهديداته ووعيده إلى القاتل الذي احتاط أشد الاحتياط، فكان لا يخرج ليلاً، ولا يخرج من بيته من دون سلاح ومرافقين لحمايته، مما جعل ابن القتيل يصاب بالإحباط والحنق والغضب، فقاتل أبيه حي يرزق، ولم يقدر أن يصل إليه على رغم أنه تربص به أكثر من مرة، ولاحقه مرات أكثر من دون أن ينجح في النيل منه، وأصبح الابن محل تندر وتهكم واستهزاء بين أهل القرية، وصار الناس يضربون المثل بوعوده وأيمانه وتهديداته مستهزئين به وبكلامه الذي أصبح كلاماً في الهواء. فما كان من ابن القاتل إلا أن ينتظر عند بيت القاتل عله يخرج فيقتله، فخرج جاره المجاور لبيته، فهاجمه الابن وقتله، على رغم أنه بريء لا ذنب له، فلم يقتل أباه ولم يحرض على قتله، بل على العكس، عمل كل ما في وسعه لردع جاره القاتل من ارتكاب جريمته من دون فائدة. فراح ثأر الابن من جار قاتل أبيه مثلاً “رضاوة حمسان”، أي إن الجريمة محاولة لإرضاء الغضب وإشباع الحنق لدى ابن القتيل الذي لم يستطع الأخذ بثأر أبيه.
مضى 20 يوماً على العدوان الوحشي على غزة، ووصل عدد القتلى من الفلسطينيين الأبرياء، حتى كتابة هذه السطور إلى نحو 7 آلاف قتيل وأكثر من 17 ألف جريح نصفهم من الأطفال والنساء. ولا يبدو في الأفق أن إسرائيل ستوقف عدوانها قريباً، إذ تتفاوت السيناريوهات وتتبدل المتغيرات الإقليمية ساعة بساعة مع استمرار القصف والحصار والقتل والتجويع وجرائم الحرب بأبشع صورها.
وسط هذا الركام، وبين جثث الضحايا وبين ثنايا عروق الجرحى، تعمل دول الخليج العربي ليل نهار من دون هوادة لتقديم المساعدات وتضميد الجراح، ومحاولة الضغط الدبلوماسي الدولي لوقف العدوان، وتوجه حكوماتها بتسيير جسور جوية من الغذاء والماء والدواء، من دون انتظار شكر ولا منة من أحد، تواصل دول الخليج الثبات عند مواقفها المبدئية بمساندة الحقوق الفلسطينية المشروعة وإدانة العدوان والتصدي له بكل وسيلة ممكنة.
في المقابل هناك معسكر “المقاومة” الذي تقوده إيران ومن يقف معهم من وسائل الإعلام المساندة، التي وجدت نفسها أسيرة “الحكي الكبير”، كما يقول أهل الشام، بالتهديد والوعيد وترسانتها من الصواريخ التي يمكن أن تصل إلى “ما وراء حيفا”، التي قتلت ملايين من شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهجرت من السوريين بسبع سنوات ضعفي من هجرتهم إسرائيل من الفلسطينيين على مدى 70 عاماً، وما زالت ميليشياتها الطائفية تغيب مئات الآلاف من العراقيين والسوريين المختلفين معها مذهبياً.
حرب غزة تطغى على اقتصاد قمة “الخليج – آسيان”
يصب معسكر “المقاومة” جام غضبه هذه الأيام على دول الخليج! وصار التهديد والوعيد بالاعتداء على الدول الخليجية والقواعد الأميركية فيها الموجودة باتفاقات مع دولها، كتهديد “ابن القتيل” بقصة المثل أعلاه، والقواعد الأميركية بالطنف بسوريا موجودة من دون إذن من الحكومة السورية، والمطارات السورية تتعرض للقصف المستمر والإخراج من الخدمة من دون أن تنطلق رصاصة واحدة على الجولان المحتل، أو المطار العسكري الإسرائيلي بهضبة الجولان البائن للعيان، لكن “أوريك سهيل، وتصدد عنه”، كما يقول المثل الشعبي!
وقاعدة “عين الأسد” الأميركية موجودة باتفاق مع حكومة السوداني بالعراق، لكن حكومة السوداني مرضي عنها بطهران، بالتالي “فعين الرضا عن كل عيب كليلة”.
عبر عن خيبة الأمل بمعسكر “المقاومة” رئيس المكتب السياسي السابق لحركة “حماس” وأحد مؤسسيها خالد مشعل، فناله ما ناله من التخوين والاتهام بالنضال “الفندقي” والمزايدة على “المقاومة” من أبواقها والمدافعين عن خذلانها للفلسطينيين، فلا هم شاركوا بالمعركة ولا هم يقدمون المساعدات الإنسانية للمنكوبين في غزة، ويصدق فيهم القول البدوي “لا يحذف، ولا يجمع حيود”.
كتب الباحث المنصف أحمد جهشان بصفحته على موقع “إكس” (تويتر سابقاً) نقاطاً حول علاقة الخليجيين بالقضية الفلسطينية لو أن خليجياً كتبها لقيل بانحيازه، وأقتبس:
“لم يحدث أن تآمرت أية دولة خليجية على فلسطين أو شعبها أو قياداتها أو تدخلت لدعم فصيل على حساب الآخر، حدث هذا من النظامين السوري والعراقي، وبعض الأنظمة الأخرى”. وأضاف “لم يتورط الخليج في أي دم فلسطيني أو دعم أي طرف سفك دماً فلسطينياً”، وتابع أن كل دول الطوق (سوريا ولبنان والأردن، باستثناء مصر) أوغلت في سفك دماء الفلسطينيين لأسباب مختلفة. وزاد دهشان بنقاط أخرى “منذ 1965 حتى 1991 أكثر من 80 في المئة من الأموال التي حصل عليها الفدائي لكي يقاتل ويناضل، والسلطة بعد أوسلو، واللاجئين في المخيمات، كان مصدرها خليجياً. كما لم يطلب الخليج ولا مرة واحدة من الفلسطيني أن يقاتل لأجله أو معه أو لصالحه في أي من معاركه أو صراعاته الخارجية”.
ويختم دهشان بمطالبته المثقفين الخليجيين والفلسطينيين بلعب دور لترميم العلاقة الفلسطينية – الخليجية مبني على المصارحة المكشوفة، وتغليب المصالح الأعلى على المصلحة الضيقة، فالموقف الفلسطيني بالوقوف مع أي طرف، وإن عادى وحارب دول الخليج، من أجل قضيته الفلسطينية، سيقابله موقف خليجي بالوقوف مع بلدانهم ومصالحها أولاً وقبل كل شيء.
الخليجيون يقفون بكل ما يستطيعون مع الحق الفلسطيني من دون انتظارهم “جزاء ولا شكوراً”، ولكن بعض الفلسطينيين يقفون بكل حماقة وانحياز مع حلف “المقاومة” الإيراني، ويرددون الخطاب المعادي نفسه لدول الخليج لعجزهم عن تنفيذ وعودهم وتبرير خرابهم الذي جلبوه للعراق وسوريا ولبنان باسم “المقاومة”، فكأنما يبحثون في دول الخليج عن “رضاوة حمسان”.