الإيرانيون ورِهاب الرقم 13
مصطفى فحص
ارتبط التشاؤم من رقم 13 أو ما يُعرف باللاتينية «ديكتروفوبيا» بالخرافة، التي جعلت المجتمعات والأفراد حتى في البلاد المتحضرة تخشاه وتتجنبه، فالاعتقاد بالنحس الذي يجلبه رقم 13 جاء في الموروث الاجتماعي والثقافي لدى حضارات قديمة ومعاصرة من سكان روما القديمة إلى القبائل الأوروبية مروراً بالولايات المتحدة حتى إيران، التي لم تنجح الثورة الإسلامية في تغيير عادات الإيرانيين في المناسبات التي تحمل رقم 13 (المرتبطة بالطقوس الاحتفالية التي يمارسها الشعب الإيراني بعيد النوروز – الربيع) رغم أنها فرضت تسمية جديدة له «يوم الطبيعة» إلا أن الإيرانيين لم يغيّروا طبيعة علاقتهم بالمناسبة والرقم.
ففي 13 «فروردين» أول أشهر السنة الإيرانية والمعروف بيوم «سيزده به در» يخرج الإيرانيون من بيوتهم من الصباح حتى المساء حتى يبعدوا النحس عنهم، وفي بعض المجتمعات الإيرانية الأكثر ميلاً إلى التعامل الخرافي مع هذه المناسبة، هناك من يعتقد أن في هذا التاريخ من الممكن أن تُهدم البيوت عليهم، كما أن بعضهم يتجنب السكن في الطابق 13 أو ركوب الطائرة أو الحافلة بتاريخ 13 وحتى الجلوس في مقعد يحمل هذا الرقم، والمفارقة أنهم يستعدون في 18 من شهر يونيو (حزيران) المقبل لانتخاب الرئيس رقم 13 للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ففي الردود على المشهد الانتخابي المُعلّب الذي هندسه مجلس صيانة الدستور، بدأت تعلو المواقف المتشائمة على لسان النخب السياسية والدينية والثقافية الإيرانية المستاءة من الطريقة التي فرضتها مؤسسة النظام في اختيار رئيس إيران الثالث عشر، وما قد يجلب هذا التصرف من «نحس» سياسي، لذلك عبّرت علانية عن رفضها لقرارات الإقصاء المدروسة التي مهّدت الطريق أمام شخصية معينة تحظى بثقة «بيت المرشد» للفوز بالمنصب من دون الاكتراث بموقف الناخبين واحتمالية المقاطعة الواسعة، حيث حسمت مؤسسة النظام خيارها وفضلت استثمار عملية الاختيار وليس الانتخاب، واختارت الانحياز إلى الشرعية الثورية في وجه المشروعية الشعبية.
بالنسبة إلى أغلب الإيرانيين فإن مؤسسة النظام الحاكمة قامت عبر المجلس الدستوري بتجاوز أهم المعايير التي فرضها مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني حتى تنال الاستحقاقات الانتخابية شرعيتها عبر صناديق الاقتراع، وذلك في قوله «إنّ رأي الناس هو الميزان»، وهذا يعني أنه ليس رأي مَن نصّبوا أنفسهم أهل الحلّ والعقد في المجلس الدستوري ومن خلفهم، لذلك حذرت شخصيات لها تاريخها في مؤسسات الثورة والدولة من مخاطر سياسية وشعبية قد تؤدي إلى زعزعة استقرار النظام، وتؤثر سلباً فيما تسميه منجزات الثورة، وهذا ما دفع الرئيس حسن روحاني إلى الطلب من المرشد التدخل لاحتواء قرارات الاستبعاد حفاظاً على مشروعية النظام في صناديق الاقتراع، ورأى روحاني في اجتماع مجلس الوزراء أن «جوهر الانتخابات هو المنافسة، إذا حذفتم ذلك تصبح (عملية الاقتراع) جثة هامدة».
جثة الانتخابات الهامدة والإقصاءات وتحجيم المنافسة لصالح مرشح معين أثارت حفيظة مسؤولين كبار، في مقدمتهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، إضافةً إلى المستبعدين رئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني، ونائب رئيس الجمهورية الحالي إسحاق جهانغيري، إضافة إلى آية الله صادق لاريجاني رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً، والنائب المستبعد من السباق الرئاسي علي مرتضى مطهري نجل أحد رفاق درب آية الله الخميني، وفائزة رفسنجاني، إلا أن الموقف الأكثر قسوة ضد النظام خرج من عائلة الخميني وعلى لسان ابنته الأستاذة في جامعة طهران زهراء مصطفوي الخميني، التي وصفت قرارات مجلس صيانة الدستور بالمزاجية و«لا يمكن تصديقه لرفض أهلية مسؤولي النظام، الذين بذلوا جهوداً منذ بداية الثورة وحتى الآن في خدمة الشعب والثورة». وأضافت أنه «لا نظام بمقدوره الصمود أمام المشكلات والمخاطر من دون الاعتماد على دعم الشعب وثقته».
في المحصلة فتحت هذه النخب باب التشاؤم على مصراعيه، وهي لا تعبّر فقط عن قلقها من تبخّر ما تبقى من تعددية ولو رمزية في طبيعته، بل إن قرار فرض طبيعة راديكالية محدودة التمثيل تشكل خطراً مباشراً على مستقبل النظام وتغذي احتمال مواجهة قاسية ما بين ما تبقى من الثورة وبين أبنائها، وأبناء أبنائها، وهذا ما قد يجعل من خرافة الرقم المنحوس أقرب إلى الواقع.
الشرق الأوسط