
الأحواز المحتلة: قرن من النزيف المستمر… هل يصغي العالم لصرخة شعبها؟
في العشرين من أبريل عام 1925، سُجلت في ذاكرة التاريخ مأساة كبرى تمثلت في اجتياح القوات الإيرانية بقيادة رضا شاه دولة الأحواز العربية، لتبدأ بذلك مرحلة مظلمة من الاحتلال والقمع والتهميش. لم يكن هذا الاجتياح مجرد حدث عابر، بل شكل لحظة مفصلية في مصير شعب عربي عريق له تاريخ ضارب في القدم، وهوية راسخة، وثروات طبيعية هائلة جعلت منه هدفًا دائمًا لأطماع الآخرين.
تقع الأحواز في منطقة استراتيجية من العالم العربي، تحدّها العراق من الغرب والخليج العربي من الجنوب، وتضم عددًا من المدن البارزة مثل الأحواز العاصمة، والمحمرة، وعبادان، والخفاجية، والتستر، والفلاحية، وموانئ هامة كأبو شهر، ومعشور، ولنجة، وجمبرون.
شعب الأحواز ينتمي إلى القومية العربية، يتحدث العربية، ويفتخر بتاريخ موثق وقبائل متجذرة في الأرض منذ ما قبل الاحتلال الإيراني.
قبل الاحتلال، كانت الأحواز تتمتع بحكم ذاتي تحت قيادة الأمير خزعل الكعبي. لكن هذا الوضع لم يدم طويلًا، إذ قامت القوات الفارسية بقيادة رضا خان – الذي سيُعرف لاحقًا برضا شاه – باعتقال الأمير خزعل ونفيه إلى طهران، حيث توفي في ظروف غامضة.
منذ ذلك الحين، بدأت مرحلة قمعية استهدفت هوية الشعب الأحوازي ووجوده، عبر سياسات منهجية من التفريس والتهميش.
لا يمكن الحديث عن الأحواز دون التطرق إلى أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية. فهذه الأرض الغنية تشكل مصدرًا لنحو 80% من النفط الإيراني، وتزخر بالغاز الطبيعي، وتربة زراعية خصبة، وأنهار كبرى مثل نهر كارون. كما أن موقعها الجغرافي المطل على الخليج العربي وقربها من العراق يمنحها أهمية استراتيجية كبرى، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية، ما يجعلها بوابة إيران إلى الخليج.
رغم هذه الثروات الهائلة، يعيش الشعب الأحوازي في فقر مدقع نتيجة لسياسات ممنهجة من قبل السلطات الإيرانية، تهدف إلى نهب مقدرات الإقليم دون أي استفادة تذكر للسكان الأصليين. يتم استنزاف النفط والغاز، بينما يُقصى العرب الأحوازيون من فرص العمل، لا سيما في شركات النفط، ويُمنعون من المشاركة في إدارة مواردهم.
إلى جانب ذلك، تم تحويل مجاري الأنهار إلى المناطق الفارسية، ما أدى إلى تدهور البيئة وتصحر الأراضي الزراعية، إضافة إلى تنفيذ مشاريع تهدف لتغيير التركيبة السكانية لصالح الفرس.
ورغم كل ذلك، لم تخمد جذوة النضال في صدور الأحوازيين. فمنذ اليوم الأول للاحتلال، بدأت شرارة المقاومة تتقد، لتتوالى الانتفاضات والثورات في الثلاثينيات، ثم انتفاضة المحمرة ومجزرة الأربعاء الأسود في عام 1979، وانتفاضات متلاحقة في أعوام 2005 و2011 و2021. وتنوعت أساليب المقاومة بين الكفاح المسلح، والمظاهرات، والعمل الثقافي، والنشاط الإعلامي في المنصات الدولية، ما يعكس إصرار هذا الشعب على الدفاع عن قضيته.
تعرض الأحوازيون، في مقابل مقاومتهم، إلى أبشع صور القمع والانتهاكات من قبل السلطات الإيرانية. فقد امتلأت السجون بآلاف المعتقلين السياسيين، وتم تنفيذ إعدامات جماعية بحق الشباب، إلى جانب استخدام أساليب تعذيب وحشية.
كما سعت السلطات إلى طمس الهوية العربية للأحواز، عبر منع تعليم اللغة العربية، وتغيير أسماء المدن إلى الفارسية، وملاحقة الأدباء والمثقفين والشعراء العرب. وإلى جانب القمع الثقافي والسياسي، تعاني الأحواز من إهمال متعمد في البنية التحتية، وانعدام الخدمات الأساسية، وشح المياه والكهرباء، وتفشي الفقر، فضلًا عن نشر المخدرات بين الشباب لإفسادهم وتدمير مستقبلهم.
قضية الأحواز اليوم لم تعد مجرد قضية احتلال، بل تحولت إلى صراع وجود لشعب يواجه محاولات مستمرة لمحو هويته وسلب أرضه وثرواته. وبعد مرور قرن على الاحتلال، لا تزال إرادة هذا الشعب صلبة، وصوته الحر يطالب بالحرية والاستقلال واستعادة الكرامة.
لقد آن الأوان أن يتحمل العالم مسؤوليته الأخلاقية والإنسانية تجاه هذه القضية، وأن يتحرك المجتمع الدولي والعربي لنصرة هذا الشعب الصامد، والاعتراف بحقه المشروع في تقرير مصيره، ورفع الظلم التاريخي الذي ما زال يثقل كاهله حتى اليوم.