أهم الأخبارمقالات

إيران وأوروبا… تغيير السلوك مقدم على العقوبات

حسن فحص

لا شك أن تحولاً حصل في الموقف الأوروبي وآليات تعامله مع #النظام_الإيراني على خلفية أزمة #المفاوضات_النووية، ومساعي إعادة إحياء اتفاق عام 2015، وأن النقطة المفصلية في هذا التحول جاءت نتيجة ما يثار حول تعاون إيران عسكرياً مع روسيا في حربها على أوكرانيا.

وإذا ما كانت الدول الأوروبية قد ذهبت إلى حدود اللعب على حافة الهاوية في علاقتها مع طهران، بعد تبني برلمان الاتحاد الأوروبي توصية بإدراج مؤسسة حرس الثورة الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية، إلا أن المستوى السياسي في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد فضل التروي وعدم اعتماد هذه التوصية إفساحاً للمجال أمام استمرار الحوار والتواصل مع طهران حول كثير من القضايا والأزمات المتشعبة والمتداخلة من النووي إلى الشرق الأوسط وصولاً إلى أوكرانيا.

وتهدئة اللعب على حافة الهاوية وما يمكن أن تنتهي له من إقفال كل منافذ الحوار والتفاوض الممكنة مع إيران، تأتي نتيجة قناعة أوروبية بناءً على كل التجارب السابقة في التعامل مع النظام الإيراني، التي أكدت الدور المحوري والأساس الذي تلعبه مؤسسة حرس الثورة إلى جانب المرشد الأعلى في رسم الخطوط الأساسية للسياسات الإيرانية، وأن الدبلوماسية وجهازها ليسا سوى أداة تنفيذية لهذه السياسات، سواء على مستوى المفاوضات النووية أو المواقف الإقليمية والسياسات الداخلية، وأن أي تغيير في نشاط هذه المؤسسة سينعكس إيجاباً على الهدف الاستراتيجي الذي يسعى إليه المجتمع الدولي بإحداث تحول في سلوك إيران.

الانتفاضة الإيرانية والتصعيد الذي اعتمدته علانية أو من خلف الكواليس في الحوارات التي جرت في الأيام الأخيرة بين منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، كشفت عن حجم الاستعداد الإيراني للذهاب إلى أعلى درجات التصعيد والمواجهة، من خلال التلويح بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل وإحداث خلل بالمعادلات الإقليمية الشرق أوسطية التي كانت تتجه إلى مستوى متقدم من التهدئة والتفاهمات غير المباشرة وغير المعلنة.

الدول الأوروبية التقطت الإشارة الإيرانية الواضحة بإمكانية التصعيد وعدم التجاوب مع الضغوط الغربية، بناءً على المواقف التي سمعتها، وأيضاً بناءً على التجارب الأميركية والضغوط التي مارستها والتي لم تصل إلى أهدافها بسهولة في التعامل مع إيران ولم تجبرها أو تدفعها إلى تغيير سلوكها السياسي والأمني، لذلك، فإن البحث عن الأساليب المؤثرة والإجراءات المنتجة تقدمت لدى المنظومة الأوروبية على المواقف السريعة وما فيها من أبعاد عاطفية تتعلق بعمليات القمع وانتهاك حقوق الإنسان الذي تمارسه المؤسسة العسكرية الإيرانية ضد المعترضين، بخاصة في الأشهر الأخيرة في الحراك الذي انطلق بعد مقتل الفتاة مهسا أميني.

وقد استطاع النظام الإيراني ابتزاز المخاوف الغربية والأوروبية تحديداً، على رغم الموقف الأوروبي المتشدد من تورط إيران بالدم الأوكراني واللعب في حديقة المصالح الاستراتيجية لدول الاتحاد بالدعم الذي تقدمه لروسيا، من خلال تأكيد صعوبة الوصول إلى أي نتائج باعتماد سياسة “القوة والمساومة” أو العقوبات والتهديد والحصار، بالتالي فإن ما في يد إيران من أوراق إقليمية ونووية تدفع باتجاه نوع من التسوية للحفاظ على قنوات التواصل والحوار.

الخطوة إلى الوراء التي لجأ إليها المستوى السياسي في الاتحاد الأوروبي وعدم السير بتوصية البرلمان بإدراج حرس الثورة على لائحة المنظمات الإرهابية قد يكون من باب تأجيل المواجهة مع النظام، بخاصة أن الحرب معه لن تكون سهلة وتداعياتها لن تقتصر على النظام فقط، بل ستتوسع لتشمل كثيراً من المناطق والدوائر، ولن يكون من السهل وضع نقطة نهاية لها في ظل التمدد الذي تملكه طهران في محيطها القريب والبعيد، وقد لا تؤدي الحرب إلى فرض تغيير في سلوك النظام داخلياً أو على صعيد الأنشطة النووية، بل قد تدفع به نحو مزيد من التشدد، بخاصة في ظل الاعتقاد الذي يملكه النظام بأن الحرب ستكون لصالحه حتى مع العجز عن تحقيق انتصار فيها.

وأمام إدراك الأوروبيين هذه الأبعاد فإن الانتقال السريع لاعتماد سياسة فرض العقوبات واستهداف المؤسسات الاقتصادية ومراكز القرار التي تتحكم بتوجهات وسياسات النظام كحرس الثورة والإعلام وغيرها، ومحاصرتها اقتصادياً وقانونياً وسياسياً تحت عناوين مختلفة كحقوق الإنسان والإرهاب، قد يشكل عاملاً فاعلاً في استراتيجية إلحاق الأذى بالنظام، وقد يدفعه إلى التفكير الجدي بتغيير سلوكياته وسياساته. وهذا ما دفع الدول الغربية إلى متابعة أنشطة هذه المؤسسات بشكل دقيق ومعرفة حجم دورها وتأثيرها في مختلف المستويات، خصوصاً على المستوى الاقتصادي بما يساعد في تسهيل عملية سد أو قطع طرق الالتفاف على العقوبات.

اللجوء إلى سلاح العقوبات لمحاصرة النظام الإيراني وإرباك استراتيجياته الداخلية والخارجية من خلال التضييق عليه وتجفيف مصادره المالية والاقتصادية قد يكون الأسهل في تحقيق إجماع دولي للتعاون معها، بخاصة إذا ما تم الاعتماد أو اللجوء إلى استخدام منطلقات تتعلق بتبييض الأموال في دعم المنظمات والجماعات المصنفة إرهابية وتشكل أذرع النفوذ الإيراني في المنطقة، والتركيز على انتهاكات حقوق الإنسان، بالتالي تساعد في استبعاد اللجوء إلى الخيار العسكري الذي يبقى في حال حصوله مفتوحاً على كثير من التطورات والتداعيات من خارج الحسابات التي أسهمت في فرضه علاجاً أو حلاً لمعضلة التعامل مع هذا النظام.

نقلاً عن “إندبندنت عربية”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى