إيران وأميركا… مفاوضات تحت الحراب
حسن فحص
قد لا يكون مستغرباً أن يؤكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن أروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها التي ستفتتح في الخامس من سبتمبر (أيلول) المقبل ستشهد محادثات مباشرة مع الدول الموقعة على الاتفاق النووي عام 2015 وغير مباشرة مع الولايات المتحدة بهدف إيجاد الآليات التي تساعد على إعادة إحياء هذا الاتفاق.
وقد يكون من المستغرب أيضاً ألا تضغط الإدارة الأميركية على النظام الإيراني وتجرّه إلى طاولة التفاوض، بخاصة بعد اتفاق تبادل السجناء مقابل الأرصدة المالية الإيرانية المجمدة في الخارج، لا سيما أن هذا الاتفاق يبدو في ظاهره لغير مصلحة الولايات المتحدة لأنها تبدو وكأنها قدمت تنازلات أمام النظام الإيراني عندما وافقت على عقد هذه الصفقة من دون أن يتضمن الاتفاق أي إشارة مباشرة وعلنية للبرنامج النووي وأنشطة تخصيب اليورانيوم أو الدور الإقليمي لإيران ونفوذها.
مهلة الشهرين التي وضعت كجدول زمني لتنفيذ اتفاق التبادل (السجناء مقابل الأرصدة) من المفترض أن تنتهي وتكتمل بالتزامن مع انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبالتالي فإن إجراء محادثات غير مباشرة بين إيران وأميركا من جهة، ومباشرة بين طهران وعواصم الدول الموقعة يبدو موعداً منطقياً لانتقال الطرفين إلى المرحلة الثانية التي لم تدرج أو تدون في النص المعلن لاتفاق التبادل والتي من المفترض أن تكون طهران مهدت لها بإجراءات عملية في خفض أنشطتها النووية والحد من تطوير عمليات تخصيب اليورانيوم وتجميدها عند السقف الذي وصلت إليه بمستوى 60 في المئة.
وفي وقت يبدو أن المحادثات الأميركية – العراقية التي جرت قبل أسابيع في واشنطن في إطار الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، انتهت إلى تفاهم واضح على تحييد الجغرافيا العراقية عن أي تصعيد من الممكن أن يحدث بين واشنطن وطهران إذا ما خرج التوتر بين الطرفين في مناطق شرق الفرات داخل الأراضي السورية عن السيطرة، كان الوفد العراقي برئاسة وزير الدفاع ثابت العباسي واضحاً في الطلب من قيادة “البنتاغون” ضرورة الفصل بين الساحة العراقية والساحة السورية وعدم الربط بينهما في أي تطور سلبي محتمل نتيجة التوتر بين واشنطن وطهران.
وفي هذه النقطة، تكاد قيادات القوى والأحزاب والفصائل العراقية القريبة أو الموالية لإيران تجمع على أن التحركات العسكرية الأميركية داخل العراق لا تخرج عن إطار عملية تبديل للقوات واستبدالها بقوات جديدة، وتؤكد في الوقت نفسه أن هذه التحركات داخل الأراضي السورية ترتبط بمشروع آخر قد يقترب من مواجهة بينها وحرس “الثورة الإسلامية” الإيراني وحلفائه في سوريا، في موقف وقراءة يوحيان أنها غير معنية بأي تطور سلبي قد يحصل هناك بعدما استطاعت تحييد الساحة العراقية عن دائرة المواجهة والتوتر.
وقد لا تكون القوى العراقية التي تسيطر على السلطة في العراق في تحالف إدارة الدولة تعمل بمفردها على تحييد الساحة العراقية، إذ يبدو أن الجانبين الإيراني والأميركي متفاهمان على هذا التحييد وأن يعمل كل طرف منهما على تنفيذ والسير بمشاريعه ومخططاته في العراق إلى الأمام، فمن ناحية العلاقة الأميركية – العراقية يفترض أن تشهد المرحلة المقبلة إعادة تعريف للعلاقة بين الطرفين في إطار الاتفاق الاستراتيجي والدفع نحو مزيد من التعاون والتشارك بحسب تعبير وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في لقائه مع نظيره العراقي مع الحرص على عدم إدخال أي تعديل على طبيعة القوات الأميركية العاملة في العراق وعديدها، وشكلت الدعوة التي وجهتها قيادة القوات الأميركية في العراق إلى قائد أركان القوات المسلحة لزيارة الجزء الأميركي من قاعدة “عين الأسد” وتشديد هذه القيادة على عدم تجاوز عديدها السقف المحدد بـ 2500 مستشار ومدرب وخبير، رسالة واضحة بعدم حصول أي تغيير في قواعد الاشتباك إذا جاز التعبير على الساحة العراقية.
في المقابل، وبعيداً مما يشهده الوضع العراقي من صراعات داخلية ارتفعت وتيرتها بين القوى السياسية مع اقتراب موعد انتخابات المحافظات المقررة في يناير (كانون الثاني) المقبل، إذا لم تؤجل، يعمل الحليف الإيراني لحكومة “الإطار التنسيقي” على الدفع لتنفيذ الاتفاقات والتفاهمات الأمنية الموقعة بينهما، بخاصة تلك المتعلقة بأنشطة ووجود الأحزاب الكردية – الإيرانية المعارضة في مناطق إقليم كردستان وضرورة نزع سلاحها وإخراج مقاتليها ومنع نشاطاتها السياسية والأمنية والعسكرية.
وفي ظل هذه المعادلات وفي ظل عودة العواصم المعنية بالاتفاق النووي للضغط على النظام الإيراني وجرّه إلى العودة لطاولة التفاوض، ودخول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خط هذه الضغوط بعد وزير الخارجية الصيني، بالطلب من إيران ممارسة مزيد من الشفافية في أنشطتها النووية وضرورة عودة جميع الأطراف للتفاوض، في ظل كل هذه المعطيات، هل يمكن أن تذهب الأمور إلى مواجهة عسكرية بين الأميركيين والإيرانيين في مناطق شرق الفرات داخل الأراضي السورية وسط ما تشهده هذه المنطقة من تحشيد أميركي وزيادة عديد قواتها بالتزامن مع دفع عدد من حاملات الطائرات والقطع البحرية مع 3000 مقاتل إلى مياه البحر الأحمر؟ وهل يمكن أن تبقى حدود هذه المواجهة مقتصرة على الساحة السورية أم ستتمدد لحرب واسعة ومتعددة الجبهات؟
من الواضح أن جميع الأطراف المعنية بهذه التطورات تتحدث عن الحرب بصيغة التشكيك، وفي الوقت نفسه تذهب إلى تصعيد مواقفها لمنع حصولها وتعمل في الوقت نفسه على تفعيل جهود الحلول والتفاهمات في كثير من الملفات، وما يعزز هذا الاعتقاد الزيارة التي يقوم بها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين إلى لبنان لتفعيل المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية، في حين أن عودة الحراك الشعبي ضد النظام السوري ربما تكون وظيفته مزيداً من الضغوط على نظام دمشق وحلفائه لتقديم التنازلات وكبح الاندفاعة العربية نحو دمشق التي تأتي في ظل عدم تجاوب النظام مع المطالب الدولية والهواجس العربية.