أهم الأخبارمقالات

إيران تبحث عن عدوّ خارجيّ لتُعلِّق على شمّاعته إخفاقاتها الداخلية

أطلقت إيران خلال الفترة الأخيرة سلسلة من الاتهامات في كل الاتجاهات لأطراف خارجية، تزعم أنها تقف وراء الاحتجاجات التي اندلعت فيها إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، بعد اعتقالها من قِبل ما يُسمَّى بشُرطة الأخلاق. كانت البداية مع أحزاب المعارضة الكردية، التي شنَّ الحرس الثوري هجمات صاروخية على معاقلها في شمال العراق. ومع استمرار الاحتجاجات لأكثر من شهر، وقع هجوم مسلَّح على مرقد دينيّ في شيراز، أعلن تنظيم داعش وقوفه وراءه، وهي الرواية التي لم يصدِّقها الإيرانيون أنفسهم، لاعتقادهم أن كشف السلطات المتواصل عن خلايا إرهابية تستهدف مؤسسات الدولة والشعب، كتنظيم داعش، ما هي إلا فزّاعة من قِبَل النظام الإيراني لترهيب الشعب، وممارسة قبضة أمنية قوية تمكِّنه من السيطرة على الاحتجاجات التي تشهدها إيران من وقتٍ إلى آخر. وكذلك كان للولايات المتحدة وإسرائيل نصيب من تلك الاتهامات بالتخطيط للأحداث التي شهدتها إيران، أما السعودية فقد نالت بدورها قسطًا وافرًا من الاتهامات والتهديدات على لسان كثير من المسؤولين، كقائد الحرس الثوري الذي هدَّد السعودية وطالبها بكبح جماح إعلامها، على خلفية تغطية بعض وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية، التي تزعم طهران أن الرياض تموِّلها وتسبَّبت في تحريض الشباب الإيراني على المشاركة في الاحتجاجات التي استمرَّت في إيران لأسابيع بعد مقتل مهسا أميني.

ينهل النظام الإيراني من الأدبيات التي ألِف ترديدها منذ أربعة عقود، إذ يعلِّق كل إخفاقاته على شمّاعة المؤامرة الخارجية، ويدير ظهره لفشله وإخفاقاته الداخلية، التي يدرك قبل غيره أنها الأسباب الحقيقية لما آلت إليه أوضاع البلاد من تذمُّر الإيرانيين من كل النواحي جرّاءَ القمع والاستبداد والقتل والإقصاء والتهميش، ناهيك عن الظروف المعيشية الصعبة التي أثقلت كاهل الشعب. فالعدوّ الحقيقي هو الفساد الذي انتشر بين المسؤولين الإيرانيين بأرقام خيالية، وهو أيضًا قمع الشعب وإسكاته وحرمانه من أبسط حقوقه. هذا العدوّ أنتج الملايين من العاطلين والمتشرِّدين ومدمني المخدّرات، وزرع اليأس والإحباط بين الشباب الإيراني، وأنفق مليارات الدولارت في مشاريع وهمية تخدم طموحاته الخارجية وتوسُّعه الإقليمي، لذلك سيحصد احتجاجات أوسع وأعنف، كمحصلة طبيعية لا عَلاقة للخارج بها، سواء السعودية أو غيرها.

المثير للسخرية هُنا أن قائد الحرس الثوري حسين سلامي يتّهِم الإعلام المموَّل سعوديًّا، حسب زعمه، بتحريض الشباب الإيراني ضد النظام، وفي نفس الوقت يتوعَّد السعودية بتهديد أمنها عبر الشباب الإيراني، متناسيًا أن هذا الشباب هو الذي بات يقود حركة الاحتجاج الواسعة ضد هذا النظام، الذي يشكِّل هو شخصيًّا أحد أركانه وأعمدته، ويهتف أولئك الشباب كل يوم بسقوطه وسقوط مرشده.

إنَّ تحوُّل الشباب إلى أيقونات للاحتجاجات، التي شهدها عديد من الدول الإقليمية خلال الأعوام الماضية، بات يؤرِّق قادة النظام بشكل متزايد من مصير مماثل، خصوصًا أن آلة القمع التي تعتمدها الأجهزة الأمنية والحرس الثوري، باعتبارها أداة لترهيب الشعب، فشلت حتى الآن في إخماد الاحتجاجات المتواصلة والمتصاعدة التي تشهدها إيران منذ سنوات. وهُنا نجد أن تهديدات سلامي للسعودية، التي اعترف فيها ضمنيًّا بتأثُّر الشباب الإيراني بالتغطيات الإعلامية، التي تمكَّنَت إلى حدٍّ كبير من توضيح حقيقة ما يجري في إيران، وحجم العنف والقمع اللذين يتعرَّض لهما شعبها، تكشف عن قلق هذا النظام من تحوُّل الشباب إلى رافعة لحراك احتجاجي أكبر يستهدف وجود النظام ويقتلعه من جذوره، على غرار ما حدث للشاه محمد رضا بهلوي في 1979م. وللحيلولة دون هذا السيناريو، يفترض أن تركِّز إيران على مشكلاتها الداخلية، وتعيد ترتيب عَلاقتها مع شعبها، من خلال إصلاحات جذرية شاملة لسياستها الداخلية والخارجية، حتى تُعيد الاستقرار إلى البلاد. لكنها بدلًا من ذلك تراهن على الكذبة التي أطلقتها بخصوص المؤامرة الخارجية وصدَّقتها، وتنتظر من شعبها أن يقتنع بها كذلك.

تأتي تهديدات سلامي وبقية المسؤولين الإيرانيين للسعودية فيما كان المشهد السياسي في المنطقة ينتظر حتى وقتٍ قريبٍ عقدَ الجولة السادسة من المحادثات بين طهران والرياض في بغداد، على أمل حل الخلافات العالقة، وعودة الاستقرار إلى المنطقة مع عودة العَلاقات السياسية بين البلدين إلى حالتها الطبيعية. لكن في ظل هذه اللهجة العدائية ضد السعودية، يبدو أن طهران تُصِرّ على بقاء عَلاقاتها مع الرياض في مربع التأزيم، ومن الوارد جدًّا أن تعمل على تصدير أزماتها الداخلية، عبر افتعال بعض التوتُّرات في محيطها الإقليمي، عن طريق تحريك وكلائها، لا عبر المواجهة المباشرة مع السعودية، لعلمها التام بخطورة هذا الخيار الأخير وانعكاساته المستقبلية على النظام الإيراني.

نقلا عن عرب نيوز 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى