إذا انفجرت في كردستان… إيران إلى أين؟
وليد فارس
إذ تتطور الاحتجاجات في أنحاء إيران تتركز الأنظار على محافظة كردستان في المنطقة الغربية للجمهورية الإسلامية، حيث تتطور الأحداث، وتتوالى الصدامات يوماً بعد يوم. وتأتي الأسئلة تباعاً، لماذا تشتعل الأمور بشكل أسرع وأكثر في هذه المحافظة من غيرها؟ لماذا يخشى النظام التصعيد في كردستان أكثر منه في محافظات أخرى؟ وأخيراً، ما سيناريوهات التصعيد وما تأثيرها على باقي المحافظات وعلى ما بات يشبه الثورة في هذه المرحلة؟ وطبعاً ما موقف واشنطن منها؟
صراعات تاريخية
كما في سائر دول المنطقة، حيث يشكل الأكراد أقلية إثنية مقيمة في بقعة جغرافية متكاملة، كما في تركيا والعراق وسوريا، حدثت تطورات تاريخية، وأحياناً صدامات ميدانية، بين حركات هذه المجتمعات القومية والحكومات المركزية. وقد انفجرت أزمات سلطة وأزمات تعايش في الدول الأربع، حيث يعيش الأكراد بما في ذلك في إيران نفسها. في تركيا، اصطدمت الحركة القومية الكردية مع مثيلتها الحركة القومية التركية بعد انهيار السلطنة العثمانية وقيام الدولة الحديثة الكمالية على أساس خلاف على هوية الدولة الوطنية. وأطلق حزب العمال الكردستاني، الشيوعي (PKK) سلسلة هجمات على أهداف داخل تركيا وخارجها لعقود. وهذه المواجهة لم تنتهِ حتى الآن. في العراق، الصراع بين أكراد الشمال ونظام البعث امتد لعقود، والتجاذبات استمرت بعد سقوط صدام حسين بعد 2003. أما في سوريا فالمعادلة نفسها كانت قائمة بين أكراد الشمال الشرقي للبلاد، لا سيما في الحسكة، والبعث في دمشق، إلا أن الثورة السورية في 2011 وفرت فرصة لهذه المجموعة لتقيم منطقة ذاتية خارج سلطة نظام بشار الأسد. أما أخيراً في إيران نفسها فجذور الصراع بين أكراد البلاد في الغرب والسلطة في طهران هو أيضاً قديم، وكانت له فصول منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وتجسدت الحركة الاستقلالية الكردية في أوجها خلال تجربة “جمهورية مهاباد” التي حصلت على اعتراف ودعم سوفياتي مؤقت طيلة عام 1946 قبل سقوطها، ولكن نضالاً جديداً انفجر مجدداً بعد استيلاء الخمينيين على الدولة في 1979.
قمع وحرمان
تحت سلطة الملالي عانى المجتمع الكردي في إيران ما عانته المجتمعات الأخرى من فارسية وعربية وآذرية وبلوشية وغيرها من قمع وحرمان وإبعاد عن قدرة النمو الاقتصادي والاجتماعي. وقد قامت القوات الخمينية منذ 1979، وطيلة الحرب مع صدام بهجمات عسكرية على مناطق الأكراد، لا سيما في سنندج ومهاباد لإنهاء حركة الاستقلال الذاتي. وعلى رغم إنهاء الحركة الاستقلالية الكردية في السنوات الأولى لحكم “ولاية الفقيه” فإن التيارات المناهضة للنظام نمت وتطورت في المقاطعة في موازاة الموجات الثورية للمعارضة في جميع أنحاء البلاد. وقد انقسمت المعارضة الكردية إلى عدة تيارات، أبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب كردستان الحر. وأيضاً شاركت الحركات الشبابية الكردية في مختلف الاحتجاجات ضد السلطة، مروراً بمظاهرات 1999 و2009 وانتفاضة 2019. وفي تلك الأخيرة كانت المسيرات في منطقة كردستان الأكبر حجماً والأكثر قمعاً وعنفاً، مما خلف توتراً كبيراً بين النظام وكردستان العراق حتى انفجار انتفاضة مهسا أميني. ومع بدء التظاهرات في سنندج والبلدات الأخرى هذا الخريف، وصولاً إلى مهاباد، يبدو أن النظام ينوي مهاجمة المنطقة والسيطرة عسكرياً وأمنياً عليها خلال مجابهة ثورة 2022 المرشحة أن تمتد إلى 2023.
أسباب استهداف كردستان
بات واضحاً أن القيادة الإيرانية عملت على استهداف المناطق الكردية داخل الجمهورية الإيرانية وخارجها منذ أوائل الاحتجاجات في سبتمبر (أيلول) الماضي. فمنذ المسيرات المحلية بعد مقتل مهسا أميني نشرت قوات الباسيج والباسدران قوات إضافية في المدن الكردية، مما زاد التوتر. وقامت قوات الحرس الثوري بقصف مناطق ضمن كردستان العراق، وهي الآن تقوم باقتحام سنندج ومهاباد على رغم تصعيد الاحتجاجات. ويبدو أن أسباب اقتحام الإقليم و”احتلاله” عملياً وتصعيد استهداف شمال العراق ضد السليمانية وأربيل تتلخص كما يلي:
1. يخشى النظام أن تتوسع الاحتجاجات في المنطقة الكردية، فتستفيد هذه الأخيرة من شل البلاد، وتصعيد الانتفاضة في عموم إيران، لتعلن “سلطة شعبية” في الإقليم، تمهيداً لإعلان الاستقلال الذاتي، كما في كردستان العراق.
2. كما يخشى النظام أن يتبع إقليم الأهواز خطوة كردستان، وهو ملاصق بالمنطقة الكردية، فيخرج الإقليمان معاً عن سلطة الجمهورية الإسلامية، مما قد يجبر إقليم أذربيجان أن يقوم بالمثل، وهو أيضاً ملاصق لشمال إقليم كردستان إيران. موجة كهذه قد تسلخ جزءاً كبيراً من البلاد عن النظام وتبقي خامنئي ضعيفاً أمام الثورة الإيرانية الفارسية في المدن.
3. طهران قلقة من العمق الكردي داخل العراق، حيث إن المناطق الكردية في البلدين لها حدوداً مشتركة لمئات الكيلومترات. وتخشى سلطة الملالي أن تستعمل “قوى أجنبية” في أربيل والسليمانية لتمرير الدعم اللوجيستي لمهاباد وسنندج.
4. أخيراً، ترى طهرن أن الشباب الإيراني الجديد هو متضامن عبر القوميات والطوئف والأجناس. وتبين ذلك عندما شارك الآلاف من الشباب الإيراني من كل المناطق ومن طهران في مأتم مهسا أميني في كردستان، والتواصل التنظيمي بين كل “شعوب” الجمهورية.
الموقف الغربي
إذا قامت القوات الإيرانية باحتلال محافظة كردستان وانزلقت لتجتاح المحافظات الأخرى المحاذية، وإذا توغلت في عمليات القصف داخل العراق، قد تفجر حرباً إقليمية وتؤدي إلى مقاومات عسكرية داخلية قاسية. الجميع يعلم أن إدارة جو بايدن لا تبغي الانزلاق في مجابهة عسكرية مع إيران، ولكن انزلاق طهران عبر “كردستانها” بوحول غزوات خارجية ومجابهات داخلية قد تأتي بـ”الدب إلى كرمها”.
فالحرب الخمينية على كردستان إيران قد تبدأ كما تشتهي طهران، ولكنها قد لا تنتهي كما يريد الملالي.
اندبندنت عربية