أمیر شهداء الأحواز.. الذكرى 85 لاغتيال الشیخ خزعل الكعبی
في تاريخ الأمم رجال لا يمكن أن تنساهم، فهم ضحوا وناضلوا بحياتهم وملكهم من أجل حرية شعبتهم وأبناء دولتهم، ويعد الأمير الشيخ خزعل من هؤلاء الرجال الذين ناضلوا وضحوا بحياتهم وملكهم من أجل حرية الشعب العربي الاحوازي.
يصادف اليوم الاثنين ٢٤ مايو الذكرى ٨٥ لاغتيال امير دولة الاحواز العربية الشيخ خزعل بن جابر ال مرداو الكعبي ؛ حيث انه في مثل هذا اليوم اوعز المقبور رضا بهلوي شاه ايران الى جهاز مخابراته بتنفيذ خطة لاغتيال الأمير خزعل، وقد كشفت هذه المؤامرة عدوانية الفرس لكل ما هو يرمز لعروبة الاحواز و على رأسها أميرها العروبي الذي وقف مع ثورة العشرين العراقية المباركة، وأيضا وقف مع الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود في توحيد أرض المملكة العربية السعودية .
الأمير خزعل الكعبي (24 يونيو 1861 – 24 مايو 1936)، أمير دولة الأحواز العربية ويلقب بأمير المحمرة هو الابن الخامس للشيخ جابر بن مرداو أمير الاحواز الثالث وامه نوره بنت الشيخ طلال العلوان رئيس قبيلة الباوية، ولد في قرية كوت الزين في قضاء أبو الخصيب في جنوب البصرة، أستلم الحكم بعد مقتل أخيه مزعل بن جابر الكعبي عام 1897، يعتبر من أهم المؤثرين في منطقة الخليج العربي أثناء حكمه ولُقب بشيخ مشايخ الخليج.
معز السلطنة وأمير المحمرة الشيخ خزعل بن جابر الكعبي، حاكم المحمرة خلال الفترة من ( 1897 – 1925 )، لعبت عائله بني كعب دورا هاما متميزا في منطقة الأحواز ، والتي كانت تطمح العائلة في تأسيس دولة عربية على الشاطئ الشرقي للخليج العربي، بعدما أعاد الأمير خزعل الهيبة إلى الأحواز، فقد كان طوال فترة حكمه (١٨٩٧-١٩٢٥) واحدًا من أهم الشخصيات السياسية في الخليج العربي، ومؤيدًا بارزًا لوجود البريطانيين في المنطقة.
وكان الشيخ خزعل، له ارتباطات قوية مع حكام الخليج وتحديدا مع حكام البحرين والأمير عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية وكان الصديق الشخصي المقرب من أمراء الكويت الراحلين الشيخ مبارك الصباح والشيخ جابر الثاني والشيخ سالم المبارك والشيخ أحمد الجابر، وكان صديقا للملكية العراقية آنذاك.
كذلك كان الشيخ خزعل، ندا قويا وشرسا للإمبراطورية الإيرانية والتي كان تعرف بالدولة القاجارية وهي مملكة أسسها القاجاريون عاصمتها طهران حتى أطاح رضا بهلوي بأخر الحكام القاجاريين عام 1925 مؤسسا لنفسه الدولة البهلوية.
طموحات واحلام الأمير خزعل وايضا علاقاته بمشايخ الخليج، كانت تثير قلق الانجليز والفرس، حيث وجود دولة عربية على الشاطئ الشرقي للخليج العربي مايؤدي الى خسارة الانجليز لورقة الصراعات وبقاء نفوذها في الاقليم، وايضا لان اقليم الاحواز غني بالنفط والثروات، خشيت من تأسيس دولة عربية قوية تكون نواة لوحدة حكام العرب في الخليج والعراق، لذلك سعت إلى انهاء الدولة العربية في الأحواز عبر خطط “غدر” من قبل الانجليز والفرس بعد الاطاحة بالدولة القاجارية واستلام رضا بهلوي الحليف القوي للانجليز مقاليد الحكم في طهران واسقاط حكم الدولة القجارية ، فسعى رضا بهلوي عبر صفقات مع الامبراطورية البريطانية للسيطرة على الامارة العربية في الأحواز.
ومع استلام رضا خان (رضا شاه من ديسمبر ١٩٢٥ فما بعد) لمقاليد الأمور وانهيار الإمبراطورية القاجارية، وجد الشيخ خزعل نفسه تحت ضغوطٍ متزايدة. فمنهج التحديث ومركزة السلطة الذي اتبعته الحكومة الجديدة في طهران ما كان ليتقبل استمرار المحمرة بوضعٍ شبه مستقل.
وكان الشيخ خزعل بإقليمه الغني يتحكم بـ30% من أسهم الشركة البريطانية بريتيش بتروليوم ( bp :Britis Petroleum ) التي تأسست عام 1908م للتنقيب عن النفط في إيران ومن ثم ليبيا وكان اسمها آنذاك شركة النفط ( الأنجلو – إيرانية ) حتى عام 1945م، ولكن الغدر البريطاني سعى للسيطرة على اقليم الاحواز الغني بالنفط وايضا اسقاط اسهم الامير في الشركة البريطانية، فوجدت ضالتها في حاكم طهران الجديد رضا بهلوي.
ومن هنا بدأت المؤامرة الفارسية البريطانية ضد حكم شيخ مشايخ الخليج وأمير المحمرة، فقد سعت وخططت القيادة الفارسية لإنهاء الحضور السـياسـي العربي في الأحواز والقضاء على الحكم العربي، وإلحاق كل المجتمع الأحوازي بالحكومـة الفارسية وطبعا بدعم من بريطانيا وبمباركة منها.
كان الغدر الفارسي الوسيلة المناسبة والمتاحة للسيطرة على الإمارة الأحوازية وعلى شـاكلة التآمر في القصور لاِسـتلام الحكم جرى تنفيذ عملية أَسْـر الشيخ خزعل، فتم تكليف الجنرال زاهدي كحاكم عسكري على الأحواز، والذي ساهم في مخطط الغدر بدعم من بريطانيا، عبر مسرحية تركه وجنوده للمحمرة أي مغادرتهم لتلك المدينة ومن ثم الأحواز كلها وضرورة وداع الأمير خزعل له، عبر حفلةَ الوداع في مسـاء يوم الاِثنين 25 رمضان 1343هـ الموافق 18 أبريل 1925م.
وكان دور بريطانيا في خطة الغدر بأمير الاحواز، عبر ارسال معتمديها للمشاركة في حفل الامير خزعل لوداع الجنرال الفارسي زاهـدي، كنوع من الغطاء وطمأنة الأمير خزعل الكعبي.
وفي صورة ملفته تدفق الجنود الفرس الغزاة للعاصمة المحمرة بذريعة أنَّ لديهم أوامر عسـكرية يريدون إبلاغها للجنرال زاهدي، ولكنهم بدلاً من ذلك طـوقـوا مرافقي الأمير وجردوهم من أسـلحتهم عنوة وأسـروا الشيخ والأمير خزعل وتم نقله إلى العاصمة طهران.
خطة الغدر الفارسي البريطاني لم تنته عند خطف الامير خزعل، بل تم أُسر الشيخ خزعل ونقله الى سجن في طهران، بدعوى وضعه تحت الحماية الجبرية، ولكن هذه الحماية لم تكن الا جزء من مخطط قتل الحلم الأحوزاي في الاستقلال وتأسيس الدولة العربية على الشاطئ الشرقي للخليج العربي.
وفي ٢٤ مايو 1937، تم تنفيذ عملية الغدر بقتل الأمير خزعل، داخل قصره في طهران، ليبدأ النضال العربي ضد الاحتلال الفارسي يأخذ منحى أخر.
المؤامرة الفارسية البريطانية ضد الشيخ خزعل الكعبي ، أكدها الكاتب الفارسي (اقبال حكيميون) في دراسة له، قائلا إن قصة أسر الشيخ خزعل الكعبي تمت بتآمر بريطاني إيراني وتم نقله إلى طهران و من ثم قتله بواسطة عميل لجهاز الأمن (السافاك) يدعى عباس بختياري.
وذكر الكاتب أن بريطانيا كانت تريد أن يصبح نظام الحكم في إيران متمركزاً في طهران حتى يصبح قوياً، فلذلك سعت إلى اعتقال الشيخ خزعل و تسليمه لرضا شاه، حيث نقل بحراسة تامة إلى طهران و حتى أصبح في يد ما تسمى دائرة الأمن السياسي آنذاك.
وذكر الكاتب الفارسي أن (عباس بختياري) اعترف في المحكمة وقال بأمر من (ركن الدين مختار) استطعت أنا ومجموعة أخرى من بينهم شخص يدعى (عبدالله مقدادي) الدخول إلى غرفة نوم الشيخ خزعل حيث قام احد عناصر الأمن بخنقه و قام عنصر آخر يدعى (حسنقلي فرشجي) بضرب الشيخ على رأسه بآلة حديدية، وفقد وعيه على إثرها، وتوقف تنفسه، وتساقطت من جبهته قطرات من الدم على غطاء السرير، لكن (حسنقلي فرشجي) سحب الغطاء وأخذه معه ليرميه خارج البيت و بعد الانتهاء من المهمة خرجنا من هناك.
بعد اغتيال الأمير خزعل، من قبل النظام البهلوي، لم تقبل الدولة الفارسية تسليم جثته إلى أبناء الشعب الأحوازي في المحمرة، حيث بقى مدفون في طهران لمدة عشر سنوات، ثم نقل جثمان الأمير خزعل إلى العراق ودفن في النجف في 1947.
بعد اغتيال الأمير خزعل، بدأت حرب المطاردات العنيفة والشرسة من قبل الاحتلال الفارسي، فقتل كل أبناء الشيخ خزعل ومطاردة أقرباؤه من الدرجة الأولى والثانية والثالثة نساء ورجال وأطفال، ومنهم من قتل ومنهم من أسر ومنهم من فر إلى العراق والكويت وغيرها.
كذلك بادر نظام رضا شاه ، الى شن عمليات تفريس وتغيير ديمغرافي في الأراضي العربية لأحوازية، عبر حظر ارتداء الزي العربي وكذلك منع التحدث باللغة العربية، وأيضا منع الاسماء العربية وتغيير اسماء المدن العربية الأحوازية في محاولة لطمس كل التاريخ والهوية العربية في الاحواز.
ولكن مازال أحفاد الأمير خزعل والشعب الأحوازي يسيرون على طريق نضاله، في تأسيس دولة عربية في الأحواز، ومقاومة كل اساليب الاحتلال الفارسي سواء خلال العهد البهلوي او الديني القمعي الذي أسسه الإرهابي الخميني.
ذكرى استشهاد الامير خزعل تبقى شعلة وضاءة في سماء الاحواز حتى التحرر من الاحتلال الفارسي القمعي العنصري، للأحواز وتحرير الشعب العربي الأحوازي من هذا الاحتلال، واستعادة الدولة الاحوازية التي تشكل ركيزة اساسية في الأمن القومي العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص، لذلك يعول الشعب الأحوازي في دعم أشقائه في الخليج والدول العربية، من أجل استعادة الدولة العربية في الأحواز، لتكون خير تكريم لنضال وتضحيات الأمير خزعل والشعب العربي الأحوازي.