مقالات

هل ستتعلم إيران من مصير وكلائها؟

فاروق يوسف

في الوقت الذي يعلن فيه السفير الإيراني في بغداد عن أن جولة خامسة من المفاوضات ستُعقد في بغداد بين بلاده والسعودية، تقوم جماعة مسلحة مجهولة الهوية (حسب بيانها) بإطلاق طائرات مسيرة في اتجاه العاصمة الإماراتية أبوظبي.

ذلك سلوك عُرفت به إيران. فهي تقول شيئا وتفعل ما يناقضه تماما. لغتها في المفاوضات هي غير لغتها في الواقع. أكانت أوروبا حائرة حقا في ما يتعلق بتفسير وفهم تلك الازدواجية؟ في الحيرة الأوروبية قدر لافت من المبالغة. ذلك لأن أكثر من أربعين سنة هي عمر نظام الملالي أثبتت أن ذلك النظام يفعل ما يراه مناسبا له بغض النظر عما يلحقه ذلك الفعل من أضرار بالآخرين.

وهو يقوم بذلك في اللحظة التي يشعر فيها أن رد فعل الآخرين لن يكون قويا وأن هناك نوعا من التردد مصدره رغبة الآخرين في أن يتفادوا حربا ليست ضرورية ولا تتحملها المنطقة.

أما لو شعر النظام الإيراني أن الرد سيكون صاعقا وعنيفا فإنه يتحاشى القيام بأي فعل استفزازي كما هو الحال مع إسرائيل. فإيران بالرغم مما تتعرض له قواعدها في سوريا من ضربات إسرائيلية فإنها لم تقم بشيء ما يمكن أن يشكل استفزازا لإسرائيل. تركت الأمر لبلاغة الأسد “الرد المناسب في الوقت المناسب” وهو ما يعني أن شيئا ما لن يحدث.

أما وكلاء إيران فإنهم تفرغوا لحروبها الأخرى فصارت تصرفاتهم العدوانية تجسيدا لسلوكها المزدوج. فلا يمكن عزل مفاوضاتها مع السعودية التي هي ليست مفاوضات فك اشتباك، بل هي مفاوضات سياسية بالدرجة الأولى عن الحرب التي تشنها على دولة الإمارات من الجنوب حيث الحوثيون ومن الشمال حيث الميليشيات العراقية التابعة لحرسها الثوري. الإمارات هي شريك استراتيجي للسعودية، وأمن البلدين لا يمكن سوى أن يكون واحدا.

فهل الطائرات الإيرانية المسيرة التي وجهت إلى الإمارات هي رسالة إلى السعودية وهي جزء من المفاوضات؟ تلك فكرة تنبعث من عقل عبثي تخريبي مريض لا يرى مستقبلا لأيّ علاقة يمكن أن تُقام مع إيران وهي دولة حرب دائمة ليس من الضروري معرفة أسبابها أما أهدافها فواضحة. نشر الذعر في المنطقة من أجل الإبقاء على حالة الاستقرار التي من شأنها أن تعزز نفوذها في الدول التي استطاعت أن تملأ الفراغ الذي نتج عن انهيار المفاهيم الوطنية فيها.

تريد إيران أن تضغط على السعودية من خلال حرب غير مباشرة تشنها عن طريق وكلائها على دولة الإمارات. وهي في الوقت نفسه تسعى للضغط على الولايات المتحدة في محادثات فيينا وذلك من خلال إشعارها بأن مصالحها القريبة مهددة بالاستهداف منذ صارت تحت نار الميليشيات. من المؤكد أن الغباء الإيراني في فهم العالم هو الذي يدفع دولة الملالي إلى المجازفة معتقدة أن العالم لا يحملها مسؤولية تصرفات وكلائها العدوانية.

ليس مهماً من أين تنطلق الصواريخ والمسيرات الإيرانية لتستهدف هذه الدولة العربية أو تلك. فالعراق على سبيل المثال ليس في حالة حرب مع الإمارات. وجود حكومة ضعيفة فيه لا يفسر قيام جماعة مسلحة بقصف الإمارات.

فلو لم تزود إيران تلك الجماعة بالأسلحة التي تستهدف بها الإمارات لما استطاعت تلك الجماعة أن ترتكب جريمتها، كما السؤال عن هدف تلك الجريمة يمكن العثور على جوابه في طهران وليس في بغداد. فالحكومة العراقية لم تعلق بشيء وهذا دليل قوي على أن المسألة تتجاوزها لتكون جزءا من حرب إيران على الآخرين وهي لا تقوى على أن تقول رأيها بتلك الحرب.

وكلاء إيران هم واجهتها في الخارج. يحاربون بدلا منها. الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان وسوريا والحشد الشعبي في العراق. هل يمكن القبول باتفاق نووي لا يشمل الوكلاء ويترك يد إيران قادرة على العبث بمصائر الشعوب؟ ذلك سؤال موجه إلى المجتمع الدولي وليس إلى الولايات المتحدة وحدها.

ولكن هناك هامش لحيوية وإرادة الشعوب وهو هامش لن تتمكن إيران من تضييقه أو اللعب به أو تشويه نتائج فاعليته. فالوقائع تقول إن الحشد الشعبي يعيش اليوم مرحلة أفوله وانهيار مكانته الشعبية وفقدانه لنفوذه أما حزب الله فإنه صنع أزمة هي أكبر منه ولن ينجو من تداعياتها.

هذا في الوقت الذي يفقد فيه الحوثيون المبادرة في جبهات عديدة وسيكون من الصعب عليهم الاستمرار في قصف أراضي المملكة أو توجيه المسيرات إلى الإمارات في ظل التهديد بإعادتهم إلى حظيرة الجماعات الإرهابية.

ألا يعني ذلك أن سلوك إيران المزدوج قد انتهى إلى طريق مسدودة؟

لن تعيد إيران النظر في سياستها. لذلك فإن حربها على الآخرين لن تستمر بالوكالة، بل سيكون عليها أن تواجه وضعا استثنائيا سيحرمها من الحركة.

العرب اللندنية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى