أهم الأخبارمقالات

هل تحرك طهران جيش “الووك” في أميركا؟

 

وليد فارس

ظهرت أول ملامح التعامل بين يسار ما بعد الاتحاد السوفياتي والكيان الخميني بعد احتلال العراق

كتبنا سابقاً أن شبكات الراديكاليين لليسار الجديد في أميركا، الذين يعرفون بـ”ووك” Woke وتضم أنتيفا وBlack Lives Matters وغيرهما، تتغذى من أشلاء التنظيم الدولي لـ”الكومنترن”، أي الشيوعية الدولية التي تم “شراؤها” من قبل إيران، وباتت قوة تعرف بين الخبراء الغربيين كالمحور الأحمر – الأخضر، أي الماركسيين الذين أعادوا تفسير الإسلاميين عبر الديالكتية الماركسية.

بكلام آخر، الخمينية خطفت عقل اليسار الراديكالي القديم وأنجبت “النخبة الووكية” المنتشرة في جامعات أميركا، وأغدقت عليها بما تحتاج إليه لتتحول إلى قوة عقائدية سياسية تشارك اليسار التقليدي في مواجهته مع المحافظين، ولكنه يتمتع بمساحة خاصة للتحرك في ملفات يدفعها النظام الخميني وإلى حد ما شبكات الإخوان.

وأخيراً يشاهد الجمهور الأميركي عبر شاشات التلفزة “انتفاضات” على الطريقة الشرقية لم يعهدها من قبل، وبدأ يعبر عن قلقه لظاهرة يصفها باللا-أميركية (UnAmericain)، أي شعارات عنيفة تهتف في المعاهد من قبل من يحمل علمي “حماس” و”حزب الله” ومن بينها “الموت لأميركا”، وهو شعار لم ترفعه الشيوعية حتى. وبدأ الناس يسألون: من هم هؤلاء الذين يصيحون لتدمير أميركا؟ هل هم أتباع النظام الذي صنع هذا الشعار؟ هل الجمهورية الإسلامية وراء جيوش “الووك”؟

الملالي يلتهم البلاشفة

كما أشرنا في مقالات سابقة، عرضت الجمهورية الخمينية على فلول الستالينيين واللينينيين والغيفاريين خلال التسعينيات الالتحاق بمحورها ضد ما وصفته بـ”قوى الاستعلاء”، أي الإمبريالية الأميركية وعملائها في المنطقة.

وتمكنت تدريجاً من أن “تلهم” في خلال عقد جيوش كانت تعمل لصالح الاستخبارات السوفياتية (KGB)، وباتت تتحول إلى مرتزقة لصالح النظام في طهران. وظهرت أول ملامح التعامل بين يسار ما بعد الاتحاد السوفياتي والكيان الخميني بعد احتلال العراق، إذ شبت جمعيات في أميركا من اليساريين القدامى الذين انخرطوا في استراتيجية الملالي لإخراج القوات الأميركية من بلاد ما بين النهرين، فتظاهروا “لصالح السلم” أمام البيت الأبيض، بينهم Code Pink. وتبين أن لهذه المجموعة ارتباطات بطهران التي زارتها علناً وكان ذلك بداية الغيث.

تحت مظلة أوباما

التحمت المجموعات التي تحولت إلى “الووكية” Wokism تدريجاً مع المجموعات المتواصلة مع الجمهورية الإسلامية، فخرجت من هذا الكوكتيل قوة شارعية ثنائية الجذور، أكثرها أتى من صفوف مدارس البلاشفة الجدد، وكثير من كوادرها أتت من التيارات الإسلاموية في العالم العربي والإسلامي.

واستفادت هذه الجماعات الراديكالية استفادة مطلقة من ثماني سنوات هي عمر إدارة أوباما لتتجذر بعض كوادرها في البيروقراطية والأجهزة الإدارية والإعلام، لا سيما اختراق قواعدها جامعات البلد والسيطرة التامة على مجالسها الطلابية.

وسيطر أساتذة العلوم السياسية والاجتماعية المؤيدون للووكية والراديكالية الشرق أوسطية على دراسات الشرق الأوسط، وباتوا في موقع نشر العداء للسامية ولكن أيضاً الهجوم على عرب الاعتدال والحركات الليبرالية في المنطقة. عملياً توصلت الكوادر المؤيدة لقوى المحور الإيراني ومعها الإخوان إلى مراكز عالية داخل التيار الووكي الواسع، تحت حماية يسار إدارة أوباما.

الانتفاضة ضد ترمب

شاركت الجماعات الراديكالية الشرق أوسطية المتداخلة مع يسار الووك في انتفاضة إدارية مستمرة ضد إدارة دونالد ترمب من شتاء 2017 حتى صيف 2020 حيث برزت كوادر عربية أميركية وأخرى متواصلة مع أنظمة إيران والإسلاميين في المنطقة من داخل التيار، ونجحت في أدوارها القيادية في “الثورة ضد ترمب”. واستشرست هذه الكوادر خلال انتفاضة صيف 2020 في تنظيم الانتفاضة، إلى حد يعتبر البعض أن النظام من الممكن أنه ضخ في “الانقلاب ضد ترمب” أرقاماً كبيرة حولت من السيولة التي حولها الاتفاق النووي إلى طهران. مما يفسر باعتقاد البعض غزارة القدرات اللوجيستية للمعارضة الووكية من سياتل إلى بورتلاند فنيويورك وصولاً إلى البيت الأبيض. هذه القناعة تفسر نظرية اختراق إيراني للسياسات الأميركية الداخلية، ومن بينها الانتخابات الرئاسية في 2020.

تحت غطاء بايدن

بعد خروج ترمب من البيت الأبيض دخلت الإدارة أعداد أكبر من “الإسلاميين” تحت غطاء “تقدمي”، وانتشرت في البيروقراطيات والأجهزة، مما نفخ شعوراً بالقوة لدى مشاة “الجيش الووكي المشترك” لا سيما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وإزالة تصنيف الحوثيين كإرهابيين، بخاصة بعد العودة إلى المفاوضات مع طهران.

ومما زاد في استئساد جماعة إيران (النظام) والإخوان داخل الولايات المتحدة، الضغط المتزايد لإدارة بايدن على السعودية ومصر والإمارات وتضاعفها على حكومة إسرائيل. فوصل النفوذ “الإسلامي” إلى ذروته في أميركا خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

غزوة السابع من أكتوبر

بعد عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، انتشر جو كآبة في أميركا بسبب هول المجزرة وعلت أصوات السخط على “حماس” والجمهورية الإسلامية، إلا أن رد فعل إسرائيل داخل غزة أطلق شعوراً من السخط لدى الجاليات الإسلامية ضد إسرائيل. وكان ذلك الثغرة التي انتظرتها طهران، فبدلاً من أن يجمع البيت الأبيض زعماء الجاليات اليهودية والمسلمة لوأد الفتنة، شبت التيارات المرتبطة بمحور التطرف للاستيلاء على مسيرات استنكار الحرب في غزة وتوجيهها باتجاه صدامي آخر. فانهارت محاولات الحوار والمصالحة العربية الإسرائيلية في أميركا وبرز “محور الممانعة” داخل واشنطن ونيويورك ليقود تظاهرات عنيفة بعيدة من دعوات الحوار.

“انتفاضة… انتفاضة”

خلال الأسابيع الأخيرة توسعت التحركات المتطرفة وانتقلت لاحتلال الجامعات وطرد الأساتذة والطلاب اليهود واشتبكوا مع طلاب إيرانيين معارضين للنظام، وهاجموا محضرين خليجيين مدافعين عن “السلام الإبراهيمي”. لماذا هذا الانحراف عن إنهاء حرب غزة والتركيز على “مقاتلة” دفاعاً عن النظام وأنصاره؟ الجواب في الشرق الأوسط، إذ إن القيادة الإيرانية خوفاً من سقوط “حماس” على الأرض أطلقت حروباً موازية.

أمرت إيران ميليشياتها بإطلاق الصواريخ الباليستية من اليمن وسوريا والعراق ودرونات من جنوب لبنان. فردت إسرائيل على مواقع الحرس في الهلال الخصيب، فصعدت طهران باستهداف الأردن، وعبأت الدول العربية دفاعاً عن المملكة الهاشمية، فحشدت الجمهورية في سوريا، فضربتها إسرائيل في جنوب دمشق، وردت إيران بغارة واسعة على إسرائيل، وردت إسرائيل على إيران بالمثل.

حاولت طهران أن تضغط على واشنطن لتضغط على إسرائيل لتوقف النار. ومن بين أوراقها قيام الجيش “الووكي” داخل الولايات المتحدة بتحركات لدعم “المحور” في المنطقة. إلا أن هذا الجيش تضخم وباتت كوادره الشرق أوسطية متمكنة وقادرة على قيادة القواعد المناضلة. فأطلقت “انتفاضة مكشوفة” متخلية عن المظلة “الووكية” ورفعت أعلام “حماس” والحوثيين و”حزب الله” و”الجهاد” و”داعش” أحياناً.

خرج “الجيش الإسلاموي” الذي تقوده إلى العلن بشعاراته العنيفة ودعمه الواضح للإرهاب. فتوزعت شعارات “من النهر إلى البحر”، و”أخرجوا اليهود من فلسطين”، وخرقوا آخر خط أحمر عندما صاحوا “الموت لأميركا”. فوضعت طهران “جيشها الشعبي” في وضع مستحيل إذ كشفت عن نياتها الإرهابية أمام أعين الأميركيين المصدومين.

النتيجة الأولى هو إخلاء شرطة نيويورك المعتصمين من داخل باحة جامعة نيويورك. ولكن المواجهة لا تزال في أولها، ولا يعرف أحد إذا دفع النظام بأنصاره داخل أميركا لارتكاب حماقة عنف، أم أنه سيلجم كتائبه؟ سنرى.

نقلا عن “اندبندنت” عربية

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى