كلمة نصر الله وغطاء “الحرس الثّوري”
فارس خشان
لم يتجاوز الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله “حدود الانضباط الاستراتيجي” في أوّل موقف يتخذه بخصوص اغتيال القيادي الكبير في حركة “حماس” صالح العاروري، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، بواسطة صواريخ موجهة أطلقتها، على ما بات مؤكدًا، طائرة حربيّة إسرائيليّة، أوّل من أمس.
ولم يكن “انضباط” نصر الله مفاجئًا، ليس لأنّ المحللين لم يجدوا أنّ هناك أي فسحة للتصعيد في إطار الحرب المفتوحة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة فحسب، بل لأنّ “الحرس الثوري الإيراني” سارع أيضًا، قبل ساعات من الإطلالة المبرمجة لنصر الله، إلى إصدار بيان أعلن فيه أنّ “الصبر الاستراتيجي للمقاومة وحزب الله، لن يخرج عن إطار العقلانية والمنطق والنظر إلى متطلبات التغلب على محتلي القدس ومغتصبي فلسطين، متأثراً بالآمال والأحلام المشؤومة للكيان الصهيوني وداعميه”.
بطبيعة الحال، لم يكن ما ورد في بيان “الحرس الثوري الإيراني” بمثابة تعليمات علنيّة موجهة إلى نصر الله، بل كان، في الواقع، غطاءً لنصر الله في وجه ردود فعل محتملة يمكن أن تصدر ضد موقفه “التهدَوِي” على لسان قادة في “حركة حماس” التي ليس لديها من هو أقرب من صالح العاروري إلى “حزب الله” عمومًا ونصر الله خصوصًا، ولذلك كان قد بحث عن الحماية في مربّعه الأمني!
ولم تكن بريئة، في هذا السياق، إشارة بيان “الحرس الثوري الإيراني” الى إصدار توقعات بأن “يدخل المقاتلون الفلسطينيّون في الضفة الغربية بالمواجهة بجديّة أكبر”.
وعبارة “جدية أكبر” ليست بسيطة، إذ تعتبر بمثابة لوم لـ”حركة حماس” على تقصيرها في الضفة الغربيّة التي تتعرّض منذ السابع من تشرين الأوّل الماضي لحصار غير مسبوق من الجيش الإسرائيلي ولعمليات يوميّة أدت، حتى تاريخه، إلى أكثر من ثلاثمئة قتيل وما يزيد عن خمسة آلاف معتقل، وفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني.
وهدف هذا اللوم الإيراني غير المباشر لـ”حركة حماس” في الضفة الغربيّة أن يحصّن الغطاء الإيراني للمواقف “التهدوية” لنصر الله، عقب اغتيال العاروري، إذ ليس المطلوب من “حزب الله” أن يذهب إلى حيث لا تستطيع أن تذهب إليه “حماس” في مسقط رأس العاروري.
ومن يدقق في ما ورد في بيان “الحرس الثوري الإيراني” لجهة انضباط “حزب الله” في إطار العقلانية والمنطق، في الرد على اغتيال العاروري، يكتشف أنّ هناك خشية حقيقيّة من أن يكون أحد أهداف تنفيذ الاغتيال في الضاحية الجنوبيّة لبيروت يكمن في إحراج “حزب الله” من أجل إخراجه إلى حرب كبيرة مع إسرائيل، ما يحقق ” الآمال والأحلام المشؤومة للكيان الصهيوني وداعميه”، وفق النص الحرفي للبيان الإيراني.
وبالفعل، فإنّه بعيدًا من خطابات التحشيد المعنويّة التي يجيدها نصر الله، وقد حفلت بها الكلمة التي ألقاها أمس، فإنّ الحكومة الإسرائيليّة تبحث عن مخرج يعفيها من التزاماتها تجاه الولايات المتحدة الأميركية بترك موضوع مستقبل وجود “حزب الله” على الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة للضغوط الدبلوماسية، وعدم الاندفاع وراء توسيع الحرب، وفق ما يضغط من أجله سكانُ شمال إسرائيل النازحون عن بلداتهم ومنازلهم، ومعهم عدد من الوزراء في الحكومة وكبار القادة في الجيش الإسرائيلي.
وفي ظل تهميش نسبي لموضوع اغتيال العاروري، خصص نصر الله الجزء الأكبر من خطابه “الحربي” للرد على القوى الإسرائيليّة الضاغطة من أجل شن حرب واسعة على لبنان، مذكرًا بما يملك من قوة نارية تدميرية قادرة على إلحاق أذى كبير بالمربع السكني الأكثر كثافة في إسرائيل.
وقد بدا نصر الله، على الرغم من المنحى التحشيدي، دفاعيًّا وليس هجوميًّا.
وهو بذلك ضمّ اغتيال العاروري إلى اغتيال رضي موسوي في سوريا ومقتل أكثر من 140 من مقاتلي الحزب في الجنوب الذين مع ضحايا قطاع غزة وسائر تنظيمات “محور المقاومة” يرسمون، وفق اعتقاده، بثبات، نهاية إسرائيل، وإعادة الأرض من البحر إلى النهر إلى الفلسطينيّين.
وهذا المنحى يُعتبر بمثابة خبر سعيد للبنانيين الذين يعيشون، في كل مفصل من مفاصل حرب “طوفان الأقصى”، حالة هلع من حرب واسعة، تجر عليهم الموت والدمار ليضافا إلى أوضاع الفقر والحاجة والتهجير التي تضغط عليهم، منذ انهيار لبنان ماليًّا واقتصاديًّا، في خريف عام 2019.
في المقابل، لم تكن إسرائيل بحاجة إلى أكثر ممّا قدمه لها نصر الله، من أجل استغلاله، فهو بالإضافة إلى تأكيد انضباطه في الإطار الحالي للحرب الحدوديّة، مهما فعلت إسرائيل ضد التنظيمات الفلسطينية في لبنان ورموزها، أعطاها الدليل إلى صحة مكوّنات الدعاية السياسيّة التي تعتمدها للامتناع عن وقف الحرب ضد قطاع غزة والعمليات العسكرية في الضفة الغربيّة، إذ إنّ عدم تحقيقها انتصارًا واضحًا ضد “حركة حماس” من جهة، وعدم إبعاد “حزب الله” من حدودها مع لبنان، من جهة أخرى، يجعلها في خطر الفناء الذي أجاد الأمين العام لـ”حزب الله” في سرد “أسبابه الموجبة”.
وهكذا، فإنّ نصر الله لم يبخل لا على بنيامين نتنياهو ولا على يوآف غالانت ولا حتى على إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بـ…الحجة!
نقلا عن “النهار”