أهم الأخبارمقالات

سيناريوهات إيرانية لنسف التقارب العربي – الأميركي

 

وليد فارس

فيما يهيئ البيت الأبيض لزيارة المنطقة، مروراً بإسرائيل وصولاً إلى المملكة العربية السعودية، وإذ تسعى إدارة الرئيس جو بايدن للتقارب مع دول التحالف العربي، بهدف تشجيعهم على تكثيف إنتاج النفط والغاز والاستمرار بالاصطفاف مع واشنطن، تجهد طهران لنسف هذا التقارب بشتى الوسائل. لماذا تخشى القيادة الإيرانية أن يتقارب الأميركيون والعرب في وقت تلتزم الولايات المتحدة من جديد بالدفاع المشترك مع إسرائيل. وما يمكن أن تقوم “الجمهورية الإسلامية” به لضعضعة تجديد المساندة الأميركية لشركائها في المنطقة؟

الخطر بنظر إيرانن

والمنظار الإيراني، أي منظار النظام في طهران، التقارب بين إدارة بايدن ودول الخليج، بخاصة السعودية، وإن كان محدوداً أو بطيئاً أو لأهداف نسبية، فهو يشكل تحدياً كبيراً لهيمنة إيران على المنطقة. فالقيادة الإيرانية اعتبرت أن عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات في فيينا وغيرها، وتعاظم نفوذ اللوبي الإيراني في واشنطن منذ عودة سياسة باراك أوباما إلى البيت الأبيض، شكل ضمانة لتقدم الأجندة الأنسب لإيران. وكانت طهران قد اعتبرت تصاعد التباعد التدريجي بين السعودية والإمارات ومصر مع الإدارة الأميركية نصراً لسياستها. بالتالي فإن التغيير الذي طرأ على سياسة بايدن وقرار إدارته بإعادة فتح الأبواب للتعاون مع القيادة السعودية وحلفائها في الأقليم، لأسباب دولية واقتصادية، بات ينذر بردود فعل سلبية على الأهداف الإيرانية في المنطقة.

فعودة الدفء بين واشنطن والرياض قد يفتح الباب أمام صفقات أسلحة متقدمة تحصل عليها المملكة. وقد يشجع بايدن على مساندة معاهدة “أبراهام” وعبرها تشجيع الإمارات والبحرين وإسرائيل على تعاون عسكري مما يمد المظلة الاستراتيجية الإسرائيلية إلى الخليج، ما يعني خسارة إيران لميزانها الاستراتيجي مع الساحل الغربي للخليج. ضف إلى ذلك احتمال استمالة المصالح الاقتصادية الأميركية من جديد إلى الدول العربية المعتدلة وإسرائيل معاً. فيتم استضعاف مصالح لوبي الاتفاق النووي، بالتالي تحرر الإدارة من هذا التأثير. نجاح التقارب المرحلي قد يتحول، بنظر إيران، إلى تقارب متوسط المدى فتخسر إيران ورقة هائلة في اللعبة الأقليمية. لذا فلا يمكن للاستراتيجية الإيرانية إلا أن تجهد لتطويق التقارب وإسقاطه. ولكن كيف؟

سيناريوهاتأ

ول سيناريو قد يكمن بانفجار أزمة سياسية داخلية في أميركا، تعقد التقارب بين بايدن والتحالف العربي وتلزم البيت الأبيض بتركيز اهتمامه بالمسائل الداخلية. ولكن كيف يمكن لإيران أن تؤثر داخلياً في أميركا؟ ليس بالضرورة إيران، ولكن لوبي المصالح الاقتصادية المرتبطة بنجاح الاتفاق النووي، بالإضافة للإعلام المناوئ أصلاً للتحالف العربي وإسرائيل. ومنذ بدأ تحرك إدارة بايدن باتجاه السعودية وإسرائيل، بدأت حملة تشكيك في الصحافة المؤيدة للاتفاق النووي والتي قادت حملات انتقاد ضد القيادات السعودية، والإماراتية، والمصرية، وحكومة نتنياهو سابقاً. وتركز الانتقادات الإعلامية الحالية عبر “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”سي أن أن” على أنه لا يجوز على الرئيس بايدن أن “لا يفي” بوعوده الانتخابية “كمعاقبة” السعودية، والضغط على مصر والإمارات والبحرين كل ذلك تحت شعار “حماية حقوق الإنسان”. بينما نفس الصحافة لا تثير ملفات حقوق الانسان والقمع داخل إيران والدول التي تسيطر عليها. هذا الضغط قد بدأ فعلاً، و لو على نار خفيفة، لأن أي تصعيد بين اللوبي الإيراني والبيت الأبيض قد يضعف معسكر الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس الآتية.

السيناريو الثاني أن تحرك إيران الملفات التصادمية في المنطقة لزرع الخوف من انهيار الاستقرار في قلب الإدارة الأميركية، فتتراجع عن “مغامرتها” باتجاه الخليج. ومن تلك الملفات مثلاً أن تحرك الميليشيات “الإيرانية” في العراق ضد حلفاء واشنطن أكانوا داخل الدولة العراقية أم الأكراد، فتلزم واشنطن بالدفاع عنهم وتتصاعد الأمور وهو أمر لا تريده الإدارة الأميركية. ملف آخر قد يكون بتحريك المواجهة ما بين “حزب الله” وإسرائيل، لا سيما في المنطقة البحرية الحدودية حيث منصات استخراج الغاز، وهو أمر رأينا بعض شراراته الأسبوع الماضي. الإدارة لا تريد حرباً بين إسرائيل وإيران كي لا تُجبر على دخولها. ملف آخر هو أن تفجر إيران عبر الحوثيين مواجهة في منطقة باب المندب، فتتخلخل التجارة الدولية، وتجبر الإدارة على استعمال أسطولها لحسم الأزمة، وهو أيضاً أمر لا يبغيه البيت الأبيض الآن. في خلاصة هكذا سيناريو، طهران تعتقد أن تحريك أي ملف أمني في المنطقة سوف يخيف فريق بايدن ويمنعه من دعم التحالف على حساب إيران.

ولكن السيناريو الثالث قد يكون خياراً أكثر حسماً وأسهل تطبيقاً بالنسبة للنظام الإيراني، ألا وهو أن يقفز هذا الأخير بشكل دراماتيكي باتجاه روسيا والصين وأن يفتح أجواءه وسواحله، وأراضيه بشكل كامل للقوات التقليدية والاستراتيجية للقوتين النوويتين. أي أن تنتقل إيران إلى درجة أعلى من التحالف الوطيد مع موسكو وبكين، فتسقط الاتفاق النووي وتكسر حصارها بالانضمام التام “للكتلة الآسيوية” اقتصادياً وعسكرياً مما سيسبب خضة سياسية داخل أميركا وأوروبا، وهو أمر الغرب غير مستعد له.

السيناريوهات المخضرمة

وبين كل تلك السيناريوهات هنالك الخطط المخضرمة، هنالك النسخ المخضرمة Hybrid Versions، أي أن تستعمل القيادة الإيرانية أجزاء متعددة من مختلف الاحتمالات، لتضغط على إدارة بايدن تدريجاً كي لا تختار التحالف بدلاً عن الاتفاق. وكأنها لعبة شطرنج تتقنها طهران، ولكن الأطراف المواجهة لإيران قد أتقنوا الشطرنج أيضاً، ولا شيء مضموناً لأحد هذا الصيف في الشرق الأوسط.ل

نرى.

نقلا عن “اندبندنت عربية”

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى