حواجز أمام سياسة بايدن الخارجية
وليد فارس
وإذ تدخل الولايات المتحدة الأميركية المرحلة الضاجة حول انتخاباتها، وإذ يتذكر الشعب الأميركي هجمات 11 سبتمبر (أيلول) التي طبعت ذهنه إلى الأبد، يتوقف المهتمون في شأن السياسة الأميركية الخارجية على التحديات التي تواجه الإدارة في السنة والأربعة أشهر المتبقية من عمرها، بخاصة في ما يتعلق بالحروب والمواجهات والأزمات المتواصلة عالمياً. من الواضح أن الإدارة تواجه “حواجز” على معظم هذه الجبهات، فلننظر إليها بتلخيص.
حرب أوكرانيا
كما كتبنا منذ ربيع 2022، معادلة الحرب بين روسيا وأوكرانيا لن تذهب أبعد من معادلة التوازن الاستراتيجي، عبر معادلة الرعب المتبادل، أي إن الأسلحة الهائلة عند الطرفين ستمنع كليهما من الحسم المطلق. فلا روسيا ستسقط كييف، ولا أوكرانيا ستجتاح موسكو، والحرب منذ انسحاب القوات الروسية من ضواحي العاصمة الأوكرانية وشمال البلاد في صيف 2022، باتت ستاتيكو متحركاً، لكن غير متغير كثيراً.
إزاء هذا الوضع قررت الإدارة الأميركية، ومعها معظم حلف شمال الأطلسي، أن يصعدوا عالياً عبر عقوبات قاسية، وعبر جسر عسكري غير متناهٍ، ودعم مالي هائل وصل إلى ضواحي الـ100 مليار دولار. فحشد الكرملين كل طاقاته العسكرية لمجابهة الجسر الأطلسي إلى أوكرانيا. وطالت الحرب المدمرة سنة إضافية دون حسمها. وبات السؤال داخل البيت الأبيض، كيف يمكن الوصول إلى نصر ما على تلك الجبهة الأوروبية التي تؤثر في الاقتصاد العالمي والأمن الدولي؟
الإدارة أمام مشكلة “سيناريوهات”، فهي تعلم أن التصعيد اللامتناهي سيؤدي إلى صدام عالمي، وهو ممنوع في الغرب كما في الشرق. فالمشكلة أمام الإدارة هي حلول الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 والوضع غير محسوم بعد. مشكلة إذا طالت الحرب دون نتيجة حاسمة مع كل ما تلتهمه من ميزانيات، ومشكلة إذا سارعت واشنطن باتجاه المفاوضات، إذ ستتهمها المعارضة بأنها فشلت في حسم الأزمة لثلاث سنوات.
الاتفاق النووي
الملف الآخر الذي يضع ضغطاً كبيراً على الإدارة هو الاتفاق النووي الإيراني، الذي وقع في 2015 تحت إدارة أوباما، وانسحبت منه إدارة ترمب في 2018، وعادت إليه إدارة بايدن منذ 2021، لكنها لم تتمكن من توقيعه بسبب الحرب الأوكرانية وعودة الجمهوريين إلى أكثرية الكونغرس، لكنها قررت أن تنفذه بالتقسيط عبر صفقات صغيرة كصفقة تبادل الرهائن التي ستحول ستة مليارات دولار لطهران تحت غطاء تبادل أسرى. هنا أيضاً ستضطر الإدارة إلى أن تفسر للرأي العام الأميركي ماذا حصل في هذه الصفقات التي تحول أموالاً طائلة إلى نظام لا يزال على لائحة الإرهاب، مما سيلزم الكونغرس بإطلاق جلسات تحقيق قبل الانتخابات الرئاسية.
“معاهدة أبراهام”
والأسئلة أيضاً تتكاثر حول معاهدة Abraham Accords ومستقبلها وعدم قدرة الإدارة على توسيعها وحسم أسباب عدم دخول دول عربية إضافية فيها، وأهمها السعودية. والأزمة هنا دبلوماسية بامتياز. فالإدارة باتت غير قادرة في هذه المرحلة بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لأسباب انتخابية أميركية، من ثم غير قادرة أن تأتي بتنازلات إسرائيلية تريدها السعودية ودول عربية أخرى لصالح الفلسطينيين، كما أن الإدارة لا يبدو أنها تستطيع الضغط على السعودية بسبب حاجة واشنطن إلى الرياض من أجل ضخ النفط بأسعار معينة، ولا سيما بعد أن أعادت الحكومة السعودية تموقعها الإقليمي والدولي ليتوافق مع صالحها الوطني، لذا فـ”معاهدة أبراهام” رهن تمكن البيت الأبيض من إرضاء كل الأطراف بعد أن كان على خلافات مع كل هذه الأطراف.
ملفات تتكاثف
وتبقى حواجز تتكاثف إضافة إلى الملفات المذكورة أعلاه، مع مرور الزمن المتقلص قبل نوفمبر 2024، ومنها ليس حصراً: العلاقة المتذبذبة مع الصين وأزمة تايوان. وانتقال عدد من دول أفريقيا إلى المظلتين الروسية والصينية عبر انقلابات متلاحقة، وتردد بعض الدول الأوروبية كهنغاريا وسلوفاكيا في دعم حلف شمال الأطلسي بأوكرانيا، وتساقط دول أميركا اللاتينية في قبضة اليسار تدريجاً، وضف إلى ذلك الانقسام العميق داخل المجتمع الأميركي على الصعيدين السياسي والعدلي. ولا يبقى كثير من الوقت أمام هذه الإدارة كي تحسم كل هذه الملفات الصعبة قبل الاختيار الكبير في صناديق الاقتراع. فكيف سيوفق البيت الأبيض بين أزمات عدة في السياسة الخارجية والتجديد الرئاسي؟ سنرى.
اندبندنت