حماس وإيران.. ومواعظ المرشد
عبدالله بشارة
خرجت صحيفة الشرق الأوسط يوم السادس من شهر نوفمبر حاملة صورة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد اسماعيل هنية في لقاء مع المرشد الإيراني خامنئي، الذي أطلع فيه رئيس المكتب السياسي فضيلة المرشد على التطورات في قطاع غزة والضفة الغربية، وتزامن هذا اللقاء التاريخي مع تحذير إيراني قوي للولايات المتحدة من تلقي أضرار بالغة إذا لم تتوقف الحرب في قطاع غزة مع تعليق إيراني يشير إلى أن المرشد العام شدد على ضرورة التحرك الجاد من الدول الإسلامية والمجاميع الدولية لتقديم الدعم الشامل والعملي من الحكومات الاسلامية لشعب غزة، كما سبق للمرشد أن دعا إلى وقف صادرات النفط والسلع الغذائية إلى اسرائيل، كما دعا ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى دعم المقاومة بالقوى الناعمة.
ويتضح من هذه الخلاصة أن قيادة إيران تعطي الكثير من المواعظ والنصائح وأنها على توافق مع ما يتردد عن احتمالات مشاركة إيرانية عبر ممثليها في لبنان – مجموعة حزب الله – لفتح جبهة للمناوشة على الأراضي اللبنانية للتخفيف من تركيز اسرائيل على جبهة غزة بهدف تصفية حماس وكوادرها.
تكاثرت التوقعات حول فتح جبهة لبنان التي يسيطر على جنوبها حزب الله، كما يهيمن على الخيوط السياسية الداخلية للجمهورية اللبنانية، كما توسع فضاء الاتهامات حول إخفاق إيران في الوفاء بتعهداتها لحماس بفتح جبهة الجنوب لحزب الله، والجبهة السورية للقوى الإيرانية، ولم تغفل الولايات المتحدة عن هذه الاحتمالات، فاستعدت ليس بالتهديد الدبلوماسي وإنما بتواجد اثنتين من أحدث حاملات الطائرات تتجولان في السواحل الجنوبية للبحر الأبيض، كما أضافت قطعة حديثة من الغواصات حاملة الصواريخ القاطعة، وتابعت خطوات إيران التي ترجمها حزب الله في إطلاق صواريخ رسالتها تأكيداً لوجود حزب الله متابعاً وليس مشاركاً ومهدداً وليس فاعلاً ومناوشاً وليس طرفاً.
ورغم هذه الرسالة التي التزم بها حزب الله فإن التهديدات الاسرائيلية ضد لبنان وبقوة إلى الحزب وإلى إيران وإلى الحكومة اللبنانية العاجزة، مع تكرار الموقف الإسرائيلي في تأكيد سياسة اسرائيل بالتهدئة مع لبنان طالما واصل حزب الله سياسة النأي وغياب المشاركة.
ومن هذه المستجدات في مواقف حزب الله تولدت الأسئلة حول تجاهل إيراني لمأساة حماس وتركها بعزلة دامية، ويمكن بسهولة الإشارة إلى أربع حقائق لا تغيب عن دائرة اهتمام المرشد علي خامنئي:
أولاً – تأكيد التزام المرشد بالمحافظة على النظام السياسي المحتكر لحكم إيران منذ عام 1979، أي حوالي نصف قرن، تمكن فيه رجال الحكم في بناء جيش قوي أطلق عليه مسمى «الحرس الثوري» للحفاظ على النظام وصونه وتعميق صلابة مؤسساته ومرتبط مباشرة بالمرشد العام، يتصدى للمعارضين، ويلاحق أي تجمعات معادية مع تمكنه من تشييد تحالفات مع كل من سوريا ولبنان والعراق ومع الحوثيين في اليمن، في تأكيد على ما يردده بعض رجال السلطة الإيرانية بالمفاخرة بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية، دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء، والمقصود بأن هذه العواصم تخدم الأهداف الإيرانية في مواجهة الولايات المتحدة وخصوم إيران من الدول الغربية، وتعتقد بأنها بالترابط مع هذه العواصم تقود تجمعاً إقليمياً يشكل حماية للثورة الإيرانية ويشاركها في إفشال نوايا المستعمرين في المنطقة، كما يوفر لقوات الأمن الإيرانية القدرة على إفشال التآمرات الداخلية ضد النظام.
ثانياً – يسعى المرشد إلى تحقيق تفاهم إقليمي مع دول مجلس التعاون عبر تأكيداته بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وتعظيم التعاون ليس في مجالات الاقتصاد فقط، وإنما في القضايا السياسية التي تهدد أمن المنطقة ووفق المنظور الإيراني، إبعاد الولايات المتحدة وحلفائها من التسلط على أمن المنطقة التي تردد إيران بأنه من اختصاص دول الخليج، كما تراقب واقع العلاقات الفلسطينية وتتبنى دعم المواجهة التي تؤمن بها بعض المنظمات الفلسطينية وخاصة حماس، وتعارض اتفاقيات السلام الموقعة بين اسرائيل وبعض الدول العربية، لكنه دعم سياسي وإعلامي لحماس، بينما تحافظ على ترابطها مع سوريا وحزب الله الذراع الإيرانية المتواجدة في لبنان، مع الالتزام بمواقف سياسية وإعلامية دون الانزلاق إلى المشاركة الفعلية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
ثالثاً – تعمل إيران وبحرص عال للحفاظ على التواصل مع روسيا والصين وكوريا الشمالية وتعزيز التعاون الأمني معها، وتسعى بقوة لتأمين المؤازرة الروسية والصينية لا سيما في المواجهة مع الدول الغربية حول مشروعها النووي الذي تراقب تطوراته الولايات المتحدة، فتنشر الوكالة المختصة وباستمرار تقارير عن المستجدات في برنامج إيران النووي، كما تقدم الأدلة حول عزم إيران لتحقيق السلاح النووي، والملاحظ أن إيران تعتمد أسلوب التخفي والتغطية وسرية المواقع وتكثيف الغموض في علاقاتها مع آليات المراقبة، مع إصرار على التمسك بهذا السلاح الذي يعطيها الردع المؤثر، في تعبير عن مخاوفها من الولايات المتحدة واسرائيل، وكل ذلك من أجل تأمين سلامة النظام وتحقيق التسيد الاستراتيجي في المنطقة.
رابعاً – تمكنت إيران من الوصول إلى ما تخطط له في علاقات طبيعية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وبما يؤمن الهدوء والاستقرار ويريح مخاوف الأسرة العالمية من اضطرابات تمس الطاقة، كما يعزز التفاهمات السياسية وحجم التجارة وتبادلية المصالح بين دول الإقليم، ويعمق الثقة في أمن الممرات المائية، ويعطي إيران الانطلاق في التصدير إلى مختلف بقاع العالم ويعزز تواجدها في جميع القارات، لاسيما جنوب أميركا وآسيا، كما سعت إيران في الاستفادة من حرب روسيا ضد أوكرانيا، كما تشارك مع روسيا في حربها ضد الغرب وخاصة الولايات المتحدة، كما نجحت إيران في تلطيف علاقاتها مع مصر التي انقطعت مع اتفاقية السلام المصري – الاسرائيلي، وتسعى في هذه المرحلة إلى تنمية العلاقات مع المملكة العربية السعودية والامارات وبقية دول مجلس التعاون، وفق برنامج يؤمن لها قبولا إقليميا ودولياً ويخفف من حدة المقاطعة والمعارضة، كل ذلك يتم وسط جو يتسيد طهران بأن المستقبل لا يوفر لحكامها الاطمئنان طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع اللجنة العالمية المشرفة على تأمين سلامة برنامجها النووي للاغراض السلمية.
ونلاحظ كثافة محتوى العلاقات مع كل من الصين وروسيا من أجل تأمين جبهة تساندها في المواجهات العالمية، كما تسعى إيران إلى تميز علاقاتها مع بعض دول المنطقة لاسيما قطر، وسلطنة عمان، وتخص حواراتها مع المملكة العربية السعودية بخصوصية تولدت من الدور السعودي المسالم والساعي لشمولية الهدوء ليس في المنطقة وإنما يتعدى ذلك لتطويق التوتر بين طهران والولايات المتحدة، ونلاحظ أن النشاط الإيراني المعادي للولايات المتحدة خلال حرب إسرائيل وحماس لم يشارك في المواجهة رغم زيارة اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس إلى طهران، ونشر صورته مع المرشد.
كل ما يهم المرشد هو الحفاظ على النظام في إيران وتجذير وجوده وإطالة ذراعه الداخلية ليجتث جميع مسببات المعارضة، فالمرشد يتمتع بالحرص على البقاء بالابتعاد عن خطوات انزلاقية تسبب الأذى وتضعف النظام.
ويواصل رسالته السياسية والاجتماعية في إقناع الشعب الإيراني بأن توجيهاته السياسية والاجتماعية نابعة من وحي إلهي ليس قابلاً للمعارضة، ولابد من الحفاظ عليه وديمومة بقائه، وغير ملتزم بما جاء في خطاب الرئيس الإيراني في مؤتمر القمة العربية – الإسلامية في الرياض يوم 11 نوفمبر الماضي بدعوته لتحرير الأراضي الفلسطينية من النهر إلى البحر.
هذه رسالة المرشد العام، فيها حماية للنظام من الاهتزاز واقناع الرأي العام الإيراني بالولاء له والاستمرار في تحصينه مع نغمة اعتدال مقارنة بالبيانات الصاخبة من الحرس الثوري أو من الرئاسة.
نقلاً عن “القبس”