أهم الأخبارمقالات
“حزب الله” في الصّحراء المغربيّة … هل يكون سبباً لفشل قمة “لمّ الشّمل”؟
علي حمادة
لم يكن ينقص لبنان سوى أن تتمدد وظيفة “حزب الله” الإيرانية إلى منطقة شمال أفريقيا. فبعد العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، يصل التدخل الإيراني عبر ذراعه اللبنانية إلى منطقة شمال أفريقيا، وبالتحديد إلى الصحراء المغربية التي تدور حولها أزمة بين المغرب والجزائر بسبب دعم الأخيرة تنظيم “بوليساريو” في سياق سياسية التدخل الجزائرية في الشأن المغربي الداخلي.
تقودنا إلى ذلك المعلومات التي أدلى بها الأسبوع الماضي مندوب المملكة المغربية في الأمم المتحدة، في سياق المناقشات التي شهدها مجلس الأمن في نيويورك بشأن تطورات قضية الصحراء. فقد قال السفير عمر هلالي بعد جلسة مجلس الأمن إن “إيران زوّدت مقاتلي جبهة “بوليساريو” الانفصالية بمسيّرات”. وأضاف: “إن الإيرانيين و”حزب الله” يتوغلون في شمال أفريقيا، وهذا تطور جيوسياسي خطير ويهدد الأمن القومي لدول الإقليم”. وختم بأن “إيران تريد زعزعة استقرار منطقتنا بعدما قوّضت استقرار سوريا، واليمن والعراق ولبنان”.
هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها تناول مسألة تمدد وظيفة “حزب الله” الأمنية من الناحية الجغرافية. فمعروف أن الحزب يعمل في العديد من الدول خارج منطقة الشرق الأوسط. فنشاطاته في القارة الأفريقية حيث وجود لبناني معروفة منذ مدة طويلة، كما أن له أنشطة أمنية وتجارية لتمويل علمياته في أميركا الجنوبية، ناهيك بأنشطة معروفة لدى الأجهزة الاستخبارية في أوروبا، حيث تتخذ أذرع “حزب الله” وخلاياه في القارة الأوروبية من النشاط التجاري والجمعيات العاملة تحت عنوان الأعمال الخيرية والاجتماعية غطاء لها. ولعل تعرّض هذه الخلايا في بعض الدول للمراقبة ولعمليات تفكيك من الأجهزة الأمنية، كما حدث قبل بضعة أشهر في ألمانيا، وقبلها في فرنسا، ما يعكس قلق السلطات في دول أوروبية عدة من أعمال “حزب الله” وأنشطته التي لا تتصل بشأن ذي طابع لبناني، بل إنها تحصل في سياق سياسة أوسع على صلة بالأجندة الإيرانية عموماً.
كان لافتاً الصدام المغربي الجزائري الذي حصل في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية المشاركة في الأعمال التمهيدية للقمة العربية المقررة في الجزائر يومي الأول والثاني من شهر تشرين الثاني – نوفمبر، على خلفية مطالبة المغرب إدراج مسألة تدخل إيران في موضوع الصحراء المغربية وقيامها بتزويد تنظيم “بوليساريو” بطائرات مسيرة واستهدافها الأراضي العربية، سواء في الخليج أم في المغرب. هذا الاقتراح رفضه وزير الخارجية الجزائري، ما أدى إلى صدام لكون الجهة الداعية لا تملك صلاحية القبول أو الرفض، بل إنها تسجل الاقتراح وتحيله إلى التصويت على مستوى وزراء الخارجية.
هذا الأمر استرعى انتباه المشاركين في أعمال اجتماع وزراء الخارجية التمهيدي، كونه أتى في سياق انحياز جزائري إلى إيران في وقت تقف الأخيرة خلف عشرات الهجمات بالمسيّرات أو الصواريخ البالستية، انطلاقاً من اليمن ضد أهداف مدنية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. وفي وقت تتقاطع معلومات عدة من دول عربية مؤكدة وجود خبراء من “حزب الله” في اليمن يديرون هذا النوع من الأسلحة التي يزود الإيرانيون الحوثيين بها لاستهداف دول الخليج، وفي مقدمها السعودية التي تقود التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية.
ما تقدم يمكن ربطه بشكل أو بآخر بغياب عدد من قادة الدول العربية الرئيسية عن قمة الجزائر. فمحاولات الأخيرة دعوة النظام السوري إلى العودة إلى الجامعة العربية اصطدمت بمعارضة دول عربية رئيسية، ما دفع الدولة المضيفة إلى التخلي عن المحاولة خشية أن تنفجر القمة قبل أن تنعقد. ورغم أن قمة الجزائر تحمل عنوان “لمّ الشّمل”، فإن الملف السوري لم ينضج بعد لكي يُدرج تحت عنوان لمّ الشّمل. فإعادة تأهيل الرئيس السوري بشار الأسد من دون أن يكون الأمر كنتيجة للحل السياسي المرتكز على القرارات الدولية ذات الصلة، فضلاً عن حل القضية الإنسانية، أقله في شقها المتعلق بممارسات النظام التي لا تدل إلى رغبة جدية في إعادة ملايين اللاجئين والنازحين السوريين إلى مدنهم وقراهم، بما يشي بأن مشروع التطهير الديموغرافي (الطائفي) لا يزال على جدول أعمال نظام الرئيس بشار الأسد. هذا ما تجاهلته القيادة الجزائرية بالكامل، إذ لم تعر الحل السياسي الذي لا يزال النظام ومن خلفه الإيرانيون وحتى الروس يعيقونه، لأنه يطرح مساراً سياسياً تغييرياً في بلد سقط فيه ملايين الضحايا نتيجة الحل الدموي الذي اعتمده النظام و”حلف الممانعة” بقيادة طهران.
“لمّ الشّمل” شعار جيد، لكن يجب أن يبدأ بالساحات الأقرب إلى الدولة المضيفة. هذا لم يحصل على مستوى التدخل الجزائري في قضية الصحراء الذي يستمر بلا هوادة. واليوم مع إدخال العنصر الإيراني في المعادلة، من الصعب جداً تصوّر تحقق شعار “لمّ الشّمل” في منطقة المغرب العربي. وهنا لا يكفي الجزائر أن تحتفي بـ”المصالحات الفلسطينية” في الوقت الذي تعرف القيادة الجزائرية قبل غيرها أن المصالحة فولكولورية، وأنها ليست المرة الأولى التي تؤخذ صورة لمصالحة فلسطينية مزعومة، فيما أجندة المتصالحين تدل إلى أن لا مصلحة فعلية لهم بإتمامها. من هنا فإن أحداً لا يعوّل على المصالحة الفلسطينية الشكلية التي رعتها الجزائر لتزيّن بها قمة “لمّ الشّمل”. وغياب قادة عرب رئيسيين عن القمة يعكس عدم اهتمام بقمم لا تزال تُطبخ بأساليب القرن الماضي…
بالعودة إلى تورط “حزب الله” أمنياً في منطقة المغرب العربي، يمكن القول إنه أمر في غاية الخطورة. وهذا بالتأكيد لا يخدم مصالح لبنان الذي يبدو أكثر فأكثر مجرد دولة صورية لا تمتلك مفاتيح سيادتها على كامل أراضيها.
نقلا عن النهار