أهم الأخبارمقالات

إيران: هل اتُّخذ القرار بإغراق الاحتجاجات بحمّام دم؟

علي حمادة

فجأة ارتفع منسوب القمع في إيران إلى حد يدفع إلى التساؤل عما إذا كان النظام العميق المستند إلى تحالف رجال الدين والعسكر، اتخذ قراراً استراتيجياً بإعلان حرب دموية ضد موجة الاحتجاجات العارمة التي غطت معظم المحافظات والمناطق والمدن الأساسية في البلاد.

إنه سؤال مشروع في ظل تفاقم الحل الأمني الدموي في مناطق كردستان إيران ومدنها الأساسية التي شكلت إحدى نقاط الارتكاز الرئيسية للاحتجاجات. فمن قرار مواجهة التظاهرات المتعددة العناوين، السياسية، الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية، وحتى الأيديولوجية عبر اقتحام أمني عالي الوتيرة، إلى ارتفاع مضطرد في عدد الضحايا المدنيين من كل الفئات، بدا في اليومين الماضيين أن قراراً كبيراً بالحسم الدموي اتخذ أو على وشك أن يُتّخذ على مستوى المرشد علي خامنئي الذي وصف المحتجين بأنهم إما مخدوعون أو عملاء للخارج، متوعداً أنه سيتم إنهاء الاحتجاجات “الشريرة”، إضافة إلى الحملة الإعلامية التي ترتفع في أوساط الجناح الأصولي والأمني من النظام التي تعزو ما يحدث منذ مقتل مهسا أميني إلى تدخل خارجي تقوده الولايات المتحدة، إسرائيل والمملكة العربية السعودية، مما يعني أن ثمة عملية تمهيدية بالإعلام لحلّ دموي بدأ فعلاً، أو أقله يمكن أن يكون في المراحل الأخيرة من الإعداد قبل انطلاق حملة كبيرة تحاول أن تنهي هذه الاحتجاجات غير المسبوقة التي كسرت الكثير من محرمات النظام بعد أربعة عقود من الجمود، وتجنب الاصطدام بروح النظام، والاكتفاء بتحوير الأزمات صوب الصراعات السلطوية مثلما حصل سنة 2009، أو الاحتجاجات المعيشية كما حصل عامي 2008 و2009.

هذه الموجة مختلفة، وهي أعمق بكثير من سابقاتها، وتشبه “التسونامي” المجتمعي الذي يجرف كل ما يقف في وجهه. والحقيقة أن الاحتجاجات التي انطلقت على خلفية مقتل مهسا أميني في السادس عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي سرعان ما تحولت إلى نوع من الاستفتاء السلبي على كل ما يمثله النظام منذ ولادته عام 1979. بداية كُسر حاجز الخوف، ثم رُفعت شعارات الحرية الشخصية لا سيما تلك المتعلقة بالمرأة وحقوقها، ثم ارتفع سقف الشعارات ليشمل بسرعة فائقة كل ما يتصل بشرعية النظام وأسسه الأيديولوجية وصولاً إلى التعبير عن كره رموز النظام بأسرها.

ومن هنا جاء تقاطع الاحتجاجات في شكلها الأول المتصل بالحقوق الاجتماعية والشخصية، مع الاحتجاجات السياسية، وصولاً الى الاحتجاجات الجهوية المرتبطة بحقوق الاثنيات المكونة لإيران المعاصرة السياسية، وتزاحمت في شوارع المدن والبلدات على مدى الجغرافيا السياسية الإيرانية. وهكذا بدا واضحاً أن موجة الاحتجاجات المتعددة الوجه والطبيعة صبت كلها في “طاحونة” الثورة العارمة التي صارت رافضة للنظام بأسره.

من هنا أيضاً لم يكن مفاجئاً أن تتمدد الثورة زمنياً لأكثر من شهرين على التوالي، فتدخل المدارس والجامعات والمصانع والمنشآت البترولية دفعة واحدة فتتسبب بقلق كبير في أوساط النظام العميق. صحيح أن النظام يحتاج إلى أكثر مما حصل ليسقط، لكن الصحيح أيضاً أنه بدأ يشعر بالقلق الحقيقي لأن ما يحصل سبّب له إرباكات كبيرة على مستوى قراءة ما يحدث، وقد فهم النظام أن ما يحدث كبير جداً، وقد لا يكون من سبيل لحمايته من نتائجه سوى اللجوء إلى “حمام الدم”.

بناء على ما تقدم يمكن توقع حلّ دموي آت بسرعة. ويأمل النظام وعلى رأسه المرشد و”الحرس الثوري” أن يحرف المسألة من جهة في اتجاه اتهام الثورة العارمة أنها صنيعة مؤامرة خارجية، ومن جهة أخرى في اتجاه الخارج عبر التصويب على إقليم كردستان العراق بتواطؤ من القوى الحاكمة في بغداد المنضوية في “الإطار التنسيقي” التابع لقرار “الحرس الثوري “، تحت عنوان مواجهة مؤامرة خارجية منطلقة من الإقليم ذي العلاقات المتينة بواشنطن وتل أبيب.

إذا كان الحل الدموي متوقعاً، فالسؤال الكبير هو: هل ينجح النظام بإغراقه البلاد بحمّام دم، في إطفاء النار المشتعلة على مساحة البلاد؟

نقلاً عن صحيفة ” النهار” 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى