إيران النووية والنفاق الغربي
حسن فحص
استنفار إسرائيلي على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية لبحث الموضوع الإيراني والخطط الممكنة للقيام بعملية عسكرية تستهدف #المنشآت_النووية للبرنامج الإيراني دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عقد لقاء مع خصمه السياسي وسلفه في الحكومة يائيير لبيد لبحث التحدي الإيراني والوضع الفلسطيني، وهو اللقاء الذي جاء بعد تسريبات يعتقد أن مصدرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول وجود آثار لمستويات متقدمة من #تخصيب_اليورانيوم بنسبة 84 في المئة، وما يعنيه إسرائيلياً هو تجاوز #إيران الخطوط الحمر التي تجعلها قوة نووية عسكرية تشكل تهديداً مباشراً لأمن تل أبيب واستقرارها.
في المقابل يبدو أن هناك تحولاً في الموقفين الأميركي والبريطاني بالتعامل في ملف التفاوض مع إيران، فبعد إعلان أكثر من مسؤول أميركي معني بالمفاوضات مع إيران أن الاتفاق النووي يعاني موتاً سريرياً وأن واشنطن تفضل عدم الإعلان عن وفاته، بحسب تعبير الرئيس جو بايدن، تشكل المواقف الأخيرة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن تطوراً لافتاً قد لا يلتقي مع الكلام حول إمكان إحياء الاتفاق النووي، بل يفتح الطريق أمام حلول أخرى تلتقي مع هذا الاتفاق وتختلف عنه بحجم الدائرة التي ستشملها.
بلينكن أكد بعد زيارات قام بها إلى بعض العواصم المعنية بالأزمة النووية الإيرانية خلال الأسابيع الماضية، بخاصة تل أبيب، أن “الدبلوماسية هي الطريقة الأكثر فعالية للتعاطي مع البرنامج النووي الإيراني”، مضيفاً أنه “من الآن وصاعداً فالباب مفتوح للدبلوماسية، ولكن هذا يعتمد على ما تقوله إيران وما تفعله، وما إذا كانت تتفاعل أم لا”.
هذا الموقف المتطور لرأس الدبلوماسية الأميركية يتزامن مع تقدم جهود الوساطة القطرية – البريطانية مع طهران للتوصل إلى تسوية من أجل إطلاق سراح المعتقلين الأميركيين في السجون الإيرانية، وهي مفاوضات تعطلت أكثر من مرة على مدى السنوات الخمس الماضية متأثرة بمستوى التوتر بين الطرفين وتصاعد خلافاتهما حول عدد من النقاط المتعلقة بالتفاوض غير المباشر حول عدد من الملفات، إلا أن اللافت في عملية التفاوض الجارية حول المعتقلين هو دور الوسيط الذي تلعبه الحكومة البريطانية، وكيف استطاعت أن تلعب هذا الدور في ظل التصعيد الذي مارسته وتمارسه ضد إيران خلال الأسابيع الأخيرة، ووصلت إلى مستوى بحث مجلس العموم تصنيف قوات حرس الثورة منظمة إرهابية، فضلاً عن سلسلة عقوبات فرضتها بشكل منفرد على خلفية الدور الإيراني في الحرب الأوكرانية إلى جانب روسيا.
حال التعجب سرعان ما تنهار أمام حقيقة الثمن المعلن الذي قدمته لندن للجانب الإيراني والمتمثل في الضغط على مؤسسة “إيران إنترنشيونال” الإعلامية، بحيث بات من الصعب عليها ممارسة دورها الإعلامي من الأراضي البريطانية والبدء بالتفكير في الانتقال إلى الأراضي الأميركية، وقد لا يكون مستبعداً أن تعمد الحكومة البريطانية إلى ممارسة الضغط على مؤسسة “بي بي سي الفارسية” لإعادة النظر في سياساتها تجاه النظام في طهران والأحداث التي تشهدها إيران، تلبية لرغبة أو موقف إيراني بات واضحاً أنه يعاني حساسية مفرطة وعالية من المؤسسات الإعلامية الدولية، بخاصة تلك الناطقة باللغة الفارسية.
هذه التطورات أو الخطوات أثارت حساسية المندوب الدائم لروسيا في مؤسسات الأمم المتحدة ميخائيل أوليانوف الذي شكك في إمكان التزام أميركا والـ “ترويكا” الأوروبية بتنفيذ الاتفاق النووي، بخاصة في المواقف التي صدرت عن ممثل السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل حول حزمة عقوبات أوروبية جديدة ضد إيران.
أوليانوف الذي يدرك كما الجانب الإيراني أن التصعيد الأميركي والأوروبي الأخير ضد إيران والعقوبات التي تفرض عليها نتيجة اتهام طهران بالوقوف إلى جانب موسكو وتقديم الدعم العسكري لها في حربها على أوكرانيا ولذلك فهو يحاول كما إدارته عرقلة أو إعاقة أي تقارب غربي – إيراني في هذه المرحلة، لجأ إلى تحريض طهران بوجه الإجراءات الأخيرة ومواقف بوريل من خلال التأكيد أن “بروكسل لا تفهم أن مثل هذه اللغة لا تجدي نفعاً مع السلطات الإيرانية”.
وقد لا يكون أوليانوف بعيداً من حقيقة الموقف الإيراني، فطهران ذهبت إلى التصعيد في مواقفها المعلنة مع الاحتفاظ بقنوات التواصل الخلفية، فالزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى العاصمة الصينية بكين والاتفاقات التي وقعها مع نظيره الصيني شي جينبينغ بخاصة في قطاعي المال والطاقة، شكلت رداً على تمسك الـ “ترويكا” الأوروبية وواشنطن بسياسة العقوبات في محاولة لإيصال رسالة واضحة بأن خياراتها مفتوحة على تعميق وتعزيز علاقاتها وتحالفاتها الإستراتيجية مع موسكو وبكين، طالما أن واشنطن وأوروبا لا تتعامل مع مطالبها بجدية.
لا شك في أن فاتورة العواصم الغربية ستكون كبيرة في حال كانت تسعى إلى استمالة طهران وإبعادها من المحور الصيني – الروسي في وقت تسعى موسكو إلى زرع ما أمكنها من عراقيل لإعاقة هذه التفاهمات من دون أن تتحمل المسؤولية المباشرة عن فشل المفاوضات، وهذا الجدل بين المحورين والضغوط التي تمارس لمنع أي تحرك قد يؤدي إلى انفجار منطقة الشرق الأوسط، يشكلان مصدر قلق لدى القيادة الإسرائيلية التي تتخوف من أن يأتي يوم وتجد نفسها وحيدة في مواجهة الطموحات الإيرانية في الإقليم، وأن عليها التعامل بمفردها مع حقيقة إيران النووية وما فيها من تهديد مباشر لمصالحها، بخاصة إذا ما استطاعت طهران تفكيك عقد ملفاتها الإقليمية وعلاقاتها مع دول الجوار.
اندبندنت عربية