مقالات

إيران…. الغموض التكتيكي لا يفيد

إميل أمين
في كلمته أمام أعمال الدورة ال 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عن ضرورة منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وشدد على أهمية جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
 
نظرة المملكة للإقليم المضطرب وكما تبدت في كلمات الملك سلمان تقوم على دعم الحوار لتحقيق السلام، واعتبار إيران دولة جارة، وعلى أمل أن تؤدي المحادثات معها إلى إقامة علاقات.
 
السلام هو الخيار الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط، هكذا يقطع خادم الحرمين، والرياض لم ولن تدخر جهدا في الوساطة الإيجابية لحل مشكلات المنطقة المعقدة والمركبة، غير أن السؤال الواجب طرحه: “هل إيران راغبة حقا في التخلي عن مشروعها النووي من جهة، والأفكار التسلطية الساعية للهيمنة وتعكير صفو وسلام الشرق الأوسط والخليج العربي من جهة تالية؟
 
لتكن البداية من عند آخر التطورات الخاصة بعلاقة إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أعلنت إيران عن تفكيك كاميرات المراقبة المركبة في منشآتها بموجب الاتفاق النووي، مشيرة إلى أن هذا القرار جاء ردا على ما أسمته تقصير بعض أطراف الاتفاق عن الوفاء بتعهداتهم.
 
من جانب آخر ونهار الأحد الماضي كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعلن عن تقاعس طهران عن الوفاء الكامل بشروط اتفاق أبرم قبل أسبوعين، فقد قال المدير العام للوكالة “رفائيل غروسي”، إن قرار إيران عدم السماح للوكالة بدخول ورشة تصنيع مكونات أجهزة الطرد المركزي في ،”كرج “، يتناقض مع الشروط المتفق عليها للبيان المشترك الصادر في يوم 12 سبتمبر الجاري.
 
وما بين تفكيك الكاميرات، ومنع الدخول إلى منشأة كرج، يعن للمرء أن يتساءل ما الذي تخفيه طهران، وهل هي تتلاعب بالوكالة الدولية أم بواشنطن وبقية الدوائر الغربية التي تسعى من جديد في طريق إحياء الاتفاق النووي مع الملالي؟
 
باختصار غير مخل يمكن القطع بأن الإيرانيين يتلاعبون بالمعسكر الغربي كما يتلاعب المرء بحبات مسبحته، فقد راكمت طهران إمكانات تستخدم اليوم في نواح عديدة للضغط بشكل أساسي على الولايات المتحدة من أجل إعادتها إلى الاتفاق النووي.
 
عمدت إيران منذ 2019 بصورة خاصة إلى التوسع السريع في برنامجها النووي، سواء من خلال زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، أو الوصول إلى نسب تخصيب أعلى من المصرح لها به في الاتفاق النووي الأخير ، عطفا على تركيب عدد أكبر من أجهزة الطرد المركزي المتطورة.
 
هذه الرافعة النووية الإيرانية، وبحسب غالبية إن لم يكن كل التقديرات جعلت الفترة المقدرة التي تفصل إيران عن عتبة حيازة السلاح النووي، قد تقلصت إلى ثلاثة أشهر، بعدما كانت سنة، ولا يظن أحد أن إيران عازمة على التراجع أو التوقف، قبل أن تصل إلى مبتغاها…
 
ما هو الهدف الإيراني والذي تسعى إليه من خلال لعبة التحايل التي لا تنطلي على الذين يعرفون مساراتها ومساقاتها النووية على وجه التحديد؟
 
من الواضح أن إدارة إبراهيم رئيسي تعمد إلى المزيد من الغموض التكتيكي، بهدف ابتزاز الدوائر الغربية معنويا ونفسيا قبل أي شيء.
 
منذ بدايتها تكرر على مسامع الجميع رغبتها في رفع العقوبات، وتعلن وزارة الخارجية الإيرانية أنها سوف تستأنف المفاوضات عما قريب.
 
لكن على الجهة المقابلة، لم يصدر تصريح واحد من إدارة رئيسي يظهر موقفها من جولات التفاوض السابقة ولا توقعاتها ومطالبها في ما يتعلق بالمفاوضات المقبلة، وكأن المطلوب هو التعمية عن شهوة قلب إيران الحقيقية.
 
هنا يبدو الهدف الواضح والفاضح لخطط إيران متمثلا في رهاناتها على أمرين:
 
أولا : ما راكمته من نجاحات لبرنامجها النووي، ومؤكد كذلك الصاروخي، وبقية رؤاها للأسلحة التقليدية، لا سيما البحرية في مياه الخليج العربي، ناهيك عن تهديداتها السيبرانية.
 
ثانيا: عبر التهديد المباشر بوكلائها وأذرعها العسكرية في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي.
 
تحتاج الجزئية الثانية إلى إلقاء المزيد من الضوء عليها، وهي تفهم بشكل كبير في ضوء تصريحات، غلام رشيد، القائد العسكري الإيراني لما يعرف ب “مقر خاتم الأنبياء”، والذي أعلن الأحد الماضي في مقر الأركان العامة في طهران، عن وجود ستة جيوش خارج الأراضي الإيرانية ، تدين بالولاء لطهران ، وتحمل ميولا عقائدية ومهمتها الدفاع عن طهران ضد أي هجوم، وتشمل حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد، وقوات النظام في سوريا، والحشد الشعبي العراقي، وميليشيا الحوثيين في اليمن، مؤكدا أن تلك القوات تمثل قوة ردع بالنسبة لإيران.
 
هل لهذا ذهب وزير الخارجية الأمريكي بلينكن إلى القول إن بلاده تقترب من نقطة حاسمة تصير معها العودة إلى الاتفاق النووي غير مجدية؟
 
الحقيقة المؤكدة هي أن إيران تطلب ضمانات أن لا يتكرر ما حدث في عهد ترامب، وقناعتها أن الضمانة الوحيدة هي حيازة السلاح النووي… أما بقية الغموض التكتيكي فلا يفيد.
 
نقلا عن العربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى