مقالات

مواجهة المشروع الإيراني.. كيف ولماذا الآن؟

عاطف السعداوي – خبير الشؤون الاستراتيجية والدولية

في مايو من العام 2018، وفي إطار إستراتيجيتها الشاملة المنبثقة عن رؤية جديدة للخطر الإيراني، أعلنت واشنطن عن رغبتها في تأسيس “تحالف دولي ضد إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار” يجمع بلداناً كثيرة من حول العالم لهدف محدد هو مراقبة النظام الإيراني من خلال منظور أكثر واقعية.

ليس من خلال منظور الاتفاق النووي فقط، بل من خلال كل أنشطته المزعزعة للاستقرار التي لا تشكل تهديدا للمنطقة فحسب بل للعالم أجمع، وذلك حسبما جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية آنذاك هيذر ناورت.

في ذلك الوقت، أثيرت تساؤلات مهمة من قبيل: هل هذه الخطوة قابلة فعلاً للتنفيذ على أرض الواقع؟ وكيف سيكون شكل هذا التحالف إذا تكوّن؟ من هم أعضاؤه؟ وهل سيكون مجرد تحالف سياسي أم سيكون له شق عسكري؟ وهل هذه الخطوة مجرد محاولة تكتيكية لتعزيز الضغوط على إيران وشركائها الأوروبيين لدفعها لتغيير سلوكها وتقديم تنازلات والقبول بتسوية تستجيب للمطالب الأميركية تجنبا لسيناريو آخر قد تكون القوة العسكرية أحد عناصره؟ أم تمثل خطوة جديدة بين خطوات أخرى تعكس تحولا جذريا في الإستراتيجية الأميركية حيال ملفات المنطقة لا سيما الملف الإيراني؟

وبعد مرور نحو 4 أشهر من الإعلان عن فكرة هذا التحالف، وتحديدا في سبتمبر 2018، بدا أن إدارة ترامب قد بلورت الملامح الأولية لشكل هذا التحالف وفلسفته، وذلك بإعلان نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج العربي، تيم ليندركينج، تفاصيل حول بنية التحالف وأهدافه بعيدة المدى. ففي حواره مع صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية، كشف ليندركينج عن أن الولايات المتحدة الأميركية ومصر والأردن، إضافة إلى الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ستكون ضمن أعضاء التحالف الذي سيحمل اسم (تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي “ميسا”)، وتوقع حينئذ أن يتم الإعلان عن إطلاق هذا التحالف خلال قمة تستضيفها بلاده خصيصا لهذا الأمر في يناير 2019، مؤكدا أن فكرة تحالف “ميسا” هي بناء درع قوية وجيدة ضد التهديدات في منطقة الخليج العربي، واصفا إيران بأنها تعتبر “التهديد الأول” على قائمة “ميسا”، وهو نفس ما ذهب إليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أثناء استضافته، في الثامن والعشرين من سبتمبر 2018، اجتماعا في نيويورك مع نظرائه في دول مجلس التعاون ومصر والأردن. فبعد الاجتماع، خرجت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية لتقول إن الاجتماع ناقش مسألة إقامة “تحالف إستراتيجي شرق أوسطي” لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ومواجهة أنشطة إيران الخبيثة الموجهة ضد المنطقة والولايات المتحدة.

ولكن رغم مرور أكثر من عامين من الإعلان عن هذه الفكرة التي كانت إحدى الركائز المأمولة لإستراتيجية إدارة ترامب لمواجهة الخطر الإيراني، لم تخرج إلى النور وظلت حبيسة الأدراج والاجتماعات المغلقة، ولم تجد أي فرصة لتنفيذها على أرض الواقع، ولعل هذا ما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يوم الأحد الماضي إلى تذكير الإدارة الأميركية الحالية باستئناف جهودها التي توقفت واتخاذ خطوة إضافية في هذا الشأن قبل أن تغادر مواقعها،  وإلى حث الإدارة الأمريكية الجديدة إلى استكمال ما بدأته سالفتها، لذلك دعا نتنياهو خلال استقباله مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين إلى “تشكيل جبهة واحدة لمكافحة التهديد الإيراني” قائلا  “طالما استمرت إيران في قهر وتهديد جيرانها، وطالما استمرت في دعوتها لتدمير إسرائيل، وطالما استمرت في تمويل وتسليح المنظمات الإرهابية في هذه المنطقة وحول العالم، وطالما واصلت سباقها للحصول على أسلحة نووية ووسائلَ لإطلاقها، فلا تجوز لنا العودة إلى وضع العمل كالعادة مع إيران”.

ومع استفحال خطر إيران في الآونة الأخيرة وتمادي نظامها في تحدي وتهديد المجتمع الدولي،  وهو ما تجلى مثالا لا حصرا في قرار برلمانها رفعَ نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة، ووقف عمليات التفتيش التي تُجريها الأمم المتحدة لمواقعها النووية، ووقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ربما يكون قد حان الوقت الآن لإعادة النظر في هذه الفكرة وطرحها مرة أخرى على طاولة النقاش، وذلك بعد التغيرات الهائلة التي طرأت على المنطقة خلال العامين المنصرمين والتي ربما تذلل العقبات التي حالت دون المضي قدما في تنفيذها، ولعل أهم التغيرات وأكثرها إيجابية في دفع هذا التحالف قدما هو استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية الفاعلة والمؤثرة في المنطقة، هذا المتغير ربما يسهل كثيرا من فرص تشكيل هذا التحالف، فاستبعاد إسرائيل من الصيغة الأولية للتحالف لم يكن منطقيا بحكم أنها إحدى أكثر الدول تضررا من الممارسات الإيرانية، وربما هذا ما أضعف الفكرة وجمدها، ولكن هذا الاستبعاد في ذلك الوقت ربما جاء بسبب صعوبة تسويق إسرائيل عربيا، أما الآن وقد أصبحت معظم الأطراف العربية المرشحة للانضمام لهذا التحالف تحتفظ بعلاقات طبيعية مع إسرائيل، فإن عائقا كبيرا قد زال.

تبقى هنا نقطة أخيرة تتمثل في أن الصياغة الأولى لفكرة هذا التحالف التي طرحت قبل عامين من الواجب إعادة النظر فيها في ضوء المستجدات التي شهدتها المنطقة، ولعل أول وأهم ما يستدعي إعادة النظر هنا هم الأعضاء المقترحون للانضمام لهذا التحالف ومدى انسجام سياساتهم مع الأهداف المبتغى تحقيقها من وراء تشكليه، وبالنظر إلى أن الهدف الرئيس لهذا التحالف سيكون مواجهة إيران وسلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة، فإنه يبدو مثيرا للاستغراب أن يشمل هذا التحالف دولا لا ترى في إيران خطرا أو تهديدا يستوجب مواجهته ولا ترى في سلوكها ما يستوجب الدخول في تحالف لتقويمه، فهناك من بين الأعضاء المقترحين في الصيغة الأولى لهذا التحالف من يرى إيران حليفا ويتعامل معها على هذا الأساس، فالإصرار على وجود حليف لإيران في تحالف ضد إيران يبدو أمرا غريبا ومناقضا لأهداف هذا التحالف وربما يكون سببا رئيسا لفشله، في المقابل هناك دول لم تشملها الصياغة الأولى للتحالف المقترح لكنها أكثر انسجاما مع أهدافه من بعض أعضائه المقترحين، فبعيدا عن منطقة الخليج كانت الرباط قد استبقت قرار واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي بقطع علاقاتها مع إيران في الأول من مايو 2018، نتيجة لما قالت إنه دعم وتدريب من “حزب الله” لجبهة البوليساريو، وبعد تطبيعها مؤخرا لعلاقتها مع إسرائيل يبدو المغرب مؤهلا وبقوة للانضمام لهذا التحالف إذا ما تم تشكيله،  وفي أوروبا وآسيا أيضا يبدو أن هناك دولاً لا تمانع من الانضمام لهذا التحالف.

خلاصة القول، إن الفيصل في نجاح أو فشل هذا التحالف، وأي تحالف، ليس في الإعلان عن تدشينه، لكن في مدى فاعليته واستمراريته وقدرته على تحقيق أهدافه، وهو أمر يرتبط بالأساس بمدى تناغم أعضائه وانسجام سياساتهم وتشاطر مخاوفهم ووحدة رؤيتهم لعدوهم ومكامن خطورته.

عن ” سكاي نيوز عربية ”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى