مقتل حسن إيرلو.. تقرير: دلالات انكسار مشروع الملالي في اليمن
اكدت مجلة المجلة في تقرير لها نشر بعددها الاخير انكسار مشروع الملالي في اليمن جاء ذلك علي خلفية التجاوز إلايراني الجديد والخروج عن التقاليد الدبلوماسية واستمرارها في سياسة الكذب بعد توجيه الاتهامات إلى المملكة العربية السعودية،حيث خرج وزير الخارجية الفارسي حسين عبد اللهيان بتصريح هجومي على أثر وفاة سفير طهران حسن إيرلو لدى جماعة الحوثي عقب نقله لتلقي العلاج بحجة إصابته بفيروس كورونا.
إذ حاول المسؤول الفارسي تحميل المملكة العربية السعودية مسؤولية الوفاة بحجة التأخر في منح الموافقة على نقله، كما جاء في تصريحه بأن «الجانب السعودي اتخذ قراره متأخراً وتلكأت بعض الأجهزة التنفيذية السعودية في هذا المجال»، متوعدا المملكة بأن طهران «ستعلن احتجاجا رسمياً وفق المعاهدات والمواثيق الدولية»، وهو ما أثار ردا قاطعا من الجانب السعودي، حيث عبر العميد الركن تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية عن موقف التحالف والمملكة الذي جاء متسقا مع الأعراف الدولية والأبعاد الإنسانية رغم كل التجاوزات والخروقات التي ارتكبها السفير الفارسي حسن إيرلو بحق قوات التحالف بل والشعب اليمني أيضا، إلا أن المملكة ورجالاتها ظلت متمسكة بمواقفها الإنسانية، وهو ما أكده المتحدث باسم التحالف بقوله: «إن قيادة القوات المشتركة للتحالف وتنفيذاً للتوجيه الكريم من القيادة أيدها الله بالمملكة باشرت تسهيل نقل المذكور لاعتبارات إنسانية تقديراً لوساطة دبلوماسية من الأشقاء في سلطنة عمان وجمهورية العراق بعد أقل من (48) ساعة من الإبلاغ عن حالته الصحية»، موضحا طبيعة التصريحات الإيرانية بأنها ليست بالأمر المستغرب، إذ عهد المسؤولون الإيرانيون على توجيه الاتهامات والأكاذيب بهدف تشويش الصورة والتغطية على أخطائها بحق الشعب اليمني وتدخلاتها غير المشروعة في شؤون المنطقة، ودعمها للفوضى والإرهاب في اليمن.
بل حرص المتحدث باسم التحالف على أن يدلل على إنسانية المواقف السعودية رغم الممارسات غير الأخلاقية والمخالفات القانونية التي ترتكبها طهران، في إشارته إلى أن ما قامت به المملكة هذه المرة لم يكن الأول من نوعه بل الثاني، حيث سبق أن قامت المملكة «بإخلاء مواطن إيراني مرتبط بالعمليات القتالية باليمن، بعد إخلاء أحد أفراد السفينة الإيرانية العسكرية (سافيز) بالبحر الأحمر في العام (2019م) من قبل القوات الجوية الملكية السعودية من على متن السفينة ونقله للعلاج بأحد المستشفيات بالمملكة لفترة طويلة جراء وضعه الصحي المتدهور، ومن ثم نقله عبر طائرة إخلاء طبي سعودية إلى مسقط بعد وساطة من الأشقاء في سلطنة عمان لإعادته وتسليمه لدولته (إيران)»، ولذا ما حدث اليوم هو تأكيد على التوجه الإنساني في السياسة الخارجية السعودية بغض النظر عن الانتماء المذهبي أو الديني للفرد المصاب أو الذي ألمت به مصيبة ويحتاج إلى عون ومساعدة.
واكد تقرير المجلة علي ان الموقف الإيراني المتردي كشف عن مدى إفلاس سياسة بلاده في الأزمة اليمنية، إلا أن الحادثة حملت دلالات متعددة تستوجب تسجيلها وقراءتها بشكل دقيق وصولا إلى جوهر الأزمة اليمنية ومستجداتها في قادم الأيام، وهو ما يمكن رصده من خلال ثلاث دلالات رئيسية على النحو الآتي:
الدلالة الأولى، تتعلق بحقيقة ما حدث للسفير الإيراني حسن إيرلو، والسبب الحقيقى لوفاته، هل يرجع إلى إصابته بفيروس كورونا كما جاء في بيان وزارة الخارجية على لسان متحدثها الرسمي سعيد خطيب زاده، في الثامن عشر من ديسمبرالجاري، أن حسن إيرلو أصيب منذ أيام بفيروس كورونا، وهو بحاجة لعناية طبية عاجلة، ونظرا لذلك قامت وزارة الخارجية باتصالات مع بعض الدول من أجل نقله إلى إيران لتلقي العلاج… وأدت في النهاية إلى تهيئة الاستعدادات اللازمة في سبيل انتقال السفير، أم يرجع السبب إلى إصابته في إحدى الضربات الجوية للتحالف؟ وإذا كانت مصادر عديدة تؤكد أن السبب يرجح أن تكون الوفاة بسبب إصابته في معركة عسكرية وليس بسبب إصابته بفيروس كورونا، وتدلل هذه المصادر على ذلك بأن مستشفيات صنعاء لم تسجل أي مراجعة طبية للسفير من أي مرض كما لم تظهر عليه أية أعراض للإصابة بالفيروس.
الدلالة الثانية، ترتبط بما رجحته الدلالة الأولى بأن الوفاة كانت بسبب إصابته في معركة عسكرية في مدينة مأرب حيث كان يقود السفير المعارك العسكرية للجماعة بحكم خلفيته العسكرية، حيث كان يعمل ضابط دفاع وخبير أسلحة مضادة للطائرات، وكان يعتبر من الضباط الأساسيين في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الذي كان يقوده قاسم سليماني قبل مقتله مؤخرا في العراق، وقد فرضت عليه الولايات المتحدة الأميركية نهاية عام 2020 عقوبات نظرا لدوره في تنسيق التعاون بين الحرس الثوري والحوثيين، يؤكد على ذلك ما نشره وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في تغريدة على صفحته بموقع «تويتر» أوردتها قناة «الإخبارية» اليمنية بأن: «دفع النظام الإيراني بالضابط في فيلق القدس حسن إيرلو حاكمًا عسكريًا بصلاحيات مطلقة في العاصمة المختطفة صنعاء، كان إيذانا بمرحلة جديدة من التدخل، تجلت في أن انتقلت طهران بها للواجهة في إدارة التصعيد السياسي وإجهاض الحلول السلمية للأزمة، وقيادة العمليات العسكرية ميدانيا في مأرب والبيضاء وشبوة».
الدلالة الثالثة، تتعلق بطبيعة الدور الذي كان يقوم به السفير الإيراني حسن إيرلو، على النحو الذي أودى به في النهاية إلى الوفاة متأثرا بإصابته في المعارك العسكرية التي تخوضها جماعة الحوثي ضد الحكومة الشرعية والشعب اليمني بمساندة التحالف العربي، وهو ما أوضحه وزير الإعلام اليمني في تغريدته التي سبقت الإشارة إليها حينما ذكر أنه في البداية: «احتفت ميليشيا الحوثي بحسن إيرلو، واستقبلته بالسجاد الأحمر، ومكنته طيلة فترة تواجده في صنعاء من قرارها السياسي والعسكري؛ ليمارس خلالها طقوس الحاكم الفعلي، الذي تصدر الاحتفالات.. يزور المؤسسات، يتفقد الأوضاع».
ولكن بعد عام من الوصول أخفق المشروع الإيراني في اليمن في ظل قوة التحالف العربي ودعم الشعب اليمني لحكومته الشرعية في مواجهة هذه الجماعة وحلفائها، خاصة في ظل الفشل تلو الفشل الذي أصاب عناصر الجماعة وادخلهم في حالة من الإحباط واليأس بعد أن اخفق حسن إيرلو الذي كان يقود المعارك في تحقيق أي نصر يُذكر، بل تزايدت خسائر الجماعة سواء في الأرواح أو الأسلحة والذخائر، والتي قدرتها بعض المصادر بوصول عدد القتلى إلى ما يناهز 35 ألف قتيل نتيجة سوء التخطيط والتوجيه، وهو ما أوجد حالة من القلق والغضب لدى عناصر الجماعة وأتباعها، بل تصاعدت لغة الرفض لسياسات السفير الإيراني وحكومته على النحو الذي أوردته وكالة الأنباء الألمانية، ونشرته كثير من التقارير الاستخباراتية التي كشفت عن وجود حالة من الرفض الحوثي لما كان يقوم به السفير الإيراني، خاصة على مستوى القيادات العليا في الجماعة على غرار ما بدا للعلن في أوائل العام الجاري حينما نظم السفير إيرلو احتفالا بمناسبة ذكرى مقتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني، إذ أحجمت بعض القيادات الحوثية عن الحضور.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل امتدت هذه المواقف الرافضة إلى أبناء الشعب اليمني الذي طفح به الكيل من الممارسات الإيرانية التي حاولت فرض هيمنتها على توجهاته وحياته بل ولغته العربية الأصلية، حيث فُرض عليهم الولاء للمرشد الإيراني، إلى جانب تعليمهم اللغة الفارسية، وهو ما قوبل بتصعيد حالة الضجر والرفض، عززتها معاناتهم اليومية بسبب حرب أدخلتهم في نفق مظلم من معارك لا يملكون فيها ناقة ولا جملا، وإنما وجدوا أنفسهم يدفعون ثمن حرب مفروضة عليهم لصالح أطراف أخرى، حيث يتم توظيفهم كأداة تستخدمها طهران ضمن أدواتها التفاوضية سواء على مستوى صراعاتها الإقليمية أو على مستوى مفاوضاتها الدولية التي تخوضها بشأن برنامجها النووي.
ورصدت “المجلة “مستقبل الدور الايراني في اليمن في ضوء هذه الدلالات الثلاث، حيث يمكن قراءة مستقبل الدور الإيراني في الأزمة اليمنية من خلال الإجابة التي أدلى بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أحد لقاءاته التلفزيونية حينما سُئل عن الحوثي واليمن، حيث لخصت إجاباته ما يجب أن يكون عليه الحوثي بأنه: «في الأخير الحوثي يمني ولديه نزعته العروبية التي نتمنى أن تحيا من جديد»، وهو ما يتطلب أن يدرك الحوثي تلك الحقيقة الجلية لانتمائه إلى جذوره العربية ولغته الأصلية وثقافته العروبية، بعيدا عن المخططات الفارسية التي أخفقت أمام صلابته من ناحية، وقوة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مساندته لحكومته الشرعية من ناحية أخرى. مع الأخذ في الحسبان أن وعي الحوثى لهذه الحقيقة مرهون بأمرين:
الأول: القراءة الواعية والدقيقة لما آلت إليه الأوضاع في بلده بفعل التدخل الإيراني الذي لا يزال يحاول توريطها في مزيد من الأزمات ولعل ما نشرته الأخبار مؤخرا عن مصادرة البحرية الأميركية لشحنة أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى اليمن عبر سفينة صيد لا يحمل علم أي دولة شمال بحر العرب. يؤكد على ذلك الإصرار الإيراني في تصعيده للأوضاع بدلا من بحثه عن حلول للسلام والاستقرار.
الثاني: مرهون بتعزيز دور حلفاء اليمن وشركائه في سرعة العمل على دعم الحكومة الشرعية لمواصلة حربها ضد ميليشيا الحوثي من ناحية، وتصحيح مفاهيم المواطنين اليمنيين القابعين تحت هيمنة الجماعة على نحو ما أشار إليه ولي العهد السعودي بأن الحوثي هو عروبي النزعة والهوية والهوى وأن ما ينقصه هو إزاحة التراب عن مكنونات ذاته وتعزيز انتمائه العربي في مواجهة الانتماء المذهبي الذي تحاول طهران وحلفاؤها ترسيخه في أذهانهم، في حين أن اليمنيين يحملون جذورهم المذهبية الزيدية التي تستعصي على الفناء استكمالا لريادة أئمتهم منذ القاسم الرسّي وحفيده الإمام يحيى الملقب بالهادي للحق الذي دخل اليمن، وهم يشعرون بأنهم يحملون الحق والرسالة الصحيحة لأتباعهم بعيدا عن المذهب الاثنى عشري الجعفري الذي تبنته الدولة الصفوية وأرادت به أن تحقق حلمها في إمبراطورية فارسية تهيمن على مقدرات المنطقة، ولكنها تخفق في كل مرة أمام صمود شعوبها، وصلابة أبنائها، وقوة إيمان قادتها.