مسيّرات بغداد تحط في بيان الإطار التنسيقي
حسن فحص
نقل الاعتداء الذي تعرض له منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بطائرة مسيّرة فجر الأحد الماضي المشهد المأزوم والمتأزم في البلاد، على خلفية اعتراض فريق من القوى السياسية على نتائج الانتخابات البرلمانية، إلى مرحلة أشد تعقيداً وإرباكاً، ليس على القوى العراقية بكل أطيافها وحسب، بل أيضاً على صعيد القوى الإقليمية المعنيّة بهذه الساحة.
القوى المعترضة على نتائج الانتخابات والمنضوية تحت مسمى الإطار التنسيقي، وتضم فصائل الحشد الشعبي والأحزاب التقليدية للمكون الشيعي، كانت ترى في الآلية التي لجأت إليها في تقسيم الأدوار بين المستوى السياسي الذي تتولاه القيادات السياسية والمستوى الشعبي الذي يمسك به فصيل “عصائب أهل الحق” من خلال التظاهرات السلمية التي حاصرت مداخل المنطقة الخضراء في بغداد، أنها آلية قد تسهم وتؤدي إلى محاصرة الحكومة وتفرض عليها إجراءات تأخذ بالاعتبار مطالبها، قبل أن ترفع مستوى التصعيد في حال عدم الاستجابة، وقد صبت المواجهات التي حصلت بين المتظاهرين وقوات حفظ الأمن وسقوط عدد من الضحايا والجرحى في تعزيز موقف هذه القوى لتشديد محاصرتها للحكومة ورئيسها، والمطالبة بمحاكمته لاتهامه بإصدار الأوامر وارتكاب أعمال القتل، فضلاً عن دوره المزعوم في تسهيل عملية التلاعب بنتائج الانتخابات بهدف تحجيم وتفكيك منظومة هذه الأحزاب والفصائل، وتعريتها من التمثيل البرلماني والسياسي، الأمر الذي يعزز مسار محاصرة دورها على الساحة العراقية وإضعافه.
التطور الأمني المتمثل في الاعتداء على منزل الكاظمي والذي يكاد يكون رسالة أكثر من كونه محاولة استهداف، خلط الأوراق أمام جميع الفرقاء، وإذا ما كان هذا الحدث الأمني قد صرف الأنظار مرحلياً عن الصراع الدائر حول نتائج الانتخابات ومطالب إعادة الفرز وصولاً إلى بعض الأصوات المطالبة بإعادة الانتخابات بأكملها، والدعوة إلى محاكمة الكاظمي وتحميله مسؤولية الضحايا الذين سقطوا نتيجة المواجهات بين المتظاهرين وقوات حفظ النظام، فإنه في المقابل أخرج البحث والجدل حول تشكيل الحكومة وأي من الكتل يحق لها اختيار رئيس الوزراء من التداول، على الأقل في الأيام المقبلة وحتى إعلان المحكمة الاتحادية النتائج النهائية للانتخابات.
منذ الساعات الأولى للإعلان عن هذه العملية الإرهابية تهافتت على العراق والكاظمي اتصالات الإدانة وبيانات الشجب، واعتبار الاعتداء محاولة لاستهداف استقرار العراق وأمنه والنظام السياسي، إلى الحد الذي دفع الإدارة الأميركية بشخص رئيسها جو بايدن إلى الإعلان عن وضع كل الإمكانات الفنية والاستخبارية لمساعدة التحقيق في الوصول إلى الجهة التي تقف وراء هذا الاعتداء، لكن من دون المسارعة إلى اتهام أي طرف عراقي داخلي أو إقليمي إيراني بهذا العمل. ودخل مجلس الأمن على خط الإدانة بوصف الاعتداء بالإرهابي، ومحاولة توجيه رسالة للأطراف التي تحاول اللعب بالمعادلة العراقية بأنها ستكون في مواجهة المجتمع الدولي، وعليها تحمل تبعات ومسؤولية ما تقوم به في العراق.
لم تتأخر القيادات العراقية المعنية بالتطورات الأخيرة، ومن منطلق إدراك خطورتها وحجم التهديد الذي قد ينتج منها في المبادرة لاستيعاب هذه الأحداث التي قد تشكل تهديداً وجودياً لها واستمراريتها في العملية السياسية، قبل أن تتراجع موجة الإدانات الدولية والإقليمية، وتحركت مدفوعة بتوصيات يقال إن المندوب الإيراني قائد قوة القدس في حرس الثورة الجنرال إسماعيل قاآني حملها معه إلى بغداد في الزيارة التي قام بها على وجه السرعة، لقطع الطريق على تفاقم وتصاعد التوتر ومنع وصوله إلى مواجهات، وقبل أن يصل إلى مرحلة التفجير.
بغض النظر عن التسريب الذي يتحدث عن أن زيارة قاآني إلى بغداد جاءت بطلب من رئيس الوزراء الكاظمي، إلا أنه مع الاجتماعات التي عقدها مع قادة الفصائل الموالية لإيران وقيادات الإطار التنسيقي ورئيسي الجمهورية برهم صالح والحكومة الكاظمي، نجح وقبل مرور 24 ساعة على استهداف منزل الكاظمي، في ترتيب اجتماع موسع شاركت فيه جميع هذه الأطراف، فجلس المتهم بالجناية واستهداف منزل رئيس الحكومة أو قتل المتظاهرين إلى جانب من يضع نفسه في موقع المجني عليه أو المستهدف، سواء الكاظمي أو المعترضين على نتائج الانتخابات.
هذا التطور والبيان الذي صدر عن الاجتماع الموسع وتوقيع جميع المشاركين عليه، خرج في نقاطه الخمس بحقائق غير إيجابية على موقع رئاسة الحكومة بما تمثله من رمزية الدولة ومؤسساتها وهيبتها وسيادتها، لجهة أنه جاء في المادة الثانية بعد المادة الأولى التي تتحدث عن “إدانة جريمة استهداف المتظاهرين وإكمال التحقيقات القضائية المتعلقة بها، ومحاسبة المتورطين في هذه الجريمة”.
أما المادة الثانية فجاء فيها “رفض وإدانة جريمة استهداف منزل رئيس الوزراء، وإكمال التحقيق فيها، ورفد فريق التحقيق بفريق فني متخصص لمعرفة كل حيثيات الجريمة، وتقديم المسؤولين عنها إلى القضاء”.
ولعل الأخطر في هذا الموقف ما جاء في المادة الرابعة من البيان والمتعلقة بموضوع الانتخابات ونتائجها وموقف قوى الإطار التنسيقي، فهي تحدثت عن ضرورة “البحث عن معالجات قانونية لأزمة نتائج الانتخابات غير الموضوعية، تعيد لجميع الأطراف الثقة بالعملية الانتخابية التي اهتزت بدرجة كبيرة، والدعوة إلى اجتماع وطني لبحث إمكان إيجاد حلول لهذه الأزمة المستعصية”.
موافقة الكاظمي على هذا النص تحمل اعترافاً منه بما تدعيه هذه القوى حول النتائج، وتشكل تنازلاً خطراً أمامها من قبل رأس السلطة التنفيذية التي تولت الإشراف والإعداد لهذه الانتخابات، ولطالما أكدت على نزاهتها، ودعمت موقف المفوضية المستقلة للانتخابات.
رائحة التسويات التي تفوح من هذا الاجتماع الذي شارك فيه رئيس السلطة القضائية فائق زيدان وغياب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أعادت وضع الكاظمي في دائرة التنافس في سباق الشخصيات المرشحة لتولي تشكيل الحكومة المقبلة في حال تم التوصل إلى إيجاد مخرج لأزمة الاعتراض على نتائج الانتخابات، إلا أن الأخطر في هذه التسويات المحتملة هو البحث عن إخراج لحادثة الاعتداء على منزل رئيس الحكومة، خصوصاً أن الكاظمي أكد بعد الحادثة أنه يملك معلومات عن الجهة التي قامت بالتنفيذ، ووعد بالكشف عنها، وقد يكون المخرج لذلك هو تحميل المسؤولية لأفراد غير منضبطين وليس للفصيل الذي ينتمون إليه، بخاصة أن البيان تضمن تأكيد الجميع “حرصهم على السلم الأهلي ومعالجة جميع الإشكالات وفق الأطر القانونية والسياسية المعمول بها”.
اندبندنت عربية