ما بعد المالكي… هل سيقع التغيير في العراق؟
فاروق يوسف
تبدو التسريبات التي تصدرت الأحداث في العراق مؤخراً كما لو أنها جزء من عملية، كان الهدف منها إزاحة نوري المالكي نهائياً من المسرح السياسي العراقي بعدما تمتع طويلاً بحصانته الشيعية. فزعيم حزب “الدعوة” كان إلى وقت قريب مطمئناً إلى أن عودته إلى الحكم صارت متاحة بعدما انسحب عدوه، مقتدى الصدر، من الملعب بتأثير مباشر من شغبه وإصراره على إعاقة تنفيذ الاستحقاق الانتخابي. غير أن ذلك الاطمئنان لم يعد قائماً بعدما تخلت عنه أطراف كان يجمعه بها الولاء لإيران، وهو مؤشر خطير على أن إيران هي الأخرى قد حسمت موقفها من المالكي كونه الرقم الذي لم يعد ملائماً لحساباتها في العراق.
وإذا كانت الدعوة التي وجهها الصدر إلى زعماء الميليشيات الذين كانوا قد التفوا حوله في وقت سابق للعودة إلى اسماعيل قآني باعتباره مصدر القرار هي ورقته الأخيرة التي حاول من خلالها الايحاء بأن علاقته بـ”الحرس الثوري” الإيراني لم تنقطع، فإن الحذر الذي أظهره أولئك الزعماء من الانزلاق إلى النزاع بينه وبين الصدر قد كشف عن ضعف حيلته في مرحلة تحتاج الأطراف كلها إلى إبداء نوع من المرونة في مواجهة الشارع.
كان تحالف القوى الخاسرة في الانتخابات المسمى بـ”الإطار التنسيقي” قد قام على أساس البحث عن السبل الكفيلة لتهذيب مشروع مقتدى الصدر في الإصلاح ومحاربة الفساد، وكان بقاء الميليشيات على حالها يحتل ركناً أساسياً من التفاهمات التي كان ذلك التحالف يطمح إلى الوصول إليها. لم تكن إزاحة الصدر وهو المنتصر قد وُضعت في جدول أعمال ذلك التحالف.
ولأن الصدر لم يظهر أي نوع من المرونة مع مطالب “الإطار” التي كانت تركز على إقامة حكومة توافقية بما يؤدي واقعياً إلى الغاء نتائج الانتخابات من خلال الوصول إلى معادلة “لا غالب ولا مغلوب” تحت شعار الحفاظ على تماسك “البيت الشيعي”، فقد حسم الخاسرون أمرهم على إعاقة عملية التصويت على رئيس جمهورية جديد للبدء بالإجراءات الدستورية لتعيين رئيس حكومة. حينها شعر الصدر بأن هناك متاهة جديدة ستبتلع دروبها محاولته الوصول إلى حكومة الأغلبية الوطنية وأنه مهما فعل فإن التعطيل سيكون في انتظاره. لذلك اختار في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الديموقراطيات أن ينسحب من العملية السياسية تاركاً الفضاء كله مفتوحاً أمام خصومه لتشكيل الحكومة التي تناسبهم. وهو ما تعامل معه المالكي بسذاجة رجل لا يفهم في السياسة شيئاً بحيث اعتقد أنه سيستعيد أمجاده ويكون رجل المرحلة المقبلة.
تلك كانت الشعرة التي قصمت ظهر “الإطار التنسيقي”. صحيح أن الطريق صارت مفتوحة في اتجاه تشكيل الكتلة الأكبر في مجلس النواب التي سيكون في إمكانها أن تهيمن على الحياة السياسية في المرحلة المقبلة، غير أن المالكي بعدما اختفى خصمه صار يشكل عقدة للمتحالفين معه بسبب طموحاته الشخصية التي هي مزيج من الزعامة المتخيلة ومحاولة الدفاع عن النفس بعدما شعر بأنه مستهدف من حرب مقتدى المزعومة على الفساد. بدا واضحاً بالنسبة إلى خصوم الصدر أن المالكي سيجرهم إلى الموقع الذي تمناه لهم الصدر. أن يكونوا في خصومة جاهزة مع الشعب بسبب شخص المالكي الذي يتحمل من وجهة نظر الشعب مسؤولية الكثير من مظاهر الخراب التي يعيشها العراق وفي مقدمها الفساد المستشري في مفاصل الدولة والهيمنة الإيرانية المطلقة على العراق وبالأخص على المستوى الاقتصادي ودعم السلاح الفالت الذي لا يقع تحت سيطرة الدولة. كما أن المالكي الذي أدار حرباً أهلية استمرت لسنتين هو المسؤول عن هزيمة الجيش العراقي عام 2014 التي نتج منها احتلال الموصل من قبل التنظيم الارهابي “داعش”.
عقدة المالكي ليست مثل عقدة الصدر
لقد تخلى الصدر عن أصوات العراقيين التي ذهبت في صندوقه وهو أسوأ ما يمكن أن يفعله سياسي، غير أن المالكي قرر أن يجر مَن لم ينتخبوه إلى لحظة صدام قد تقضي على النظام السياسي بشكل نهائي. وبسبب شعوره بالعزلة فقد جاءت التسريبات لتزيد الأمور تعقيداً. المالكي وحزبه متهمان بسرقة أموال العراق. لا يزال الجزء الأكبر من ماكينة الفساد يُدار من قبلهما. ما فعله المالكي حين دعا إلى حرب شيعية – شيعية إنما هو جزء من فلسفة الحكم التي تبناها يوم كان يحظى بالدعم الأميركي وهو اليوم يحلم بدعم إيراني لن يجده. إيران التي يعرفها يوم هرب إليها بعد هزيمة الموصل تغيّرت. كان عليه قبل أن يحرض على الحرب الأهلية أن يدرك أن الفريق الموالي لإيران لا يرغب في أن يقود الخلاف مع مقتدى الصدر إلى حرب وهو ما يعني خلاف ما يعتقد أن إيران ليست لها مشكلة مع مقتدى. فهل أحرق المالكي كل أوراقه وهو يتوهم أنه يدافع عن إيران؟
ستكون نهاية المالكي محتمة. فالرجل يقيم في ماضيه ولا مستقبل له. ولكن هل سيعيد الآخرون النظر في حساباتهم بعد أن يتم حذف المالكي من المعادلة السياسية؟
ذلك هو رهان المرحلة المقبلة. وهي مرحلة ستشهد تغييراً، لكن ليس بالمستوى الذي يحلم به الشعب.
نقلا عن “النهار العربي”