لماذا لا ترد طهران على استهداف قواعدها بسوريا؟
طوني فرنسيس
يحار المراقبون في تفسير السلوك الإيراني إزاء الضربات الإسرائيلية في سوريا التي تستهدف مواقع “الحرس الثوري” والميليشيات التابعة، فعلى الرغم من مئات الهجمات لم يتحرك الإيرانيون للرد على الرغم من تصريحات قادتهم شبه اليومية عن تدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود.
في الأيام الأخيرة أخرجت إسرائيل مطار حلب من الخدمة بعد أن كانت فعلت الأمر ذاته في مطار دمشق وشنت مطاردة جوية بوليسية لطائرة إيرانية قيل إنها تحمل شحنة أسلحة بين حلب ودمشق ومنعتها من الوصول إلى هدفها.
كانت الغارة على مطار حلب، الثلاثاء الماضي، الثانية من نوعها خلال سبعة أيام، وفي الأيام التي سبقتها ولحقتها تحدث مختلف قادة الجيش و”الحرس” في إيران بنبرة عالية ضد إسرائيل وأميركا، وأعلنت طهران عن إرسالها مذكرة تحذير إلى الدول التي تستضيف جنوداً أميركيين من الضرر الذي سيصيبها جراء هذه الاستضافة، ومع ذلك فإن أي موقف لم يصدر جراء الغارات التي فاق عددها الـ20 ضربة منذ بداية العام على القواعد الإيرانية في بلاد الشام.
لم تستهدف إيران إسرائيل ولم ترد علىح هجماتها، لكنها لم تتوان في أوقات متقاربة عن التحرش بالأميركيين، فبعد الهجمات المسيّرة على قاعدة “التنف” استولت بحرية “الحرس الثوري” على سفينة حربية أميركية مسيّرة ذاتياً في مياه الخليج العربي، وبعد ثلاثة أيام احتجزت سفينة مماثلة في البحر الأحمر قبل أن تتدخل البحرية الأميركية وتتفاوض للإفراج عن السفينتين، وتم ذلك التفاوض بلغة دبلوماسية رفيعة فإيران اتهمت البحرية الأميركية بتعريض الشحن الدولي للخطر، فيما وصفت القيادة المركزية الإجراءات الإيرانية بأنها غير قانونية وغير مهنية وكأن البلدين ليسا في حال نزاع شديد التوتر.
انتهت الغارات على “التنف” برد جوي أميركي محدود وجرى تفاوض مهني على استعادة قاربي البحرية ولم يقع الصدام الكبير الذي تتحدث عنه طهران كثيراً، أما في حال الهجمات الإسرائيلية، فيسود صمت مهيب من الجانبين. إسرائيل لا تتبنى الغارات وإيران لا تتحدث عنها ولا ترد حتى ببيان من بضع كلمات.
تتعدد التفسيرات في شأن هذا السلوك، وأحدها أن طهران تعطي الأولوية لحفظ دورها في سوريا بالاتفاق مع روسيا وهي لا تريد فتح جبهة من سوريا ضد تل أبيب كي لا تعرض تحالفها مع موسكو للانهيار ولعلمها أن روسيا وإسرائيل تنسقان جيداً بما في ذلك العمليات ضدها.
يوم الجمعة الماضي قدمت صحيفة “كومرسانت” الروسية وصفاً وافياً للوضع الإيراني في سوريا فقالت “طلب الجيش الروسي مراراً من زملائه الإيرانيين تغيير مواقع التشكيلات المسلحة التابعة لسيطرته حتى لا تتستر بالروس والسوريين كدروع بشرية”.
ويبدو واضحاً أن الإيرانيين لم يستجيبوا. هذه واقعة أولى. أما الثانية، فهي أن هناك نظام تحذير بين روسيا وإسرائيل، وفي هذا الصدد لاحظت الصحيفة الروسية أن الإسرائيلين عادة ما يبلغون عن هجماتهم قبل أقل من دقيقة من تنفيذها، عندما تكون الطائرات باتت في الجو.
الواقعة الثالثة أن هناك اتفاقاً سابقاً بين روسيا وإسرائيل على أن تتجنب الأخيرة المناطق التي تضم منشآت عسكرية روسية، ومع ذلك قصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع قريبة من القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس.
يدرك الإيرانيون أن الجيش الروسي لن يدخل في مواجهة مع إسرائيل، فالعلاقات بين الطرفين أمتن بكثير من الحديث المتجدد عن تقارب استراتيجي بين طهران وموسكو، وهم لا شك يعرفون أن الثمن الذي تريده إسرائيل هو إخراجهم من سوريا وهذا ما لا يبدو أن روسيا قادرة أو راغبة فيه إلا مقابل ثمن أميركي كبير قوامه إطلاق يدها في سوريا وانسحاب القوات الأميركية من “التنف” وربما من شرق سوريا كله، وفي هذه العملية الكبرى ستكون إسرائيل لاعباً مفيداً في الضغط الميداني وفي دور الوسيط مع الأميركيين.
ربما لهذه الأسباب جميعها تمارس إيران سياسة النعامة تجاه الضربات الإسرائيلية ضدها في سوريا، فوجودها في هذا البلد وامتداداً في لبنان عنصر أساس في سياستها التوسعية، ومن دون هذا الحضور ستفقد تأثيرها الإقليمي فيما منطقة نفوذها العراقية تمر بمرحلة انتقالية.
لن ترد إيران على إسرائيل مباشرة وستواصل التهديد بتنظيماتها ورعاياها، وهذا قائد الدفاع الجوي في الجيش الإيراني يعلن في آخر خطابات القادة الإيرانيين أنه “إذا أراد الإسرائيليون تسريع زوالهم فلينزلوا إلى الساحة”.
لم ير العميد علي رضا صباحي شيئاً مريباً في سوريا حتى الآن، ومع ذلك هدد أعداءه بسواعد غيره مذكراً بحربي غزة ولبنان ولم يشر إلى أية معركة خاضتها جيوشه ضد إسرائيل.
اندبندنت عربية