في ذكرى المجزرة البشرية الإيرانية
سوسن الشاعر
يكاد يكون وصول رئيسي لسدة الرئاسة الإيرانية تعييناً لا انتخاباً، وذلك بعد أن استبعد خامنئي بقية منافسيه، فخامنئي يشعر أنه محاصر بالوقت، نظراً لكبر سنه والأمراض التي يعاني منها فيشعر أن الوقت يداهمه، وبهذا القرار يوجه خامنئي رسالة واضحة للشعب الإيراني، هي الرسالة ذاتها التي وجهها سلفه الخميني للشعب الإيراني بعد استسلامه للعراقيين، وشعوره أن الوقت يحاصره.
خامنئي كنظيره السابق الخميني من الشخصيات التي إن حوصرت تطرفت إلى أقصى حد، فبعد أن تجرع الخميني كأس السم وأعلن عن استسلامه وهزيمته في حربه مع العراق، شعر أنه محاصر بالهزيمة ونظرات الشعب الإيراني تلسعه، فما كان منه إلا أن أصدر فتواه الشهيرة بقتل كل من يقبع في السجون من الإيرانيين المعارضين لحكم الملالي، وقد كانوا بعشرات الآلاف، والأهم أن الموجودين في السجن قد تمت محاكمتهم وصدرت عليهم أحكام، لكن الخميني محاصر ولا بد من رسالة قوية.
فأصدر فتوى الإعدام الشهيرة، ولغرابتها، وتردد بعض الملالي، وتشكيك آخرين في صحتها، أرادوا التأكد، ولخوفهم منه في ذلك الوقت وجهوا سؤالهم لابنه أحمد، وبدوره هو من أرسل يستفسر من والده حول حقيقة فتواه، فكتب له «والدي المحترم سماحة الإمام مد ظله العالي: بعد التحية.. اتصل بي هاتفياً آية الله موسوي أردبيلي للاستفسار عن بعض مما ورد في الحكم الصادر مؤخراً عن سماحتكم بخصوص المنافقين (حسب وصف خميني لهم)، من خلال ثلاثة أسئلة طرحها وهي: 1 – هل هذا الحكم يشمل هؤلاء الذين كانوا في السجون، وسبق أن تمت محاكمتهم، وحكم عليهم بالإعدام، من دون أن تتغير مواقفهم، ولم يتم تنفيذ الحكم بحقهم بعد؟ أم حتى الذين لم يحاكموا ولم يحكم عليهم بالإعدام؟ 2 – هل يشمل المنافقون المحكوم عليهم بالسجن وقضوا فترة من محكوميتهم إلا أنهم ما زالوا متمسكين بنفاقهم؟ 3 – بالنسبة للمنافقين في المحافظات المستقلة قضائياً وغير تابعة لمركز المحافظة، هل يجب إرسال ملفاتهم إلى مركز المحافظة، أم بإمكانهم العمل بشكل مستقل؟» ولدكم – أحمد.
وحين أحصي عدد من سيشملهم تنفيذ هذا الحكم ووجدوا أنهم 33 ألف إيراني، غالبيتهم في السجون، وتمت محاكمتهم ويقضون مدة عقوبتهم، أمر خميني بإعدامهم؛ إذ قال في فتواه، «إن استخدام الحزم الإسلامي حيال أعداء الله هو من المبادئ التي لا مجال للتردد فيها في النظام الإسلامي. آمل لكم أن تكسبوا رضا الله باستخدام غضبكم وحقدكم الثوريين ضد أعداء الإسلام. وعلى السادة الذين يتولون المسؤولية في تطبيق المصاديق ألا يترددوا في ذلك أبداً. فإن التردد في مسائل القضاء الثوري الإسلامي إهمال وتجاهل لدماء الشهداء الزكية. والسلام. روح الله الموسوي الخميني».
أحد المعترضين على هذه الفتوى كان السيد منتظري، نائب المرشد الأعلى حين ذاك، وقد كان أعلى مرتبة فقهية منه، فقال للخميني «إن إعدام المحكومين بالسجن وهم الذين لم يرتكبوا ذنباً جديداً ظلم»، ثم استعطفه قائلاً: «وأرجو أن تستثني النساء، خصوصاً اللواتي لهن أولاد، علماً بأن إعدام عدة آلاف شخص خلال بضعة أيام لن يكون له مردود جيد».
1988 تموز 31 – 1408 الحجة ذي 16 حسين على منتظري
ثم أرسل له رسالة ثانية ثم ثالثة يعرض له فيها نماذج من الحالات التي تم إعدامها ولا تستحق الإعدام، فما كان من الخميني إلا عزله وهدده بتطبيق حكم الشرع عليه!
وشكلت لجنة الموت، وكان إبراهيم رئيسي، الرئيس الحالي، أحد أهم أعضائها، وأشرف على تنفيذ الإعدامات، فقال منتظري للخميني «ما قمتم به أبشع جريمة ترتكب في الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تأسيس النظام إلى الآن، والتاريخ سوف يديننا، وسوف يسجل أسماءكم في قائمة المجرمين». ثم صرح: «اليوم تقومون بإعدام السجناء من دون أن يكونوا مارسوا أي نشاط جديد، وهذا يعني أن جهازنا القضائي مخطئ برمته». من بعدها قرر خميني وضعه تحت الإقامة الجبرية.
كيف يمكن أن يتعاطى المجتمع الدولي مع خامنئي، وهو الذي عين رئيسي الذي نفذ فتوى الخميني وأعدم عشرات الآلاف؛ أسر بأكملها ومنهم أطفال لم يتجاوزا 15 عاماً ونساء حوامل أشرف رئيسي على عمليات إعدامهم بنفسه منفذاً فتوى رئيسه؟
السفير الدكتور عبد الله المعلمي، مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة، في مداخلة له، يقول «لا ينبغي نسيان عمليات الإعدام المنفذة من قبل النظام الإيراني عام 1988، وراح ضحيتها 30 ألفاً من السجناء الإيرانيين، في وقت ما زال صداها يتردد حتى الآن في المجتمع الإيراني، من دون أن تطال يد العدالة المسؤولين عن ذلك الحادث».
يقول رضا بهلوي شاه إيران السابق، إن «رفع العقوبات عن النظام الإيراني عمل غير أخلاقي»، ومن ثم فإن مجرد الجلوس مع فريق يشكله رئيسي هو أيضاً عمل غير أخلاقي.
الشرق الأوسط