مقالات

سلاح النفط سلبا وإيجابا

أنس بن فيصل الحجي

النفط والسياسة توأمان… ويمكن التخفيف من الدور السياسي في النفط، ولكن لا يمكن فصلهما. الأدلة التاريخية على ذلك كثيرة، وكتب فيها العديد من الكتب والبحوث الأكاديمية ومئات المقالات الصحافية.

النفط سلعة استراتيجية عالمية، لهذا كان تدخل السياسة المحلية والعالمية في صناعة النفط منطقياً، ونتج عن ذلك حروب وتحالفات ومعاهدات، كما أسهم ذلك في رسم حدود عدد من الدول.

وعند الحديث عن السياسة والنفط، لا بد من التذكير بفكرة ذكرت في مقال سابق وهي أن العلاقة بينهما متشابكة: إما أن تؤثر العوامل السياسية في النفط، أو يؤثر النفط في السياسة، أو أن العلاقة متبادلة في أمثلة كثيرة حيث تؤثر حادثة سياسية ما في النفط، وينتج عن ذلك تأثر النفط بالسياسة.

ولعل أبرز الأمثلة على ترابط السياسة بالنفط تاريخياً هو تحول البحرية البريطانية إلى النفط، ونتج عن ذلك ارتباط النفط بالأمن القومي، الأمر الذي أجبر الحكومة البريطانية على شراء الحصة الكبرى في شركة نفط الأنجلو- فارسية (أصبحت فيما بعد شركة النفط البريطانية بي بي)، ومن ثم سيطرتها عليها.

وكان من نتائج ذلك استخدام النفط كسلاح في الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي مكن الحلفاء من ربح الحرب، وتأسيس نظام عالمي جديد.

ولو نظرنا إلى العراق، نجد أن تركيز الأميركيين على النفط العراقي ليس لإرواء عطش الولايات المتحدة من النفط، وإنما للسيطرة على مصدر قوة الخصم من جهة، وبناء نظام جديد بتمويل من إيرادات هذا النفط بدلاً من الاعتماد على دافع الضرائب الأميركي.

سلاح النفط

تاريخياً، ظن البعض أن تعبير “سلاح النفط” يعني قيام دول منتجة للنفط باستخدامه كسلاح عن طريق وقف تصديره أو تخفيض الصادرات إلى دولة معينة بهدف إجبارها على تغيير موقفها من أمر معين. وسبب انتشار هذا المفهوم، هو الضجة الإعلامية والسياسية الضخمة التي حصلت بعد فرض بعض الدول العربية مقاطعة نفطية على الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بسب دعمها لإسرائيل أثناء حرب رمضان في أكتوبر (تشرين الأول) 1973.

إلا أن المفهوم تطور مع الزمن، فليس ضرورياً أن تكون الدول منتجة للنفط لوقف الإمدادات، إذ تستطيع الدول المستهلكة فرض حظر نفطي على صادرات دولة منتجة. وتشير البيانات التاريخية إلى أن أكثر دولة استخداماً لسلاح النفط بهذا الشكل هي الولايات المتحدة، أحياناً بالتعاون مع الأمم المتحدة، وأحياناً أخرى مع دول أوروبية. إلا أن اللافت للنظر هو توسع الأمر لفرض حظر نفطي على دول مستهلكة أيضاً لمنع وصول النفط أو المنتجات النفطية إليها.

كما توسع المفهوم بشكل أكبر بسبب قيام مجموعات مختلفة، منها مجموعات إرهابية، بضرب منشآت الطاقة، بما في ذلك أنابيب وناقلات النفط. ومع تقدم التقنية، أصبح الهجوم السيبراني على المنشآت النفطية ضمن سلاح النفط. المشكلة في هذه التطورات أن من يقوم بهذه العمليات في أغلب الأحيان مجهول والأهداف غير واضحة. سلاح النفط التقليدي تستخدمه دول معروفة لتحقيق أهداف واضحة ومحددة.

روسيا وسلاح النفط

عند الحديث عن سلاح النفط والهجوم الروسي على أوكرانيا، علينا وفقاً لما ذكر أعلاه، تقسيم المفهوم إلى قسمين: الأول قيام الولايات المتحدة وحلفائها بفرض عقوبات نفطية على روسيا التي تشمل أي عقوبات تؤثر سلباً في قطاع النفط الروسي، وهذا يشمل وقف إمداد قطاع النفط الروسي بقطع الغيار، أو وقف المدفوعات عنه، أو وقف الاستثمار فيه، أو وقف صريح لاستيراد النفط من روسيا.

إلا أن الإعلام الغربي سيركز على المفهوم التقليدي لسلاح النفط، لو قام بوتين بحظر صادرات النفط أو الغاز إلى دول أوروبية معينة (وهو أمر لا أتوقع أن يحصل حالياً كما شرحته بشكل مفصل في مساحات تويتر). إلا أن الجانب الإعلامي المرتبط بهذا الموضوع هو جزء من سلاح النفط أيضاً. فقيام الإعلام الغربي بالتحذير المستمر من قيام روسيا بوقف صادراتها من النفط والغاز هو سلاح أيضاً، مهمته التحريض والتخويف. في المقابل، فإن قيام مسؤولين روس كبار بالتحذير من أن أسعار النفط قد تصل إلى 300 دولار هو أيضاً جزء من سلاح النفط، ويصب في المحور نفسه.

وإذا قامت فئة تابعة لأحد الطرفين بهجوم سيبراني على منشآت النفط والغاز في الدول المعادية، فإن هذا نوع من أنواع سلاح النفط. المشكلة هنا أن كثيراً من الضحايا هم من المدنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الخلاف الروسي- الأوكراني.

مشكلة سلاح النفط

المشكلة الأساس في سلاح النفط هي أن استخدام الولايات المتحدة والدول الأوروبية أو روسيا له ينعكس سلباً على كل الدول النفطية الأخرى، حتى التي لا علاقة لها بالموضوع على الإطلاق. فسياسات الدول المستهلكة ستركز على تخفيض الطلب على النفط بطرق شتى، وهذا بدوره يخفض أسعار النفط أو يحجم من ارتفاع أسعاره، وهذا يخفض إيرادات الدول المنتجة كلها.

وكما حصل في الماضي، سيصبح النفط المشجب الذي يعلقون عليه فشل سياستهم، ومن ثم يؤلبون الرأي العام ضد النفط والدول النفطية وشعوبها، رغم أنهم لاعلاقة لهم بالخلاف الروسي – الأوكراني. المشكلة الأخرى أن هناك دول فقيرة جداً بدأت رحلتها مع النفط حديثاً، وفجأة ستجد نفسها في معمعة العداء لها ولنفطها، نتيجة الخلافات الروسية – الأميركية – الأوروبية. وأفضل مثال على ذلك: غايانا وسورينام واللتان تعدان من أفقر دول العالم تاريخياً.

نقلا عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى