حكومة نتنياهو متيقنة من عدم الضغط الأميركي عليها
وليد فارس
خلال الأسابيع الأخيرة خرجت تطورات درامية هائلة عدة، بدأت أولاً في تصعيد للضربات الصاروخية من “حزب الله” باتجاه إسرائيل، فقامت الدولة العبرية بعمليات لا مثيل لها في تاريخ المجابهات، إذ أدخلت فيها إنجازات إلكترونية في تصفية مئات من الكوادر التابعة لـ”حزب الله”.
وبدت الآلة العسكرية والأمنية والسياسية للحزب في طبقاتها العالية أنها على وشك الانهيار، فاستعدت القيادة الخمينية في طهران بعدد من حلفائها في الضاحية الجنوبية، وذلك بعد عمليات إسرائيلية تتعلق بوسائل الاتصال الداخلية بالبيجر، فشهد ما لم يشهد له الحزب ولا المؤسسات الأخرى مثيلاً في تاريخهم، فكانت الكوادر تنفجر وتنهار على الأرض أمام أعين القاعدة العسكرية والشعبية. فتفشى هلع كبير، مما دفع قياده الحزب داخل لبنان إلى التشاور مع القيادة الخمينية في طهران.
على إثر ذلك وضعت خطة المجابهة تبدأ بقصف أحمر دموي لمناطق عدة داخل إسرائيل، إلا أن الاستخبارات الإسرائيلية ضبطت هذه المعلومات واستعدت لضربة استباقية ضد الحزب.
ومن المعلومات أن الإسرائيليين حصلوا على برنامج تنقل الأمين العام للحزب، وقاموا بضربتهم الجوية الكبيرة على الضاحية التي أدت إلى قتل قائد الميليشيات الخمينية في لبنان وعدد من زملائه.
بالطبع هذا الأمر أدى إلى تعبئة كاملة في المعسكر المناوئ للنظام الخميني بالمنطقة بصورة عامة ولبنان بصورة خاصة، حتى إن موجة الفرح والابتهاج وصلت إلى إدلب شمال سوريا حيث قام المعارضون السنة باستعراضات واحتفالات كبيرة، علماً أن بعضاً منهم من “الإخوان المسلمين” ولكنهم من أشد أعداء نظام الأسد.
تصفية الأمين العام للحزب وجزء كبير من القيادة العليا والمتوسطة، بما فيها السياسية والميدانية تحولت إلى ضربة قصم الظهر الحزب، لا سيما على صعيد القيادة الاستراتيجية والتخطيط، ولكنها بالفعل لم تلغه عملياً على الأرض. فلا تزال شبكاته قائمة وقوته النارية مستمرة، وبات جسماً واسعاً يحتاج إلى قيادة جديدة ستقوم القيادة الإيرانية بإنتاج قيادات جديدة للميليشيات الخمينية بحسب الظروف، وبحسب ما سيأتي بعد ذلك منذ كتابة هذه المقالة.
خرجت تقارير عن دخول آليات إسرائيلية إلى جنوب لبنان وتصعيد القصف في الضاحية الجنوبية وأماكن أخرى من البلاد، السؤال الآن يطرح هل ألغي الـ”ستاتيكو” من المعادلة اللبنانية أم أنه ألغيت قيادة هذا الحزب ومحاولة استدراج البلاد للتطبيع والتخلي عن مشروع التحالف مع الجمهورية الإسلامية.
لا يمكننا الرد الآن عن هذه الأسئلة، ولكن الاتجاهات العامة ستتحدد بين تطورات الأرض وبين الانتخابات الأميركية، وفي الحقيقة بداية 2025.
وهناك تساؤل أكبر حول قرار النظام في إيران، هل يرد على إسرائيل بقصف هائل للداخل الإسرائيلي يلزم الدولة العبرية بالتفاوض حول وقف إطلاق النار، أو هدنة من طرف واحد وتشمل إسكاتاً للنار من القوة النارية لـ”حزب الله”.
ويصعب التكهن هنا، لأن الحكومة الإسرائيلية تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجدت نفسها في معادلة تظن بأن الإدارة الأميركية لن تضغط عليها لأحد السببين، الأول إذا نجحت كامالا هاريس ومع أنها متحالفة سياسياً مع جماعات راديكالية متواصلة مع النظام الإيراني وميليشياتها في المنطقة، إلا أنها تعلم تماماً أنه لم يكن لديها قدرة في الضغط على إسرائيل أولاً قبل نهاية يناير (كانون الثاني)، والثانية ربما لأشهر وأشهر في السنة الأولى من حجمها لأسباب داخلية صرف في أميركا.
أما السبب الأخير فإنه إذا انتصر ترمب فالتحالف بين الطرفين، أي إدارة ترمب وحكومة نتنياهو، سيكون بقوة لم يشهد لها مثيل في الماضي، وتعطي ضوءاً أخضر هادراً للقوات الإسرائيلية بأن تستكمل عملياتها داخل لبنان ضد هذه المنظمة، إلا أن حكومة نتنياهو لا تريد الدخول في حرب برية ما لم تكن هناك أسباب ضاغطة.
فالحكومة لا تريد خسارة بشرية خلال هذه العمليات كي لا تخسر الانتخابات المقبلة، والرأي العام الإسرائيلي أصبح دقيقاً جداً في تأييده أو لا للعمليات الجغرافية الميدانية الإسرائيلية، لذلك نرى أنه بعكس غزة فإن المواجهة بين إسرائيل و”حزب الله” وسائر الميليشيات في لبنان كان بمعظمها قصف من الطيران و”درونز” وعمليات إلكترونية هائلة عبر البيجر والوكي توكي ووسائل أخرى. بتلخيص شديد فإن “حماس” خسرت استراتيجياً سيطرتها على قطاع غزة، ولو أبقت مجموعات عسكرية مقاومة في القطاع.
أما “حزب الله” فخسر قيادته الاستراتيجية ومواقع كثيرة لصواريخ، ولكنه حتى الآن وحتى كتابة هذه المقالة لا تزال له القوة العسكرية البشرية القادرة على أن تقاوم أي اجتياح بري للقوات الإسرائيلية.
يقول بعضهم إن القيادة بإمكانها أن تتجدد مع دعم إيراني، وأن التواصل الجغرافي بين مواقع “حزب الله” وقواعده في لبنان عبر سوريا والعراق إلى إيران لا يزال قائماً، إلا أن الانتصار الأكبر لإسرائيل ضد “حزب الله” وبالتالي ضد الميليشيات الإيرانية في المنطقة كان على الصعيد النفسي.
فقد صدمت هذه القوة في طول وعرض الشرق الأوسط، عندما رأت أن قوة قادرة باتت تفرغ قيادة “حزب الله” في هيكلها العظمي من قدرته البشرية في التصدي لها كقاعدة والصواريخ، ومن هنا فإن دور النظام الإيراني الآن هو إعادة بناء الثقة بالنفس لدى ميليشياته وستكون الأولوية في هذه المرحلة.
ولكن تطوراً جديداً، وهو محاولة دخول إسرائيل إلى بعض المواقع الميليشياوية في لبنان، وعدم معرفة كل الأطراف بالحدود التي ستصل إليها إسرائيل هو أمر يربك الجبهة الخمينية أو محور المقاومة، وهناك تطورات قد تكون أخطر على “المحور الإيراني”.
هذا ما سنكتب عنه في المقالة القادمة.
نقلا عن اندبندنت عربية