حزب الله يترك حماس وحيدة: هل تؤدي محادثات لبنان لاستمرار حرب غزة؟
تتزايد المخاوف بين سكان قطاع غزة في ظل التقارير التي تشير إلى احتمال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، حيث يتوقع البعض أن توجه إسرائيل قواها العسكرية بشكل كامل نحو القطاع. إن الحرب المستمرة مع لبنان أجبرت الجيش الإسرائيلي على توزيع قواته على جبهتين، مما أدى إلى انسحاب بعض قواته من مناطق عدة في قطاع غزة.
ومع الحديث عن هدنة قريبة في لبنان، عزز الجيش الإسرائيلي وجوده في منطقة جباليا شمال غزة، حيث أُرسل لواء كفير إلى جانب لواءي غيفعاتي و401. أفاد شهود عيان بأن آليات الاحتلال العسكرية تركز تواجدها في محيط مخيم جباليا والمناطق الشرقية والغربية لمحافظة شمال القطاع، في وقتٍ تفرض فيه حصارًا خانقًا يمنع دخول المساعدات الأساسية، مما ينذر بتفاقم الأوضاع الإنسانية هناك.
يعتقد المحللون السياسيون أن الجيش الإسرائيلي سيكثف جهوده على جبهة غزة، خاصة مع تعطل المساعي للتوصل إلى اتفاق تهدئة مع حركة “حماس”. التصريحات الرسمية الإسرائيلية تشير إلى أن هناك “مصلحة استراتيجية طويلة الأمد” في القضاء على حركة حماس على الصعيدين العسكري والسياسي، كما أن هناك رغبة في تعزيز الأمن الإسرائيلي عبر تفكيك قدرات حزب الله ومنع إيران من تعزيز وجودها.
يلاحظ المراقبون أن حزب الله قد بدأ في تقليل دعمه لحماس، مما يجعل الأخيرة تواجه مصيرها وحيدة في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل. في الوقت الذي تركز فيه إسرائيل قواتها العسكرية في قطاع غزة، قد تكون نواياها الاستراتيجية مرتبطة بتحقيق أهدافها في إنهاء حكم حماس.
ومع استمرار الحرب، تتفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة. الحصار الإسرائيلي يمنع دخول المساعدات الأساسية، مما ينذر بكارثة إنسانية، في وقت تزداد فيه الاحتياجات الملحة للسكان. تجري محادثات بين الوسطاء حول هدنة مؤقتة، لكنها لا تتضمن حلاً دائمًا لمشاكل غزة.
ويقول مراقبون إنه إذا استمرت المحادثات بين لبنان وإسرائيل دون إشراك حماس، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة في غزة. يتساءل الكثيرون عن قدرة الحركة على الاستمرار في المقاومة في ظل هذه الظروف الصعبة، ومدى استعدادها لمواجهة التحديات الجديدة بمفردها
وفيما يتعلق بالاحتلال، تمكن الجيش الإسرائيلي من السيطرة على أجزاء كبيرة من شمال غزة، حيث تتزايد الأصوات المطالبة بإعادة الاستيطان في منطقة “غوش قطيف” التي تم تفكيك مستوطناتها عام 2005. في هذا السياق، قامت منظمات يمينية بتشكيل ائتلاف يهدف إلى استعادة تلك المستوطنات، مستلهمةً من نجاحاتها السابقة في إلغاء قانون الانفصال في الضفة الغربية.
وفيما يخص حركة “حماس”، أكد مصدر قيادي أن وفد الحركة تلقى مقترحات من وسطاء في مصر وقطر تتعلق بهدنة مؤقتة تشمل زيادة عدد شاحنات المساعدات وتبادل جزئي للأسرى، لكن هذه المقترحات لا تتضمن وقفًا دائمًا للعدوان أو انسحاب الاحتلال من القطاع.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أكد استمرار الحرب حتى القضاء على حكم حماس وتحرير الرهائن المحتجزين في القطاع. تشير تعهداته إلى أن العمليات العسكرية لن تتوقف إلا بتوقف حماس عن المقاومة، مما يترك الحركة أمام خيار واحد هو الاستمرار في القتال. وفي سياق الأهداف الإسرائيلية، أوضح محللون أن نتنياهو يسعى إلى تأمين عدم حكم حماس أو أي جهة أخرى للقطاع مستقبلاً.
وحدد نتنياهو أهدافه من حرب غزة بإنهاء حكم حماس والقضاء عليها وتحرير الرهائن الإسرائيليين الذي تحتجزهم الحركة حالياً في القطاع، لكنه أضاف إلى هذه الأهداف مؤخراً تنفيذ ما يسمى بـ”خطة الجنرالات” في شمال القطاع وإقامة مناطق عازلة داخل لمنع تكرار هجوم السابع من أكتوبر 2023.
من جانبه قدم إيدي كوهين، الباحث في المركز الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية، رؤية مختلفة حول الأهداف الأوسع لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. واعتبر كوهين أن طموحات نتنياهو تتجاوز مجرد تأمين الإفراج عن الرهائن، مشيرًا إلى أن أحد الأهداف الرئيسية هو منع حركة حماس أو أي جهة أخرى من الحكم أو السيطرة على غزة مرة أخرى.
ويعتقد كوهين أن الحل الوحيد لإنهاء الصراع هو ضمان عدم وجود لحماس أو لمن سيخلف زعيمها إسماعيل هنية أي دور في مستقبل القطاع، مؤكدًا أهمية تأمين الحدود لمنع تهريب الأسلحة. يأتي ذلك في وقت يتحدث فيه المجتمع الدولي عن الأزمة الإنسانية المتزايدة في غزة.
في هذا السياق، أجرى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مكالمة هاتفية مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، حيث تناولت المحادثة “الوضع الإنساني المتردي في غزة” وضرورة اتخاذ إجراءات لزيادة المساعدات للمدنيين. أشار بلينكن أيضًا إلى التزام الولايات المتحدة الثابت بأمن إسرائيل ضد التهديدات التي تمثلها إيران ووكلائها.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية حذرت من عواقب الفشل في معالجة الأزمة الإنسانية خلال فترة زمنية محددة. في الأسابيع الأخيرة، كان متوسط عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة يوميًا أقل بكثير من الأرقام المطلوبة، مما يزيد من القلق حيال الوضع الإنساني المتردي.
قبل بداية الحرب الحالية، كان يُدخل إلى القطاع حوالي 500 شاحنة يوميًا، وهو الحد الأدنى المطلوب لدعم سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. لكن هذا الرقم تراجع ليصل إلى معدل 13 شاحنة يوميًا قبل أن يرتفع إلى 71 شاحنة في الفترة الأخيرة، بعد التحذيرات الأمريكية.
السيناريوهات المستقبلية لحماس في غزة تبدو ضبابية، بينما يراقب المجتمع الدولي عن كثب التطورات في المنطقة. هل ستبقى حماس قوية أمام التحديات؟ أم ستؤدي المحادثات الجارية إلى تغييرات جذرية في ميزان القوى في الشرق الأوسط؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذه الأسئلة.