حرب غزة “حربان”… مسرح محصور أم مفتوح؟
رفيق خوري
حرب غزة بدأت قبل عملية “طوفان الأقصى” ولا نهايه لها مهما يكن حجم الدمار والغزو البري، وهي عملياً حربان متكاملتان، واحدة مباشرة تدور بين إسرائيل وحركة “حماس” ومعها “الجهاد الإسلامي”، يستخدم فيها كل طرف أقصى القوة بجميع أشكالها إلى حد أن تل أبيب تمنع الماء والغذاء والكهرباء عن أهل غزة، غير عابئة بقوانين الحرب ومناقضة حتى لمبدأ قديم في حروب المدن اليونانية أيام الإغريق، وهو امتناع كل طرف من قطع المياه عن عدوه، وحرب ثانية بالوكالة بين داعمي الطرفين.
الولايات المتحدة على الأرض في ما سماه الرئيس الأميركي جو بايدن موقفاً “لا يتزعزع في الالتزام بأمن إسرائيل”، فاتحة ترسانتها العسكرية لها ومرسلة حاملة الطائرات “غيرالد فورد” إلى شرق المتوسط ووزير خارجيتها أنتوني بلينكن الذي أعلن أنه جاء إلى القدس “كوزير للخارجية ويهودي” للاطمئنان على أن لدى الدولة العبرية كل ما تحتاجه في الحرب.
ما تركز واشنطن عليه هو حصر جبهة الحرب في غزة عبر تحذير أعدائها من فتح جبهات أخرى، كما أوضح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ورئيس الأركان تشارلز براون، وما تحرص على إعلانه هو أن إرسال حاملة الطائرات”رسالة ردع” لا إشارة إلى الانضمام للقتال.
داعمو “حماس” هم “حزب الله” ومعه الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران في اليمن والعراق وسوريا، وما يفعلونه حتى الآن هو إعلان الاستعداد للانضمام إلى الحرب والتهديد بضرب القوات الأميركية في المنطقة، مع تبادل محسوب ومحدود للقصف بين “حزب الله” وإسرائيل عبر جبهة الجنوب.
أما إيران، وهي مركز الدعم، فإن حروبها دائماً بالوكالة، والنائب الإيراني المتشدد حسين جلالي يقول صراحة إن “طهران لا يمكن أن تخوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل بل باستخدام القوى المقاومة، وهذه سياستنا الاستراتيجية منذ بداية الثورة، لكننا سنقدم دعماً لـ ’حماس‘”.
وكل داعم يواجه ظروفاً متحركة قد تدفعه الى الدخول المباشر في الحرب، فأميركا التي تركز على “الردع” مضطرة إلى أن يكون لديها جواب عن سؤال ماذا تفعل إن لم ترتدع القوى المطلوب ردعها واندفعت في المعركة ضمن استراتيجية “وحدة الساحات” وبدأت عمليات ضد القوات الأميركية؟ هل ترد عسكرياً بصورة مباشرة أم تتراجع وتخسر حتى قوة الردع؟
والفصائل المسلحة الداعمة لـ “حماس” محكومة بالدخول إلى القتال إذا تمكن الغزو الإسرائيلي البري من ضرب الحركة، وبالتالي إفقاد طهران استثماراً ثميناً لها، أو تفرط “استراتيجية وحدة الساحات” ضمن “محور المقاومة”، والسؤال كبير أمام إيران، فهل تقرر دفع “حزب الله” إلى فتح جبهة الجنوب اللبناني والجولان السوري وتغامر باحتمال أن تضيف إلى خسارة استثمارها في غزة خسارة استثمارها الأكبر والأغلى في لبنان؟
خطاب طهران ووكلائها يوحي بأن “محور المقاومة” هو سيد اللعبة وصاحب النصر الإلهي دائماً، والمفارقة كبيرة، فأميركا وروسيا وأوروبا والصين أدركت بالخبرة والتجربة حدود القوة، وآخر تجلياتها انكشاف حدود القوة الروسية في حرب أوكرانيا، أما القوة التي تفاخر بها إيران والفصائل المسلحة المرتبطة بها فإنها بالنسبة إليها قوه بلا حدود.
ماوتسي تونغ الذي تحالف مع الرئيس نيكسون ضد موسكو في السبعينيات اعترف بأنه كان واهماً عندما صك في الماضي شعار “أميركا نمر من ورق”، لكن جمهورية الملالي لا تزال تتطلع إلى صواريخها وطائراتها المسيرة فترى أميركا أقل من “نمر من ورق” وإسرائيل أوهى من “بيت العنكبوت”، من دون أن ترد على قصف إسرائيل لمراكزها وأسلحتها في سوريا.
اللعبة دقيقة وخطرة في حربين متكاملتين، ونتائج الحرب الأولى المباشرة بين “حماس” وإسرائيل تحدد الشكل الذي ستأخذه الحرب الثانية غير المباشرة، وتطورات الثانية تحدد مصير الأولى، ولا حساب في الألعاب الجيوسياسية والاستراتيجية للوقت الذي هو بالنسبة إلى المدنيين من دم ودموع ودمار وتهجير.