مقالات
الموقف السعودي من لبنان: من يملك خطة بديلة لحزب الله..؟
علي الخشيبان
المملكة العربية السعودية تدرك أنه ليس هناك من أحد يملك خطة بديلة تنتزع سيطرة هذا الحزب سوى الشعب اللبناني الذي يتعرض هو الآخر لعملية ترويض صارمة، فلا يسمح في لبنان اليوم بنظام سياسي فعلي مستقل، ولا نظام تعليمي ولا نظام صحي ولا أي شكل من عناصر التنمية..
قبل أيام فوجئ الإعلام العربي والخليجي بتصريحات مرتبكة صدرت عن وزير الإعلام اللبناني، الذي مرر عبر هذه التصريحات ثمن توزيره ودعمه للوصول إلى هذه الحكومة التي لا يبدو أنها تملك خطة بديلة عن حزب الله الذي يدير مفاصل هذه الدولة بكل قوة، إن تصريحات الوزير اللبناني تدعونا لإعادة فتح الجدل القديم الجديد الذي لم يحسم بعد حول موقف السعودية من لبنان وضرورة بناء نموذج براغماتي يحقق التوازن في هذه العلاقة من خلال منهجية تبادلية وشراكة مستقرة تضمن الاستمرار، السعودية لم تتوقف محاولاتها السياسية في البحث عن مخرج مجزئ يضمن للبنان الاستقلالية عن سيطرة حزب الله.
في علم الدول والعلاقات الدولية فالعالم يعتبر لبنان بفضل سيطرة حزب الله دولة فاشلة سياسياً، بلداً تتفوق فيه قلة الكفاءة وتتضاعف فيه عمليات الفساد، وهو مسرح يوفر حصانات للمجرمين الراغبين في الإفلات من العقاب، هكذا هي منتجات السياسة اللبنانية منذ أن استطاع حزب الله أن يتحكم في مسيرة انهيار لبنان، وقد حاولت السعودية منذ اتفاق الطائف في العام 1989م أن تدعم هذه الدولة وشعبها الذي يتعرض إلى الكثير من الضغوطات السياسية والاقتصادية لتبني مواقف لا تعبر عن حقيقة أفكاره ورغباته، فعبر اتفاق الطائف حاولت السعودية دعم فكرة السلام والتسامح بين الطوائف في لبنان بشكل متوازن من أجل إعادة الحياة اللبنانية إلى الهدوء بعد حرب أهلية مدمرة.
اليوم أصبح لبنان يعاني من وجود طبقة سياسية فاشلة ساهمت في إطلاق العنان لحزب الله أن يحقق إنجازاته للسيطرة على الدولة اللبنانية التي أصبحت مجرد كيان كرتوني متهالك في قبضة حزب الله، لقد كان اتفاق الطائف فرصة لتصحيح المسار في لبنان، ولكن كان هناك من يرغب في إبقاء الجروح اللبنانية تتطور وتتعمق تحت تقسيمات حزبية وسياسية، ما سمح بأن يكون لبنان مقصداً وفرصة للراغبين في توظيف هذه الدولة لصالح مشروعات هدفها تدمير المنطقة، وهذا ما حدث من حزب الله الذي تحول منتجاً لكل المخدرات السياسية والمخدرات الكيميائية من أجل تدمير المنطقة ونسف مقدراتها.
فحتى إسرائيل استخدمها حزب الله كغطاء سياسي للترويج لأعماله، وأن وجود الحزب في لبنان هو من أجل مقاومة إسرائيل التي لم تتضرر من حزب الله إلا بالهجوم الإعلامي الذي لم يسعف وزير إعلام الدولة اللبنانية أن يتحدث عنه، بينما أطلق العنان لهجوم السعودية مناقشاً قضية ليس للبنان فيها أي طرف أو اتصال سوى أن لبنان – وعبر حزب الله – هو مسار العبور لتخريب العالم العربي ودعم توجهات إيران والحرب عنها بالوكالة.
لقد ساهم حزب الله في تفجر لبنان من الداخل وخاصة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005م، وقد سمحت هذه الحادثة بتوغل أكبر للمشروع السياسي لحزب الله، وأصبح لبنان جزءاً من حروب بالوكالة تنفذ لصالح إيران وغيرها من أعداء الأمة العربية، وأصبح التناسب الطردي للحالة اللبنانية منذ مصرع الحريري من خلال أنه “كلما تم تشكيل حكومة لبنانية جديدة ساهمت في جعل لبنان معزولاً ومنفصلاً عن محيطة العربي”، ونلحظ ذلك بوضوح خلال العقد الماضي، فلم يعد الحزب يخجل من إعلان سيطرته التامة على لبنان، وأن أحداً لن يكون في حكومة لبنان إذا لم يكن موالياً للحزب أو على أقل تقدير يخشى الحزب ولا يتخذ ضده أي موقف سياسي في الحكومة اللبنانية.
المملكة العربية السعودية تدرك أنه ليس هناك من أحد يملك خطة بديلة تنتزع سيطرة هذا الحزب سوى الشعب اللبناني الذي يتعرض هو الآخر لعملية ترويض صارمة، فلا يسمح في لبنان اليوم بنظام سياسي فعلي مستقل، ولا نظام تعليمي ولا نظام صحي ولا أي شكل من عناصر التنمية بهدف تمكين حزب الله من فرض قيوده عبر ربط متطلبات الهوية والشخصية اللبنانية بوجود الحزب وأن ابتعاد الحزب عن لبنان هو تدمير لها، السعودية والعالم العربي بأكمله يدركان أن ثمن تصحيح المسار في لبنان مرتفع جداً، ولكن الفرصة الوحيدة سياسياً هي الشعب اللبناني الذي يجب أن يكون في حالة رهان مستمرة مع نفسه من أجل تغيير الحالة اللبنانية؛ لأن البديل مزيد من الأزمات ستؤدي في نهاية المطاف إلى الانهيار مع تنامي تفكك منظومة الداعمين الدوليين للبنان، وعلى رأسها دول الخليج التي يمكن أن يؤدي وقف دعمها للبنان إلى أن تعود لبنان إلى مربع السبعينات الميلادية.
* نقلا عن “الرياض”