المبادرة والابداع في العمل الثوري
د- فالح حسن شمخي
ان تكون مناضلا في حزب ثوري ، شيء ، وان تكون موظف حكومي او منتمي الى حزب موسمي شيء اخر .
كلنا يعرف الروتين التي تعيشها دوائر الدول وحتى المتقدمة منها ، فكتابنا وكتابكم والصادر والوارد والبريد المستعجل والخاص والسري والشخصي … الخ ، وكلنا يعرف الهمة والنشاط التي تعيشها الاحزاب الموسمية والاعضاء المنتسبين ايام الانتخابات وتوزيع الغنائم والمغانم ، والتي يليها الدخول في سبات عميق طوال الاعوام الاربعة التي تلي الانتخابات والعمل بالمثل الشعبي العراقي ( اكل وصوص )، وصف الاحزاب الموسمية اعلاه يشمل الحركات الاسلاموية التي تضيف اليه الولاء التام لمرجعيتها الحاكم بامر الله (الحاكمية )، التي تعتقد بانها تستمد شرعيتها من الخالق جلت قدرته ، ومن القدسية المزيفة الحاكم على نفسه وبمباركة وتصفيق الحاشية .
الاحزاب الثورية ومنها حزب البعث العربي الاشتراكي لها دستور ونظام داخلي ولها ايدلوجية واستراتيجية وتكتيك ، وترفع شعارات اختبرتها على ارض الواقع ، ومنها ، الديمقراطية المركزية والمركزية الديمقراطية ، ومنها النقد والنقد الذاتي ، ومنها مبدأ نتحفظ عليه وهو مبدأ (نفذ ثم ناقش )، التحفظ على هذا المبدأ ياتي انسجاما مع حركة العصر والوعي وحرية الانسان وارادته الواعية ، وفشل هذا المبدأ بالتجربة ، فالحزب الثوري ليس وحدة او تشكيل عسكري .
نعتقد بان واجب اعضاء الاحزاب الثورية ، لاسيما الكادر الحزبي الذي درس وعرف وآمن وتعامل وطبق الدستور والنظام الداخلي والمبادئ والشعارات ، واجب المبادرة والابداع والحركة باتجاه رفد الحزب بكل ماهو مفيد ، فالكادر الثوري الحقيقي محصن ، وحصانته ناتجة عن ايمانه بالمبادئ الثورية التي اعتنقها وضحى من اجلها وفي سبيلها .
ان البعض من اعضاء الاحزاب الثورية يتصرف وكأنة موظف في دائرة حكومية ، جالس على مكتبه يتثاوب ويعد ساعات العمل ليعود الى البيت ، والاخر ينشط في يوم معين او اسبوع او موسم معين ويعود الى سباته العميق ، والثالث من تبرز لديه ظاهرة مرضية وهي عبادة الاشخاص (الصنمية )، والتي من خلالها يكبل نفسه ورفاقه بقيود تمنعه من التفكير والحركة باتجاه التفاعل مع الواقع المعاش كطليعي يتطلع الى مستقبل افضل ، فيبقى يراوح في مكانه ينتظر القرار الصادر من الشخص المقدس لديه .
علينا ان نفرق مابين القرارات الصادرة عن الشرعية المستندة الى الدستور والنظام الداخلي وبين مزاجية واهواء المقدس الذي اكتسب قدسيته من البعض من الوصوليين والانتهازيين ومن الذين يتحركون استنادا للمثل الشعبي (امشي جنب الحيط يحتار عدوك فيك).
الانتماء للحزب الثوري بارادة حرة واعية ، يعني التحرر من الخوف والتبعية وتقديس الاخر ، يعني العمل الطوعي المبدع الذي يتنفسه المناضل كما يتنفس الاوكسجين ، العمل الذي يعني التخلص من ادران الماضي والانقلاب على الذات ، والذي يعني (اول من يضحي واخر من يستفيد )، والذي يعني ( العمل من موقعك )، المناضل الثوري الذي سلك طريق المبادئ ، يتحرك يبدع ، يقترح ، يجابه، يواجه، وكأنه هو الحزب والحزب هو ، واذا ما تعثر بسبب ما ، فسينهض من جديد لانه مؤمن بأن اجتهاده جاء ضمن سياقات العمل والمحددات ، اما اذا نجح في اجتهاده فعليه ان يتقدم الى امام من غير غرور وشعور بالفوقية وداء العظمة .
ان النماذج والرموز الحزبية التي مرت وتمر على المناضل ، اي مناضل ، كثيرة لاسيما عندما يمر الحزب الثوري في ازمات ومحن ، فعليه ان يختار ماهو اسمى وافضل واصلح ، فالازمات التي يمر بها الحزب قد ضبابية ، فعلى المناضل التعامل مع الحدث بحذر والانحياز الى جانب النموذج والرمز الذي آمن به عبر المسيرة النضالية لذلك النموذج والرمز ، بغض النظر ان كان هذا النموذج والرمز مسؤوله المباشر او غير المباشر ، فالعمل النضالي يتطلب الوعي والحنكة والحكمة .
نسمع كثيرا من الناس من يقول : ان معيار الاختيار لدي ياتي من خلال ايماني بان اي جانب تقف معه وتدعمه الامبريالية الامريكية والكيان الصهيوني هو الباطل بعينة، وهذا المعيار صحيح الى حد ما بالنسبة للثوري الذي يريد الخلاص لامته وشعبه لاسيما المناضل البعثي ، وبالتالي فعلينا ان نضع معيارا دقيقا نتحرك بموجبه اذا ما وجدنا انفسنا في حيرة ، واما اختيار في ظل الازمات والمحن ، المعيار الذي علينا التعامل معه على انه الحق ، هو الانحياز الى جانب النموذج الرمز والقدوة الذي اختبرناه وعرفنا مسيرته النضالية ، وليس المقدس الذي توهمنا انه مقدس ، فلا وجود لشيء مقدس في العمل الثوري الا الاهداف العظيمة التي آمن بهار المناضل وتمثل تطلعات الشعب والامة .
الابداع والعمل المثابر وفق منهجية صحية تلتزم بالثوابت لاتحتاج الى فرمان او قرار او توجيه ، واذا ما اجتهد المناضل واخطأ الاجتهاد فعليه ان يعتذر لنفسه اولا ، ومن ثم يقرر الصمت او الاعتكاف او الاعتزال عن العمل الحزبي بصمت واحترام لنفسه وحزبه ورفاقه ، ليفسح المجال امام المبدعين المجددين الذين يعرفون كيف يتعاملون الواقع و مع النظرية والتطبيق ومع القول والفعل .