أهم الأخبارمقالات

الثورة في إيران: من 1979 إلى 2023

علاء الدين توران

يوم الأحد، 12 شباط/ فبراير، تنطلق احدى اكبر المسيرات الإيرانية الحاشدة في باريس، والتي ستمتد من ميدان دانفر روشيرو إلى ساحة إينوليد، في قلب العاصمة الفرنسية.

وبينما تنتفض أكثر من 280 مدينة إيرانية منذ أكثر من أربعة أشهر مِن أجل تغيير نظام الملالي، ستكون مناسبة هذه المسيرة إحياء ذكرى الإطاحة بنظام الشاه، قبل 44 عاماً، ودعم الانتفاضة الحالية.

في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، عندما اشتعلت الشرارة الأولى للانتفاضة بعد مقتل الشابة مهسا أميني في سجن دوريات الإرشاد، أطلقت النساء الإيرانيات الشجاعات – أحياناً عن طريق حرق الحجاب – حركة احتجاجية كبيرة للنساء والشباب وعموم الشعب في إيران، ظن البعض خطأً أنها ستعود بإيران 44 عاماً للوراء.

البعض، وبنوايا سياسية مقصودة، قاموا بالتلميح لعودة نظام الشاه. هذه الأيام، في ذكرى سقوط الشاه، تُفسر ثورة كل الشعب الإيراني ضد نظام الشاه بشكل سلبي مِن قبل البعض، وأحيانًا تُفسر الحركة العظيمة للشعب الإيراني في عامي 1978 و 1979 على أنها زلّة تاريخية!

في هذا السياق، يحاول البعض إظهار الثورة الحالية بأنها حركة مضادة لثورة عام 1979، بل إنها حركة لتصحيح المسار حتى من بداية نقطة الارتداد.

مثل هذه النظرة، إن لم تكن تنطوي على خبث، ترجع إلى قِصر النظر السياسي.

إن حركة أو ثورة 2023 ليست في الاتجاه المعاكس لكل ذلك، بل هي استمرار واستكمال لانتفاضة 1979، أي أن فبراير 2023 هو إعادة لثورة فبراير 1979 المخطوفة إلى مسارها الصحيح، أي الحرية والديمقراطية والحكم الشعبي، وهو ما رفضه الملالي بعد توليهم الحكم.

في الثورة ضد الشاه، طالب الشعب الإيراني أيضاً بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الخميني سرق قيادتها واستبدلها بدكتاتورية أكثر ظلماً من الشاه بمئات المرات.

في عام 1979، كطالب في جامعة طهران، كنت أشاهد كل يوم انتفاضات واسعة النطاق في طهران والمدن والجامعات وأماكن مختلفة يردد فيها المنتفضون شعارات تنادي بالديمقراطية والحرية.

كان أهالي طهران والمدن الأخرى يحمون صدورهم بأيديهم العارية أمام الجيش واستشهدوا من أجل الحرية.

وفي برد الشتاء، اعتادوا على الوقوف في طوابير طويلة لشراء النفط والبنزين لأنهم كانوا يعلمون أن عمال النفط قد أضربوا تضامناً مع مطالبهم.

وازداد التلاحم والتماسك الاجتماعي ضد حكم الشاه إلى حد لا يصدق، رغبتهم الوحيدة كانت رحيل الشاه ونيل الحرية.

غادر الشاه، لكن الحرية لم تدم سوى لبضعة أيام، وسرعان ما سرق المعممون إنجازات تلك الثورة.

في ذلك الوقت، كان من الصعب تخيل أن حكومة جديدة ستقوم تحت ستار الدين، بدلاً من نظام الشاه، يمكن أن تنتهك بسرعة نفس القيم التي قدمنا من أجلها الكثير من الشهداء وهذا القدر من التضحية.

بعد 44 عاماً، عندما أسمع نفس شعارات الحرية والديمقراطية وفصل الدين عن الحكومة، لا أستغرب على الإطلاق.

تلعب المرأة دوراً مهماً في المجتمع الإيراني، الى درجة أن القضايا المتعلقة بحقوق المرأة كانت ومازالت تتصدر الدوافع الرئيسية للثورة، وبين الماضي والحاضر لانجد اختلافاً كبيراً في حجم الظلم الذي تعرضت له المرأة سواء من قبل نظام الشاه أو نظام الملالي، مثلاً، قام رضا خان قزاق، والد محمد رضا شاه، الملقب بشاه إيران عام 1925، بفرض (عدم الحجاب) على الإيرانيات بمرسوم خلع الحجاب وشعار “بلاحجاب أو ضرب الرأس”.

كانت النساء اللواتي أُجبرن على خلع الحجاب بالجَلد والطلقات النارية والضرب في الشوارع وفي الأماكن العامة مؤشراً على إنكار الحرية الاجتماعية لنصف سكان البلاد، أي الحق في اختيار الملابس بحرية.

لوحظ نفس المؤشر مرة أخرى في عام 1979، بعد بضعة أشهر من تولي الخميني السلطة في إيران بعد الشاه.

هذه المرة، أعلن الخميني أن الحجاب إجباريٌ للنساء الإيرانيات تحت شعار “اما حجاب أو ضرب الرأس”، (بمعنی من لا تلبس الحجاب، یجب ضربها علی‌ رأسها).

في ذلك الوقت، انتفضت النساء اللواتي عارضن قواعد اللباس التي تفرضها الحكومة واعتبرن ذلك انتهاكاً لحقهن الاجتماعي الطبيعي في اختيار نوع الملابس، ضد حكم الخميني بنفس الروح التحررية للثورة الإيرانية.

لم تكن هذه القضية خاصة بالنساء اللائي كن بلا حجاب، لكن عضوات منظمة مجاهدي خلق اللائي اخترن عن وعي ارتداء الحجاب انضممن إلى التظاهرة دفاعاً عن هذه الحرية الأساسية للمرأة.

وحتى ضد هجوم البلطجية وعملاء الملالي، دافعوا عن النساء اللواتي لا يردن انتهاك حقوقهن الأساسية، مقابل الاستسلام للهراوات والضربات.

بنفس الطريقة التي لم تكن نية رضا خان قزاق من وراء فرض عدم الحجاب هي تقدم المرأة وتطويرها، بل حرمان نصف المجتمع من الحرية الأساسية، وبنفس الطريقة، لم تكن نية الخميني في جعل الحجاب إجبارياً الدفاع عن الإسلام وتقاليده، ولكن لحرمان نصف المجتمع الإيراني من الحرية والحركة والديناميكية.

ومع انتصار الثورة المناهضة للشاه، لا يتمكن الملالي المتخلفون من استخدام قوتهن في الاتجاه الصحيح.

ليس عجيباً أنه بعد أربعة عقود من المقاومة ضد الحكم الاستبدادي للملالي، عادت الانتفاضة الإيرانية الآن مرة أخرى مع الدور القيادي للمرأة على نفس خط انتفاضة 1979.

أي أن توفير الحريات الأساسية وضمانها وإعادة حق السيادة إلى الشعب الإيراني هي استمرار ومكمل للانتفاضة الكبرى لعام 1979، والتي تعيق بالطبع طريق أي حركة رجعية وأي هيمنة دكتاتورية على المجتمع.

إن ثورتين على مدى 44 عاماً هي في الواقع ثورة واحدة بروح واحدة: الحرية وضمان استمرارها في المجتمع الإيراني ورفض أي نوع من الدكتاتورية في إيران.

 

ايلاف

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى