التعليم بغير اللغة الأم.. دراسة تفضح مخطط الاحتلال لتشويه هوية الأحواز العربية
خلصت دراسة أن فرض التعليم بالفارسية في مدارس الأحواز، شكل جزء من مخطط الاحتلال الفارسي لتغيير الديمغرافي في دولة الأحواز المحتلة، ومحاولة سطات الاحتلال تغيير الهوية العربية الأحوازية بهوية فارسية أو تشويه الهوية والتاريخ العربي الأحوازي مما يجعل المواطن الأحوازي في وضعية صعبة، ولكن قدرات الأحوازيين في استمرار اللغة العربية عبر الحديث بها في المنزل جعلت مقاوم لكل محاولات الاحتلال تفريس الأحواز.
ولفتت دراسة تحت عنوان” التعليم بغير اللغة الأم في الأحواز وأبرز التبعات التعليمية والهووية والاجتماعية ” نشرها معهد الحوار للأبحاث والدراسات، أن قضية التعليم في الأحواز قضية لها خصوصيتها المتفردة، لأن التعليم بغير اللغة الأم، بالنسبة لعرب الأحواز، هي تجربة مبكرة تدخلهم إلى عالم التصادم، التصادم مع لغة لم يتعرفوا عليها في عالم طفولتهم، بل جاءت أجنبية كل الأجنبية عنهم.
ولذلك فإن الأحوازي، بفعل هذا العامل الجد مبكر، يلفي نفسه أمام تعامل مع قضية لا يفهمها إلا على حالة تيه وغرابة شديدين. إن الطفل العربي الأحوازي، ومعه أمه وأهله، إلى قُبيل سنين قريبة، ظل بعيدا كل البعد عن تجربة الحياة مع لغة هي غير لغته، ما جعله يتراجع أمامها ويذوي نشاطه لجهله بها.
وتطرقت الدراسة إلى ثلاث تتعلق بالتعليم بغير اللغة الأم، ألا وهي الجوانب التعليمية الفنية، والجوانب الهووية، وختاما الجوانب المجتمعية.
وأوضح أن صفع الطفل العربي في الأحواز من قبل الاحتلال الفارسي، في بداية عمره وبواكير تعليمه مهارات الحياة ومعارفها، صفعه بلغة في التعليم هي غير اللغة الأم لديه تعني رميه في برزخ يفصله عن لغته التي نشأ عليها حتى السابعة من عمره، لغة صفعته في المدارس لا يدري أين زمامها وكيف خطامها.
لقد كانت هذه الظاهرة إلى قبيل سنوات قليلة، ظاهرة جد طاغية على النظام التعليمي الإيراني، حيث كان الطالب الأحوازي- دون أن نتوفر على احصائيات موثوقة بل يأتي الكلام بناء على انطباعات حدوسية أو من خلال تصريحات أساتذة المدارس المعنيين بالأمر- مضطرا إلى إعادة نفس الصف الأول أو الثاني، لسنتين أو ثلاث، لضعفه في التعليم وفهم المواد الدراسية. وليس ضربا من الخيال إن قلت أن أكبر أسباب هذه الظاهرة الشؤمة هي الجهل باللغة الفارسية: لغة التدريس الرسمي في إيران، وهو ما أدى إلى اقتناع الكثير من الأسر العربية الأحوازية بالعدول عن بعث أطفالهم إلى المدارس الفارسية؛ وذلك بعد التحقق من ضعف الأطفال في جميع المواد الدراسية من قراءة وكتابة ورياضيات إلخ.
واوضحت الدراسة أن ظاهرة ترك الدراسة تتواجد بشكل كبير في القرى الأحوازية، وهي تعاني من ضعف اقتصادي جعل الحافز حاضرا على الدوام لاستيعاض العمل على الحقول أو رعي المواشي إلخ بالدراسة.
ولفتت الدراسة إلى رضا بهلوي لم يغفل ولا الزمرة التي كانت تحوط به من مخططي النظام التعليمي الأحادي اللغة الإيراني، على رأسهم عيسى صديق، من شأن اللغة في بناء الهوية، ودورها الآكد في توطيد أزعومة الأمة الإيرانية الواحدة، الفارسية اللغة، إلى جانب تأثيرها في توطيد دعائم النظام الجديد في السياسة والمجتمع الذي أفرضوه على جغرافيا إيران. لقد أراد شاه إيران صناعة أمة موحدة اللغة والثقافة عبر استناده على فرض لغة موحدة على جميع القوميات القابعة تحت حكمه، مقتنعا بأن ذلك الفرض هو من سيصنع أمته المطلوبة، وبذلك عمل جاهدا على معاداة اللغات الأخرى الموجودة في دولته المفروضة بفائق السلطة، على رأسها العربية والكوردية والتركية والبلوشية. ويمكننا في هذا السياق تحديد أهم تبعات سياسة الدولة التعليمية هذه، على المستوى الهووي.
وبينت الدراسة أن فرض التعليم بالفارسية على المتعلمين الأحوازيين جعلهم يعانون من أمور عديدة ومتشعبة؛ ذلك أن اللغة ومن ثم التعليم بغير اللغة الأم لا يعني أمرا فنيا فحسب، بل إنه أمر وجودي يمس ذات الفرد والجماعة معا، إن اللغة العربية بالنسبة للعرب جميعا، وللأحوازيين خصوصا، هي ذلك الوعاء التاريخي الذي يحمل معه تكوينهم الطبيعي والحضاري، وذلك المحمل الذي يختزن عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم وجميع ما توارثوه خلال تعاطيهم مع حياتهم وتجاربهم التاريخية الوجودية بها.
وخلصت الدراسة إلى أن التعليم المشوه الذي فرضه الاحتلال الفارسي على شكل إخلال في عملية التنشأة المجتمعية، وتحويلها إلى مطية إيديولوجية سافرة تريد النيل من العروبة وصناعة كيان موحد على حساب التعدد والأمم المتنافرة، وفي سياق تشويه التاريخ والمجتمع والقيم معا، وعبر تلك العملية الهادفة إلى هندسة مجتمعية جلعت جل مساعيها الركض وراء طرد العربي، وجعل الأمثولة الفارسية هي المسبار والأصل الذي يعتد به ويُقاس عليه.