الانضباط الإيراني يجمد الانفجارات
طوني فرنسيس
لن تكون لعبة الحرب الإقليمية الشاملة سهلة على الرغم من الأحاديث المتواترة عنها والتصريحات والتهديدات المتعددة المصادر والاتجاهات بشأنها. وعلى الرغم من أن بعض الأحداث الأخيرة، ومنها قصف مطار دمشق بسبب تحويله إلى محطة عسكرية إيرانية، وإخراجه من الخدمة كانت كفيلة بتصعيد كبير، إلا أن شيئاً لم يحصل، وانضبطت الأمور تحت سقف الضربات الاستخباراتية الإسرائيلية داخل إيران، تواكبها حملة إعلامية كبيرة، إسرائيلية المصدر أيضاً عن استعدادات إيرانية للاعتداء على إسرائيليين في تركيا ودول أخرى. فتردّ إيران بالنفي وتدعو أنقرة إلى مساعدتها في التكذيب، معربةً ضمناً وصراحةً عن استيائها من التحسن المطّرد في العلاقات التركية الإسرائيلية.
الهجوم على مطار دمشق كان ذروة في العمليات الإسرائيلية ضد الوجود الإيراني في سوريا. وفي رواية روسية لما جرى أن تل أبيب حذرت رئيس النظام السوري بشار الأسد من أنها مستعدة لقصف قصره إذا استمر في علاقته مع طهران. حصل ذلك عشية تدمير تجهيزات المطار السوري. وبحسب الصحيفة الروسية “نيزافيسيمايا غازيتا”، فقد لام الإيرانيون روسيا لتغاضيها عن الضربات الإسرائيلية، كما يلوم الإسرائيليون روسيا لتحالفها مع إيران، “وهكذا أصبحت مطالب شركاء موسكو مشكلة لها”.
نجحت إسرائيل في وقف الرحلات الإيرانية إلى مطار دمشق، وفي رأي بعض المعارضين السوريين، أن الأسد إذ خُيّر بين قصف قصره والتخلي عن إيران، سمح ضمناً بتدمير المطار كأهون الشرور. أما رئيس الاستخبارات السابق في الأركان الإسرائيلية تامر هايمان، فيرى أن “الضغط قد يجبر طهران على استخدام القوة النارية ضد الإسرائيليين في سوريا، إلا أن الإيرانيين لن يتنازلوا عن “حزب الله” لكنهم قد يتخلون عن سوريا”.
السمة الهجومية لتحرك تل أبيب ضد طهران لم تتبدل، لا في سوريا ولا في الحرب الخفية داخل إيران نفسها، وهي إذ حمّلت مسؤول استخبارات الحرس الثوري حسين طائب مسؤولية ترتيب اعتداءات ضد إسرائيليين في الخارج، بدا أنها نجحت في فرض إبعاده عن المشهد واستبداله بآخر.
كانت خطابات الحرب التقليدية تملأ الفضاء السياسي الإيراني، ووصل بعضها أكثر من مرة إلى تحديد مهلة زمنية بالدقائق لإزالة إسرائيل عن الوجود، غير أن اللهجة اختلفت بشكل ملحوظ بعد هجوم مطار دمشق والتوغلات الإسرائيلية الاستخباراتية داخل إيران. فإلى جانب الضغط الأمني، تواجه طهران تفاقماً في المشكلات المعيشية تتخلله إضرابات وتظاهرات وصدامات، ما اضطر قادتها إلى التركيز على حماية استقرار النظام والتنبيه إلى الخروقات “الثقافية”، وجعل الرئيس إبرهيم رئيسي ينصرف بعيداً من التهديد الأمني ليدعو إلى “الجهاد الزراعي” في مواجهة أزمات التموين والأسعار، ولينبّه إلى هجرة الشباب قائلاً، “يجب أن نأخذ على محمل الجد مغادرة وهجرة الطلاب المتعلمين الحاصلين على درجات ممتازة”.
لم ترِد أحاديث عن الرد الإيراني بشأن الهجمات الإسرائيلية على لسان المرشد أو الرئيس. قادة آخرون تولوا المهمة، فوقعوا في الارتباك. القائد السابق للحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري تحدث عن “ضربات تلقتها إسرائيل، هي تعرفها، وبعضها لا يزال مستمراً”، وأوضح، “نحن وجبهة المقاومة (أي الامتدادات الإيرانية في المنطقة) وجّهنا هذه الضربات مرات عدة، في المنطقة وفي مختلف البلدان وحتى داخل الأرض المحتلة”.
جاءت الأرض المحتلة في أسفل القائمة، لكن هذا التصريح لم يكُن ليرضي القيادة الرسمية. في اليوم التالي، حرص سعيد خطيب زاده على التوضيح أن “الرد على تل أبيب يأتي في مكانه وليس في دول أخرى”.
كان ذلك مقدمة للتنصل من “العملية التركية” التي تولت إسرائيل شرح تفاصيلها وعرضت صحف تركية بارزة مجرياتها.
وفي الأثناء، زادت تل أبيب التي وضعت “رأس الأخطبوط” الإيراني هدفاً رئيساً، من منسوب تهديداتها للأذرع. فكانت المناورات الحربية داخل فلسطين وفي قبرص رسالةً إلى طهران وتحذيراً صريحاً لـ”حزب الله” في لبنان. وقد عاش اللبنانيون في الأسابيع الأخيرة قلقاً فعلياً من حرب إسرائيلية تدمر ما تبقّى من بلد تولى حكامه إفراغه من مقومات عيشه.
غير أن مناخ التصعيد بقي منضبطاً. لم تؤدِّ أسابيع الصدام حول الأقصى إلى “انفجار إقليمي” تحدث عنه قادة الممانعة في بيروت وغزة، ولم يسفر الخلاف البحري بين لبنان وإسرائيل عن هجوم يشنه “حزب الله” على حقل كاريش، تماماً مثلما لم تؤدِّ هجمات دمشق واغتيالات طهران إلى حرب مفتوحة.
على العكس من ذلك، انضبطت ساعة المنطقة تحت سقف الحسابات الإيرانية التي بدا أنها تستعيد محاولات إحياء الاتفاق النووي، للاستفادة من مزاياه الاقتصادية، وتنتظر جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة واحتمالاتها، وتتهيأ ربما لعودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل.
اندبندنت عربية