مقالات

الاتفاق الجديد مع إيران يتركنا أكثر خنوعاً وضعفاً

بريت ستيفنز

ما الذي يظن الرئيس جو بايدن أنه سيخرج به من وراء اتفاق نووي جديد مع إيران؟
قبل عام، بدت الإجابة واضحة على نحو معقول أمام الإدارة الأميركية، فقد ردت طهران على قرار دونالد ترمب بالانسحاب من اتفاق 2015 الأصلي – المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة – من خلال تخصيب اليورانيوم إلى مستويات من النقاء أعلى من أي وقت مضى، الأمر الذي جعلها قريبة بشكل متزايد من القنبلة النووية أو على الأقل القدرة على بناء واحدة بسرعة. وما لم تبرم صفقة جديدة تفرض قيوداً على التخصيب، بدا أن إيران في طريقها نحو اجتياز خط النهاية النووي عاجلاً، وليس آجلاً. ومن هنا تأتي الضرورة الملحة لعقد اتفاق نووي مع إيران.
لكننا نعيش اليوم في عالم مختلف، وهو عالم لا تعتبر فيه روسيا والصين – وهما طرفان في كل من خطة العمل الشاملة المشتركة والمفاوضات الحالية – من الدول التي تحمل نوايا طيبة. هو أيضاً عالم لا ترد فيه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات على مكالمات جو بايدن الهاتفية في خضم أكبر أزمة جيوسياسية في القرن الحادي والعشرين. وعليه، ربما تحتاج الإدارة إلى التفكير في التداعيات الأوسع نطاقاً لعقد اتفاق جديد بعناية أكبر قبل التوقيع مرة أخرى على اتفاق. حتى هذه اللحظة، لم يتحقق ذلك. ويقال أن الاتفاق جرى الانتهاء من الجزء الأكبر منه، باستثناء مفاوضات اللحظة الأخيرة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة سترفع «الحرس الثوري» الإيراني – الذي تتهمه واشنطن بأنه مسؤول عن قتل مئات الأميركيين – من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية الخاضعة للعقوبات.
وعندما سألته شبكة «سي بي إس» في وقت سابق من هذا الشهر عما إذا كان الاجتياح الروسي لأوكرانيا سيؤثر في المفاوضات النووية، جاء رد وزير الخارجية أنتوني بلينكن حاسماً: «هذه الأمور مختلفة تماماً، وليست مرتبطة ببعضها بأي شكل من الأشكال». ومع ذلك، تظل الحقيقة أن الأمرين مرتبطان ببعضهما البعض بطرق تكتيكية واستراتيجية كبيرة وصغيرة. جدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة لا تتفاوض حتى على نحو مباشر مع طهران – يرفض الإيرانيون السماح للأميركيين بالحضور، والأمر الذي يستعصي على التصديق هنا أن الإدارة الأميركية وافقت. بدلاً من ذلك، تعتمد واشنطن على وسطاء.
والآن، دعونا نسأل كيف يبلي هؤلاء الوسطاء؟ في هذا الصدد، قال ميخائيل أوليانوف، كبير الدبلوماسيين الروس المشاركين في المفاوضات، في وقت سابق من هذا الشهر خلال مقابلة أجريت معه: «أنا صادق تماماً عندما أقول إن إيران حصلت على أكثر مما يمكن أن تتوقعه – أكثر بكثير». وأضاف: «كان أصدقاؤنا الصينيون أيضاً مفاوضين مشاركين بفاعلية ومفيدين للغاية».
ربما كان أوليانوف يبالغ. لكن مع الاتفاق أو من دونه، ستبقى موسكو قادرة على بناء محطات طاقة نووية في إيران، بغض النظر عن العقوبات المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا. كما ستظل بكين التي وقعت عام 2021 على شراكة إستراتيجية تمتد لـ25 عاماً مع طهران بقيمة 400 مليار دولار، قادرة على إدارة أعمال مربحة داخل إيران، من دون أن تعبأ كثيراً بالعقوبات الأميركية.
وإضافة إلى اتفاقية الصداقة «دونما حدود» المبرمة في فبراير (شباط) بين فلاديمير بوتين وشي جينبينغ، يمثل الاتفاق الإيراني خطوة أخرى نحو ظهور تحالف ثلاثي جديد مناهض للديمقراطية.
والآن، ماذا عن الجانب الإيجابي للاتفاق النووي؟ العام الماضي، وعد بلينكن باتفاق جديد «أطول أمداً وأقوى»، ملمحاً إلى أن الاتفاق الجديد سيسعى لتمديد أجل بعض «بنود الانقضاء» في خطة العمل الشاملة المشتركة التي كان من المقرر أن ينتهي سريانها في العقد المقبل، إضافة إلى وضع قيود على إجراء إيران اختبارات لصواريخ باليستية.
وليس من الواضح ما إذا كان الاتفاق الجديد سيحقق أياً من الهدفين، لكنه على الأقل سيمدد «وقت الاختراق» لإيران من ثلاثة أسابيع إلى حوالي ستة أشهر، ويقصد به الوقت الذي تحتاجه للحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية، وإنشاء نظام تفتيش نووي تدخلي، وإعطاء جهود الدبلوماسية المستقبلية مزيداً من الوقت للعمل، وإحباط حدوث أزمة نووية في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، في وقت ينصب اهتمام العالم على مكان آخر.
هذا ليس بالأمر الهين. وفي حالة إبرام الاتفاق، ستعمل الإدارة الأميركية جاهدة لإثبات أن هذا حل جيد بما فيه الكفاية لمشكلة تبدو جميع الحلول الأخرى لها أسوأ. كما أنها ستؤكد أن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة» إذا اختارت إيران صنع قنبلة نووية.
المشكلة الوحيدة أنه لا يبدو أن أحداً داخل المنطقة يؤمن بهذا المنطق أو أي ضمانات أمنية أميركية أخرى – ومن هنا جاء تجاهل الرد على الاتصالات الهاتفية. قد يبدو أن التوصل إلى اتفاق يشكل «ركلة البداية» هو بمثابة انتصار دبلوماسي لوزارة الخارجية، إلا أن الأمر لا يعدو كونه هزيمة استراتيجية عندما لا تفعل أكثر من مجرد إرجاء أزمة المستقبل في مقابل تعزيز خصومنا في الوقت الحاضر.
جدير بالذكر أن طهران هاجمت العراق بصواريخ باليستية في وقت سابق من هذا الشهر وشنت (من خلال وكلائها الحوثيين) ضربات صاروخية وهجمات باستخدام طائرات من دون طيار ضد أبوظبي في يناير (كانون الثاني)، فما الذي يمكن أن يتوقعه جيران إيران منها عندما تتجدد خزائنها بعائدات نفطية تبلغ عشرات المليارات من الدولارات، مع تحررها من العقوبات؟
على الرغم من أن الإدارة الأميركية وأصدقاءها سينفون ذلك بشدة، فإن التحدي الجيوسياسي الرئيسي الذي تواجهه واشنطن اليوم يكمن في التصور الذي يتشاركه الأصدقاء والأعداء على حد سواء، بأننا ضعفاء وخائفون ومشتتون ومنقسمون. وساعدت المقاومة التي قدمتها أوكرانيا ضد روسيا، مدعومة بالمساعدات العسكرية الأميركية وقوة عقوباتنا، في تغيير هذا التصور، على الأقل إلى حد ما. ومع ذلك، ما زلنا بعيدين عن تحقيق أي نوع من الانتصار هناك ناهيك عن السيطرة على المحور الجديد للاستبداد.
الواضح أن إدارة بايدن بحاجة ماسة إلى تصدير صورة قوية لها. في الوقت ذاته فإن الاتفاق الإيراني الذي يجعلنا أشد ضعفاً من الاتفاق السابق يحقق العكس تماماً في لحظة لا نستطيع فيها تحمل أي إخفاق آخر.

«نيويورك تايمز»

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى