إيران وكوريا الشمالية والحليفان الصيني والروسي
طوني فرنسيس
عاد الزعيم إلى بلاده “بصحة جيدة بعد قيامه بالأنشطة الثورية الخارجية الخالدة التي ستسجل للأبد في تاريخ تطور الصداقة”.
الزعيم المعني بالعودة هو كيم جونغ أون قائد جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (الشمالية)، والوصف المذكور أوردته وكالة الأنباء الرسمية لبلاده بعد رجوعه من زيارته إلى الشرق الروسي بالقطار حيث قابل الرئيس فلاديمير بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو وقادة آخرين تباروا جميعاً في تقديم الهدايا المناسبة لـ”الرجل الصاروخ” كما سماه الرئيس الاميركي الأسبق دونالد ترمب.
وشملت تلك الهدايا بندقية مميزة من بوتين وطائرات مسيّرة للتصوير والتفجير وتوابعها من الألعاب العزيزة على قلوب قادة الحروب المفتوحة.
انتهت جولة كيم “الثورية” في الشرق الروسي ليغادر شويغو أحد أبرز مستضيفيه المكان على عجل ووجهته طهران. في طهران أيضاً يتقنون ويحبون لغة وكالة أنباء كوريا الشمالية في وصف أنشطة القائد، وفي البحث عن وسائل مواجهة “الشيطان الأكبر” الذي يحمل في الشرق الأقصى الكوري اسم “الإمبريالية الأميركية”.
تبدو إيران وكوريا الشمالية في تركيبة نظاميهما الأكثر تشدداً وعداءً لأميركا، لكن حاجة حليفتيهما، روسيا والصين إليهما تقف في النهاية عند حدود لا يتم تخطيها، فالدولتان الصاروخيتان بمثابة “فزاعة” في عملية إعادة رسم خرائط النفوذ بين الشرقين الأقصى والأوسط.
قامت الرؤية الإيرانية للعالم على أن دخول طهران في منظمات إقليمية متعارضة في المبدأ مع الولايات المتحدة والغرب سيدعم نفوذها الإقليمي ويحميه، بل سيؤدي إلى هزيمة الأميركيين وإخراجهم من منطقة الخليج العربي وغرب آسيا التي تشمل العراق وسوريا ولبنان، وسيهزم إسرائيل التي تصنفها أيديولوجيا النظام كياناً سيزول خلال أعوام .
واحتفت إيران خلال الأشهر السابقة من هذا العام بما اعتبرته إنجازين مهمين، الأول قبولها في منظمة شنغهاي التي تضم روسيا والصين ودولاً أخرى في آسيا الوسطى، والأخير قبول انضمامها إلى مجموعة “بريكس”، لكن هاجسها الأقوى يبقى تطوير العلاقات التي نسجتها مع الصين وروسيا إلى مستوى التحالف أو “المحور” الذي يبدو بعيد المنال.
تحتاج طهران إلى مثل هذا “المحور” لتدعيم حضورها في الإقليم، فجوهر السياسة الخارجية الإيرانية يقوم على تثبيت نفوذ النظام في المنطقة الممتدة من القوقاز شمالاً إلى الخليج جنوباً وإلى بلدان المشرق العربي غرباً، لكن الحسابات الإيرانية لم تكن على الطريق الصحيح دائماً، ففي لحظة وصول شويغو إليها كان التحالف التركي-الأذربيجاني يطيح نفوذ أرمينيا حليفة إيران وروسيا في ناغورنو قره باغ ويفتح مستقبل العلاقات في القوقاز على احتمالات تزيد قلق إيران.
كانت الأحداث هذه امتحاناً لنفوذ روسيا وموقفها، فهي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من أذربيجان وأرمينيا وتركيا، لكنها وقفت متفرجة على سير الأحداث على رغم وجود ألفين من جنودها على أرض المعركة التي سيتعرضون في نهايتها لمجزرة قتلت خمسة منهم برصاص أذربيجاني.
تركت روسيا أرمينيا صديقة إيران لمصيرها، وفي الأيام التالية كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحتفل ونظيره الأذري إلهام علييف بالانتصار في المنطقة التي ستصبح ممراً بين بلاده وأذربيجان، على رغم اعتراض إيران.
العتب الإيراني على روسيا لا يعود للحوادث الأخيرة في القوقاز، فطوال مسيرة العلاقات بين البلدين كان إيرانيون يتهمون روسيا بعدم دعم بلادهم، وفي التصريحات المسربة لوزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف اتهامات خطرة لموسكو بعدم مساعدتها في الملف النووي، تبعتها انتقادات عدة من أوساط إيرانية لعدم جدوى العلاقات الاقتصادية وحتى السياسية مع روسيا، وبلغت تلك الانتقادات ذروة جديدة لدى صدور البيان الروسي- الخليجي الذي يطالب بحل متفق عليه لقضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران.
الانتقادات نفسها وجهتها طهران لبكين يوم صدور بيان عربي- صيني تناول مسألة الجزر لكن الملاحظات الإيرانية على السلوك الصيني تذهب أبعد من ذلك، ويلاحظ مراقبون إيرانيون أنه منذ توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي لمدة ربع قرن، لم تحرك بكين استثماراتها في طهران خلال الأعوام الثلاثة الماضية بعد توقيع الاتفاق، آخذة في الاعتبار العقوبات المفروضة على هذا البلد.
الصين تتبع المنهج نفسه في العلاقة مع روسيا، فضمن منطقها حول التزام القانون الدولي لم تعلن موقفاً حازماً إلى جانب روسيا في معركتها الأوكرانية، وفي المقابل لا يخفي الروس عتبهم على الصين التي لم تطور استثماراتها في روسيا، واستفادت في المقابل من استيراد ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية قبل أن توقف موسكو تقيّدها باتفاق البحر الأسود.
لا يمكن الحديث عن محور إيراني- روسي- صيني “ممانع” كما تتمنى إيران، وإنما يصح القول إننا أمام تلاقٍ موقت للمصالح في مواجهة ما تعتبره الدول الثلاث تحدياً أميركياً.
في هذه المواجهة تختلف الحسابات لدى كل طرف، فروسيا تريد إيران إلى جانبها في أوكرانيا، لكنها ترسل إليها إشارات مختلفة في القوقاز وسوريا، والمعركة الأخيرة في ناغورنو قره باغ وضعت إيران في مواجهة جديدة- قديمة مع التحالف التركي- الأذري، فيما كان التعاون الروسي مع إسرائيل والمستمر طوال الحرب في بلاد الشام يطرح عليها أسئلة وتحديات مصيرية .
الصين أيضاً قامت بخطوة بعد اللقاء الروسي- الكوري الشمالي أزعجت موسكو وأثارت تساؤلات أبناء “المحور” المقاوم، فبعد أيام من لقاء القمة الروسي – الكوري الشمالي انعقد لقاء صيني – ياباني- كوري جنوبي في سيول تقررت خلاله العودة للعمل بصيغة القمة بين الدول الثلاث بعد تعليقها في 2019 .
ليس في الحدث ما يسر إيران أو روسيا، وفي السياق لا توحي العلاقات بين دول الثلاثي “المعادي” للولايات المتحدة بوجود أي اتفاق عميق يبنى عليه.
على الطريقة الكورية الشمالية تواصل طهران نهجاً استعراضياً في سياستها الخارجية متمسكة بما تعتبره مواقع نفوذ في المنطقة العربية الخليجية، ومن أبرز مظاهر هذا النهج اعتماد التجارب الصاروخية التي جرى تطويرها بالتعاون مع بيونغ يانغ في سياق تعاون مديد افتتحه المرشد علي خامنئي لدى زيارته كوريا الشمالية بصفته رئيساً للجمهورية.
في الآونة الاخيرة أجرت طهران تجربة على صاروخ ” قاسم” الذي يبلغ مداه 1400 كلم وقالت إنه مخصص لإسرائيل، وكررت في مناخ عدم اليقين تجاه العلاقة مع “الحليفين الاستراتيجيين الكبيرين” شعاراتها الأصلية.
جدد مستشار المرشد، رئيس تحرير صحيفة ” كيهان ” حسين شريعتمداري نظرياته عن إيرانية البحرين (عشية تعرض القوة البحرانية لاعتداء على الحدود السعودية – اليمنية) واعتبر أن سكان الإمارات “الأصليين” يرون في “الجمهورية الإسلامية الإيرانية نموذجاً لهم، ولذلك فإن دول مجلس التعاون تعارض إيران وهي معارضة تشبه الحرث في البحر” (أي بلا جدوى)!.
نظريات المستشار يشرحها قائد الحرس الثوري حسين سلامي فيتوجه إلى من يعنيهم الأمر، قائلاً “لا يمكن القضاء على النفوذ السياسي الإيراني في المنطقة فهذا النفوذ ليس دعاية أو بروباغندا، بل تترجمه طهران على أرض الواقع. تستثمر في الأزمات وتحولها إلى فرص”.
نقلا عن اندبندنت عربية